تحل الذكرى الأولى لأحداث 11 شتنبر 2001 وزعيمة العالم تخوض حرباً ضد الإرهاب بدون تحديد لمفهوم الإرهاب، ولا إعطاء أدلة مقنعة لمصدره، وبدون التزام بقواعد الشرعية الدولية التي لم تفوض لأحد -على انفراد- التكلم باسمها، والحرب باسمها، والتجريم باسمها، والتبرئة باسمها. ولكن لغة القوة لا ضمير لها، ولغة الهوى لارادع لها إلا الله تعالى يوم تنكشف الأوراق، وتسكت الأبواق.
وإذا كان لا أحَدَ من العقلاء يُسَرُّ بالزلزال الذي هَزَّ كيان الشعب الأمريكي على مختلفِ الأصعدة، فإنه لا أحَد من العقلاء يُسَرُّ بأن يكون الحدث مِدْعاة للانتقام العشوائي وضرب الشعوب المغلوبة لمجرد الظنون وتكريس الهيمنة العسكرية والاستعمارية داخل نظام العولمة الخانق لأنفاس المستضعفين.
فلقد كان الأجدر بكبار العالم وصغاره أن يبحثوا بعد الزلزال عن أفضل سُبُل التعايش الكريم بعيداً عن إرهاب الآلة العسكرية المتحكمة في الرقاب، حتى لا يحاصَر المظلوم فلا يجد أمامه من سبيل للدّفاع عن نفسه ودينه وأرضه وكرامته بكل ما يستطيع من الوسائل إلا اللجوءَ لِرَدِّ الفعل بنفس القوة التي أضاعت حقه، وانتهكت حرمته، إذْ لا يَفُل الحديدَ إلا الحديدُ، ولا يردَع المجرمَ العنيدَ إلا الأسلوب العتيد.
ولا سبيل لاستقرار الأمن العالمي والتعايش الكريم لكل دولة إلا من خلال :
< تحديد مفهوم الإرهاب تحديداً عقلانيّاً نزيها يُفرِّق بين المدافع عن أرضه ودينه وبين المدافع عن ظُلمه وعُدوانه.
< مراجعة القواعد التي بُنيت عليها المؤسسات الدولية المتحكمة في تسيير السياسة العالمية، فلقد شَبَّتْ الشعوب عن الطوق، وكبرت على الحِجْر والوصاية، وأصبحت مؤهلة للمشاركة في تقرير المصائر وتحمُّل المسؤوليات، فقد أثبتت التجارب أن مجلس الأمن لا يقوم بدوره النظيف النزيه، وأن الأمم المتحدة مشلولة شللاً تاما، وأن انفراد القطب الواحد بالتحكم في السياسة الدولية لا يجر العالم إلى شاطئ النجاة والسلامة.
< مساهمة الدول الإسلامية -مجتمعة- بفعالية في كبح جماح الظلم العالمي، وترسية قواعد العدل العالمي، انطلاقا من الرؤية الإسلامية للعدل الشامل الذي لا يفرق بين العدو والصديق، ففي تلك المساهمة الخير والبركة للأمة الإسلامية بصفة خاصة، وللإنسانية كلها بصفة عامة، وللمجرمين بصفة أخص.
أما مشاركة الدول الإسلامية في مجرد التباكي على الأطلال -التي مازال التاريخ لم يكشف النقاب عن المجرم الحقيقي الذي زلزل بنيانها- فإن ذلك لا يعطيها مكانة، ولا يرفع لها قدراً، ولا يؤسس لها مجداً حضاريا ينفعها وينفع الناس، خصوصاً إذا كان أصحابُ المُصاب لم يكفهم ما خربوا خلال سنة فقط، ولكنهم مازالوا يوزعون الاتهامات يمينا وشمالاً، ومازالوا يتهددون الشعوبالإسلامية -واحداً بعد الآخر- بالويل والثبور، وعظائم الأمور، لا لذنب اقترفته هذه الشعوب، ولكن لمجرد إطفاء نور الله تعالى، وإطفاء شهوة الجشع والغطرسة الزعاميّة.
إن أحق ما ينبغي البكاء عليه بالدّم لا بالدمع فقط هو تضييع الدين في صور وأشكال متعددة على رأسها :
1) هجر الشريعة وفرض العلمانية الفكرية والقانونية والإعلامية… على الشعوب الإسلامية.
2) الحيلولة دون اتحاد المسلمين اتحاداً شاملا تحت سقف المظلة الإسلامية هدفاً وحكماً وقضاءً واقتصاداً وسياسة وتعليما وإعلاما.
3) فرضُ الاحتلال العسكري والاستيطاني والاقتصادي على الشعوب الإسلامية، ومنعُها من المقاومة لهذا الاحتلال بشتى الطرق والأساليب، وما يعانيه الشعب الفلسطيني بقدسه ونسائه وأطفاله خير مثال للظلم الدّولي الصارخ، وخير مثال للجبروت الوحشي الأعمى الذي ينتقم لهدم عمارة، ولا تتحرك مشاعره لهدم شعب بأكمله وسط أمة محاصرة بالحديد والنار.
هذه فقط بعض الصور التي يجب أن تتباكى عليها الشعوب الإسلامية بدون انقطاع، وتُحيي ذكراها بدون انقطاع أيضاً، لأن ضياع الدين هو الخسار المورث لدار البوار، أما ضياع الطين فيعاد بناؤه بالطين، وليسا سواء إن كنتم تعقلون.