“حـرب الصولـبـة ضـد الإسلام “


قبل الخوض في موضوع ما أصبح معروفا بأحداث الحادي عشر من شتنبر لابد من الكشف منذ البداية على أنها أحداث ” مروحة ” جديدة لا تختلف في أهدافها عن حادثة مروحة الأمس، ولا عن ذرائع شبيهة في شتى أصقاع العالم الإسلامي. وهذه القناعة لا تترسخ إلا في أذهان ظلت تؤمن بأن الصراع العقدي بين الإسلام والصليبية – حتى لا نظلم المسيحية – لم يهدأ عبر تاريخه الطويل وإن اتخذ أحيانا أشكالا من الهدنة الموهمة بتراجع حدته. ومن السذاجة أن يظن بأن هذا الصراع قاصر على مرحلة تاريخية قد ولت، وهي سذاجة تحاول بعض الأقلام الغربية والمغتربة تكريسها في العالم الإسلامي لحاجة في نفس الصليب.

ولقد شهد التاريخ تمويهات على هذا الصراع منها تمويهات حملة نابليون لكي يصرف الفهم الإسلامي لهذا الصراع إلى غيره مما جد في حياته البشرية من تطورات مادية. والمعلوم أن تكتيك الحملة ذات العمق الصليبي، والعباءة الحضارية اقتصر آنذاك على توغل عسكري خاطف لم يدم أكثر من ثلاث سنوات في حين لازال التوغل الإيديولوجي ساري المفعول لأنه أعتى من نده العسكري. ولقد أعقب الحملة الحضارية في مظهرها، والصليبية في عمقها استعمار كاسح في مسحة حضارية غالبة استطاع تفكيك فكرة الخلافة الإسلامية من العقول قبل تفكيكها على أرض الواقع. وقد وجدت فكرة التفكيك هذه التربة الخصبة في عقول أبناء الإسلام المنبهرين بالتفوق المادي للغرب والمنخدعين بأكذوبة الحضارة الإنسانية الحديثة. وليس من غريب الصدف أن تنطلق الحملة الصليبية المعاصرة المتوارية خلف قناع العولمة من أرض الإسلام في أفغانستان التي شهدت إبان الاستعمار الماضي إنبعاث فكرة الجامعة تحت شعار ” يا مسلمي العالم اتحدوا “، فأفغانستان أو “المستنقع” بلغة الصليب هي الوسط المناسب لاختبار فكرة إجهاض مشروع الخلافة الإسلامية، وذلك لما أثبتته من مناعة دينية ضد الاستعمار والشيوعية والعولمة. ففكرة إمارة المؤمنين ما هي إلا إحدى تجليات فكرة الجامعة الإسلامية التي اتخذت اشكالا مختلفة في شتى أقاليم إمبراطورية الإسلام العظمى.

وقد تم تحضير سيناريو المروحة المعاصرة ” أحداث الحادي عشر من شتنبر ” بدقة فائقة ليكون الانتقام للكرامة الصليبية في مستوى طموحات العولمة. ولعل الغرب لم يجرؤ على مهاجمة أطراف العالم الإسلامي إلا بعدما خبر ظروفه خبرة تنم عن إلمام جيد بتربص الظروف المواتية تماما كما كان حال الحملة الصليبية بالأمس. فكما نجحت حملة الأمس في الترويج لفكرة تفكيك الخلافة الإسلامية عن طريق تسويق فكرة القوميات والعصبيات الضيقة والنفخ فيها لتأجيج أوارها نجحت ندتها المعاصرة في تسريب فكرة العولمة عن طريق المؤتمرات الكونية الممهدة للحملة التي جعلتاإستهلاك الأفكار كاستهلاك الأشياء سواء بسواء.

لقد كانت عين الغرب بشقيه في فترة ما عرف بالحرب الباردة على حاملي فكرة الجامعة الإسلامية. وكانت استراتيجية المواجهة هي استئصال في كل الأحوال.ومع مرور الزمن اختمرت فكرة خلق حساسية خاصة ضذ الفكرة في العالم الإسلامي، وهي فكرة سوقت تسويق السلع المادية الكاسحة لأسواق هذا العالم المستهدف، فأظهرت شرائح عريضة من أبناء هذا العالم تشنجا غير مسبوق ضد ما ينعته الغرب بالأصولية والتطرف، وهو ما تمخض عنه الإرهاب وكلها مصطلحات ” مفبركة ” لاجتثات فكرة الجامعة الإسلامية لفائدة الجامعة الصليبية المعروفة تلميحا بالعولمة، وتصريحا بالصولبة.

وليس من الغريب أن يولد مصطلح جديد بعد الإرهاب يمد العولمة بمبرر آخر لخنق كل فكرة جنينية تروم بعث فكرة الخلافة الإسلامية التي تهدد المشروع الحضاري الصليبي.

ومن العبث اللهث وراء استجلاء صورة الإسلام والمسلمين في الغرب بعد مسرحية  “المروحة ” المعاصرة ، والأكثر عبثا الاعتقاد بوجود صورة لائقة قبل شتنبر الماضي في عقل صليبية الغرب. إن الغرب لم يغير يوما من عداوته للإسلام وهي عداوة لاهوادة فيها بل لعلها تزداد حدة بازدياد تفوق الغرب المادي على المسلمين لأنه تفوق يعجل بتحقيق حلم الصليبية الغابر. ولقد وقر في أذهان منفذي المشروع الصليبي أن الفرصة مواتية اليوم أكثر من أي وقت مضى لتحقيق ذلك الحلم، لهذا تسير الأحداث ميدانيا بوتيرة سريعة كأنها لحظات أخيرة من حرب حاسمة بين الصليب والهلال. وكأنها تتوجس من يقظة إسلام قريبة من شأنها أن تقلب موازين القوة، وتفوت الفرصة على تحقيق الحلم المنشود في ذهن الصليب. لقد أزبد الغرب وأرغى لما أحس بنمور الإسلام في الشرق الأقصى وهي تتأهب للانقضاض على اقتصاده فسارع إلى تفكيك خطرها عن طريق انقلابات تراوحت بين ما هو عسكري وما هو سياسي، بما في ذلك المحاكمات الصورية لذوي النزعات الإسلامية من الحكام، وتفويت الفوز عليهم في الانتخابات لفائدة العسكر من ذوي النزعات السلطوية البرغماتية الصرفة.

وأزبد الغرب وأرغى لتنامي المشاعر الإسلامية في قلب القارة الأوربية، وأبدع فصلا من فصول الحروب الصليبية من خلال حرب عرقية قذرة أخذت شكل حروب شبه الجزيرة الإيبيرية في القرون الوسطى، وقد تسنى له إبطال مفعول المشاعر الإسلامية في البلقان، وظهر بمظهر المخلص وهو في الحقيقة الخصم والحكم، وفيه الخصام.

وأزبد وأرغى لتنامي الثورة الإسلامية في القوقاز حتى غض الطرف عن أعتى عملية تصفية عرقية هناك، وما كان ليفعل لو تعلق الأمر بضحايا غير مسلمين.

ولما انطلت الحيلة على سواد المسلمين بأكذوبة الإرهاب بعد أحداث الثلاثاء الأسود بتعبير الصليب أو- هكذا خيل إليه على الأقل – صب جام غضبه على حركات المقاومة الإسلامية في الشرق الأوسط بعدما قدم حزب الله عربونا على ضراوة التمرد ضد ” الصولبة ” وانهال الدعم غير المحدود وغير المشروط على الصهيونية سمسار الغرب في قلب العالم الإسلامي.

وسرت فكرة تجريم هذه الحركات سريان النار في الهشيم حتى شطب من قاموس الأمم المتحدة مصطلح الحركات التحريرية التي صلحت كتمويه لعقود من السنين على خلاف بين شقي الغرب حول اقتسام تركة الرجل الميت.

ولقد كانت مسرحية الحادي عشر من شتنبر كافية للسطو على  أرصدة كل الجماعات والمنظمات الخيرية في خزائن الغرب لأنها تعمل من أجل فكرة الإسلام، بل وصنفت ضمن قوائم الإرهاب المعادي للصولبة. ولم يفوت الغرب على نفسه فرصة تصفية ملفات طالما تظاهر بالسكوت عنها كملف كشمير، وملف الفلبين حيث المشاعر الإسلامية المضطرمة. ولقد كفته العلمانية، والوصولية، والعمالة المشاعر الإسلامية المعادية له في الشطر العربي من أمبراطورية الإسلام، وأصبحت نموذجا يرغب في تعميمه لتسريع وتيرة الهيمنة على عالم لا مستقبل له بدون خشبة الصليب. وكالعادة سرت في سواد الأمة الإسلامية أكاذيب الغرب فسارع إلى تصديق لقاءات الجاليات المحسوبة على الإسلام في لندن وواشنطن، وتهافتت قيادات هذه الجاليات على رموز الصليبية تستدر عطفها، وانطلقت الدعوات لتلميع وجه الإسلام في الغرب، وهو تلميع لم يكن من قبل لأن النظارة التي تحملها عين الصليب تعلوها غبرة الحقد وستظل هذه الصورة شائهة إلى أن يسترد الإسلام عافيته في ظل توازن لا اختلال فيه . ولا أمل لصورة لامعة للإسلام في عالم تهيمن عليه الصولبة. ولا نهاية لمشتقات من قبيل الإرهاب في قاموس الغرب حتى يستحيل الهلال صليبا.{ولن ترضى عنك اليهود ولاالنصارى حتى تتبع ملتهم }.

ذ. محمد شرگي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>