الناظر فيما يجري في العالم عقب أحداث 11 شتنبر، سيلاحظ أن العلاقات الدولية بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي أصبحت تشهد توترا منقطع النظير. ولئن كان الغرب دائما يخفي قناعاته الدينية الضاربة في عمق التاريخ، ليظهر فقط ما هو إيجابي في قناعاته ودوافعه السياسية “الديمقراطية وحقوق الإنسان…”، فإن الضربات التي تلقاها جاءت لتفضح ما كان يخفيه حقيقة من عداء للعرب والمسلمين. فما أن وقعت الواقعة حتى هرولت مراكز الاستخبارات وضبط المعلومات إلى اتهام جهات عربية ومسلمة لم يتبين إلى اليوم ضلوعها في العملية، لأن العملية نفسها كانت بالدقة والسرعة حتى عسر على المختصين في المراقبة الأمنية ضبطها وفك رموزها.
يقول المحققان الأمريكيان -جوفالبز وكورنس- بعد تفنيدهما لما سربه مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) من تصريحات بأن الخاطفين للطائرات “عرب وإرهابيون : (إن اتهام إرهابيين عرب، باختطاف الطائرات إنما هو جزء من المؤامرة المبيتة منذ وقت طويل)(1)، ويؤكد ليندون لاروش، أحد المرشحين الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، ما قاله المحققان بأن “ما حدث هو مؤامرة وأنه من السخف القول إن إرهابيين عربا هم الذين اختطفوا الطائرات بكل تلك الدقة والمهارة، لا يمكن لمثل هذه العملية أن تتم من دون مساعدة من خبراء على مستوى عال جدا من الداخل”(2). وحجة هؤلاء المحققين”أنه لا يمكن لشخص يتعلم على طائرة تدريب صغيرة أن يقود طائرة بوينغ بكل تعقيداتها الإلكترونية والميكانيكية”(3) وخلصوا إلى القول بأن “كل القرائن والأدلة تبين أن الطائرات اختطفت إلكترونيا وتم توجيهها لتدمر البرجين”(4).
ولقد روجت وسائل الإعلام الغربية لهذا الإرباك الأمني الذي تسببت فيه العملية /اللغز، مما أدهش بعض المراقبين وحتى بعض الدول والشعوب التي كانت تعتقد أن أمريكا لها من الإمكانات المادية واللوجيستكية ما يمكنها من إجهاض كل محاولة تخريبية حال وقوعها، وتعقب منفذيها. بيد أنه بالرغم مما قيل أو نشر عن الجهات التي تقف وراء هذه التفجيرات من مثل تورط بعض اليهود الأمريكان وعناصر عملت أو تعمل في الجيش الأمريكي وأجهزته الاستخباراتية، إلا أن أمريكا وحلفاءها أبوا ألا أن يشيروا بأصابع الاتهام إلى العرب والمسلمين، ووضعوا خططا جهنمية من أجل تصفية كل المنظمات والجمعيات الإسلامية حتى التي تعنى منها بالعمل الثقافي والاجتماعي، فرموها بالإرهاب، ودعوا إلى محاصرتها ومقاطعتها.
إن ما نجم عن أحداث 11 شتنبر من اختلالات في السياسة الغربية، تمثل أساساً في الانحياز السافر لإسرائيل “دولة الإرهاب العبرية”، ومعاقبة الشعوب العربية والإسلامية لدليل على أن “الديمقراطية الغربية”ليست إلا سرابا يحسبه الظمآن ماء حتى إذا ما جاءه لم يجده شيئا. والحق أن ما جناه المسلمون جراء هذه الأحداث هو أضعاف ما تكبده الغرب بقيادة أمريكا راعية الإرهاب الدولي؛ وبالرغم من تبرؤ المسلمين في الغرب، وخاصة في أمريكا من العملية وإدانتهم لها إلا أن لعنة هؤلاء ما زالت تطاردهم إلى اليوم.
دشن الغرب حملته ضد ما سماه “بالإرهاب” باعتقال عدد من رموز وقيادات الجمعيات والمنظمات الإسلامية، وجمد أنشطتها وأرصدتها في البنوك، وفي بعض الأقطار قلص الهجرة أو منعها كليا، بل إنه عمد إلى التضييق على المراكز والمؤسسات التعليمية الخاصة بالأقليات المسلمة، فدفعها إلى تغيير برامجها ومقرراتها، وأخضعها للمراقبة الصارمة بغية الإجهاز على ما تبقى من هويتها الإسلامية، وأدت الحملة الجائرة إلى تحقيق الأهداف التالية:
< تجريد هذه الأقليات من بعض الحقوق المكتسبة، والتي ما كانت لتدركها لولا الجهاد المستميت والمتواصل.
< فرض قيود إضافية على أنشطتها قصد تمييعها، وحتى تستجيب لأهواء ورغبات الغرب الماكرة.
< إبعاد أو إقصاء كل عناصرها الفاعلة سواء من مراكز صنع القرار أو أية مناصب أخرى تخول لهم هذا الحق.
< دفع بعض منها إلى التفكير في الهجرة بعد تشديد الإجراءات القانونية عليها.
وما زال الغرب إلى اليوم يفكر في تدابير وإجراءات لتوسيع دائرة الإقصاء والتهميش، لأنه يعتبر الأقليات المسلمة “أخطبوطا” ينبغي التخلص منه، أو على الأقل الحد من سيره وحركته. لذلك فإن المسلمين في الغرب مطالبون بمضاعفة وتطوير نشاطاتهم السياسية والثقافية والاجتماعية، وتشكيل مجموعات ضاغطة ولوبيات يحسب لها حسابها في المعادلات الدولية والتكتلات الكبرى. وما لم يؤصلوا لهذا التفكير ويخططوا له بكل الوسائل والإمكانات، فسيتعرضون لمزيد من المضايقات ومحاولات التهميش لفقدانهم الفاعلية والقوة السياسية الكاسحة، وقد يتحولون إلى قطعان لا حول لها ولا قوة تصنع بهم يد الغرب ما شاءت وكيف شاءت..
عبد القادر صواب
——-
1 -انظر القدس ع 11701 بتصرف. // 2 -نفس المصدر.
3 -هنا إشارة إلى الطيارين العرب انظر نفس المصدر. // 4 -نفس المصدر.