لا ينكر إلا جاحد، الدور الفاعل الذي تقوم به الجاليات المسلمة خاصة في المهجر، في جميع المجالات، وخاصة الاقتصادية منها. وهذا، على الرغم من حملات التشهير بها، لإقصائها من الساحة والنيل منها ومن الإرث الحضاري والخصوصية التي تنفرد بها…
وكدليل على مدى الدينامية والفاعلية التي تمتاز بها، وكذا حضورها الاجتماعي، والسياسي القوي، نستحضر صورتين حديثتين:
- نسبة مهمة من الجالية المسلمة في فرنسا، إن لم نقل كلها، ساهمت في عودة شيراك إلى الإليزيه، وقطع الطريق على دعاة العنصرية في فرنسا وهولندا وغيرها.
- %70 من الجالية المسلمة في أمريكا، صوتت لصالح بوش الابن، وبالتالي قد يكون لها الفضل عليه في دخول البيت الأبيض… (لكن ملء قلبه الظلماء، كما يقول الشاعر المسلم غازي القصيبي).
وعلى الرغم من وجود ما يزيد عن 7 ملايين مسلم في الولايات المتحدة الأمريكية، وحدها، وكذا وجود جمعيات ومنظمات إسلامية لها وزنها مثل “كير” وغيرها، فإن شوارع المدن هناك بل وجامعاتها أيضا عرفت تعقبا للطلبة العرب والمسلمين، في حملات انتقامية شملت الممتلكات والمحلات التجارية… لدرجة دفعت الرئيس بوش إلى تهدئة الوضع. لقد أنحت باللائمة على “الإرهاب الخارجي ربيب “محور الشر” الذي تعرفه أمريكا فقط.
لقد تبنى بوش الحرب ضد الإرهاب ووصفها بأنها حرب صليبية، وهنا اتفق مع تصريحات صديقه بيرلسكوني، الإيطالي، الذي انتقص من الحضارة الإسلامية. لكن الرجلين سرعان ما سحبا كلامهما، ظاهريا، بعد أن خمنا في عواقبه وجرائره – وإن كان حال المسلمين في بلدانهم قد وصفها الشاعر غازي القصيبي قائلا:
أيها القوم نحن متنا… ولكن
أنفت أن تضمنا الغبراء-
إلى جانب ذلك، كان لابد من تطبيع الأمور والأخذ بزمامها، وهذا :
- بالتشجيع والمساعدة في القضاء على الجماعات (الأصولية)، ولا بأس في تقليص التعليم الديني أو إزالته.
- تكثيف الحملات الإعلامية الغربية المناهضة للمسلمين وفي نفس الوقت، تخصيص إعلام موجه للعرب والمسلمين، خاصة المسموع والمرئي منه قصد اجتذابهم. إذ يستقدم مشاهير الصحافيين، وتصرف الأموال إلا أن المثير هو التفكير في إنشاء قناة فضائية ناطقة بالعربية لاحتواء الساحة الإعلامية والانفراد بها.
الجالية المسلمة في أوربا
والغربة المضاعفة
عقب أحداث 11/09/01، نالت هذه الجالية في تلك البلدان حظها من التقريع ومن سهام الحقد والاتهامات المجانية المتسرعة، من حماة الديمقراطية والحرية ولا زالت هذه الحملة مستمرة.
لقد أصبح الشر كله صادرا عن المسلمين إلى إشعار آخر. وهذا بعضه، حسب مزاعمهم التي دحضت في إبانها:
- في حادثة انفجار المعمل الشهيرة في فرنسا، أشارت أصابع الاتهام إلى الإرهابيين. لكن فرحة الأعداء لم تدم، لأن الحادث كان عاديا.
- العملية الانتحارية الفردية التي قام بها مواطن إيطالي بواسطة مروحيته التي صدم بها بناية عالية فمات، تبين أن الأسباب كانت شخصية تتلخص في مشاكل مالية عانى منها الرجل. وهكذا تبخرت فرضية الإرهاب.
- في ألمانيا سكنت فوبيا الإرهاب، وبلغت شأنا عظيما وغريبا، لقد اتهم مواطن سوداني بأنه يعد قنابل للتفجير، في شقته التي داهمتها قوات الأمن… لكن المفاجأة هي أنه كان يحضر أكلة الملوخية… وربما كانت آخر وجبة عربية يعدها هناك.
ورغم هذا، عزز الأوربيون الإجراءات الأمنية، ملتزمين الحيطة والحذر، كما أنهم:
- طالبوا الأقليات المسلمة بالتقيد بالقوانين المعمول بها، كما منحوها حرية على المقاس في أداء الشعائر الدينية… وحبذا لو تخففوا منها. يقول القوي سبحانه : {وإن يظهروا عليكم لا يرقبون فيكم إلاًّ ولا ذمة، يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم، وأكثرهم فاسقون}( التوبة : 8).
- اعترفوا، ولو على مضض، بالمسلمين من مواطنيهم، الذين يطالبون أيضا بحقوقهم وحرياتهم…
- فرضوا، ظاهريا، لغة التعايش مع الآخر، على المتطرفين من دعاة العنصرية والنازية، من منطلق أو منطق مجبر أخاك لا بطل. فالمصلحة والميكيافيلية تبيح أي شيء، حتى الظهور بألف وجه ووجه.
أول الغيث… استفاقة..
ما الذي يمكن أ ن يفعله المسلمون للتخفيف من حدة الغرب تجاههم؟ فالكفة تبدو راجحة لصالحه، وكأني به كان يتصيد الفرص، فاقتنص تلك التي حملها شهر شتنبر، فعض عليها بالنواجذ…
إنها حملة شعواء، أشبه بكرة ثلج، تكبر كل يوم، ولكنها لابد وأن تصطدم بحاجز فتتفتت وتتلاشى… وهذا الحاجز لن يقوم إلا إذا شمر المسلمون في كل مكان، عن سواعدهم، للعمل في مجال خدمة دينهم الذي ارتضاه الله لهم والذود عنه، من خلال تفعيله في حياتهم وكذلك:
- الرد على الشبهات التي تنسب إلى الإسلام، ودحضها، بعيدا عن الانفعالات والمزايدات الفقاعية، رغم أنه لا شيء يساوي الغضب لله. ولا تكفي الدروس في المساجد فقط، بل يجب الاستفادة من التقنيات الحديثة كالانترنت، وتخصيص الفضائيات العربية لبعض وقتها، إن لم نقل جله، لهذا الغرض، مع الترجمة الجيدة إلى لغات البلدان الأخرى، وهذا لضمان التبليغ المباشر.
- تخصيص برامج ومحاضرات في الجامعات والمدارس الأجنبية والملتقيات أيضا، للحديث عن خصوصيات الإسلام، ومبادئه وأسسه، مع ضرورة التركيز على أن الإسلام كل لا يتجزأ، بمعنى أ نه دين يغطي ويحتوي الحياة بأكملها… فكل أعمال المسلم يجب أن تكون صادرة عن دينه ومتماشية مع تعاليمه، لينال راحته ورضا خالقه، ولا يهمه بعد هذا، المتحاملون من الناس، كما يقول طارق رمضان.
في كل هذا، يجب الأخذ بعين الاعتبار حاجيات المخاطبين، بالتطرق لما يطلبون معرفته، بكل طلاقة ورحابة صدر وأريحية… ولا شك أن مواضيع ساخنة مثل العولمة والاستنساخ والديمقراطية، وحقوق الإنسان، والبيئة وغيرها، قد أشبعت دراسة وبحثا، ولكن مع هذا تبقى بصمة المسلمين غائبة أو مغيبة، محاصرة، إن صح التعبير، خاصة في إعلامنا المحلي، في العالم الإسلامي.
لهذا، فإننا في حاجة إلى إعلام حقيقي، قوي، مشع، يستثمر فيه الوقت، والمال، والطاقة البشرية المسلمة، من أجل حملة مضادة تجلي ظلام الحقد والغل و الجهل… وتؤكد الحضور الإسلامي الفعلي عبر القرية الكونية.
> أمة الله س.م