إن المسلم ا لمعاصر لو استطاع الرقي في مراتب العلم لتغلّب على الفراغ الكبير الذي يحول بينه وبين الوصول إلى السقف المطلوب، ولتحرر من مرض التقصير في اكتساب الإسلام نظريا وعمليا.
فأول المدارج علم الإيمان إذ هو الأصل الأساس في بناء الشخصية الاسلامية، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : >لقد عشت برهة من دهري وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن نقف عنده منها.. ثم لقد رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره، وما ينبغي أن يقف عنده وينثره نثر الدقل<(رواه الطبراني بإسناد صحيح) وهذا الترتيب يجعل المسلم يسير على مسار أهل السنة والجماعة، ويتجنب مزالق أهل الزيغ والضلالة.
والمرتبة الثانية : العلم بالقرآن، وخاصة حلاله وحرامه، ليجعل المسلم سلوكه وفقاً لأحكامه، والتقصير في هذه المرتبة جعل الشخصية الإسلامية النموذجية الداعية بلسان الحال مفقودة على المستوى المطلوب.
قال تعالى : {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون}(الأعراف : 7)، روى الإمام أحمد عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يأخذون منه صلى الله عليه وسلم عشر آيات فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعملوا ما في هذه من العلم، قال : فتعلمنا العلم والعمل<.
المرتبة الثالثة السنة : إن القرآن الكريم لا يفهم فهماً عمليّاً بدون السنة، وكل تقصير في معرفة السنة يعرض شخصية المسلم المعاصر إلى تشوه في مظاهر سلوكها، قال صلى الله عليه وسلم : >ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله تعالى فماوجدناه فيه حلالاً استحللناه، وما وجدناه فيه حراماً حرمناه، وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرمه الله<(رواه الترمذي).
إن الحصول على هذه الأصول الثلاثة يعتبر القاعدة الصلبة لتكوين الشخصية المطلوبة، وتجنب ما نحن فيه من مآسي الإنحراف عن الإسلام الصحيح.
عبد الحميد صدوق