يرحم الله صلاح الدين الأيوبي كان حازما جادا حتى أنه آلى على نفسه ألا يضحك حتى يسترجع القدس من قبضة الصليبيين الوثنيين… وكيف له أن يضحك وهو في موقف العزاء…إنه لم يفقد شعوره ولم يفقد ذاكرته… كان ذلك شعاعا من الماضي.
أما اليوم، فكلما حل في مخيلتي أو عاينت-إذ لم يعد الأمر بحاجة إلى تخيل- مشهد مسلم منهمك في متابعة مباراة لكرة القدم أو غيرها مما يطلع من شاشة صندوق الغرائب والمنكرات- المفسديون بتعبير المرحوم ع.الحميد كشك- تمثل لي حال الأمة كمثل صاحب منزل قابع في إحدى زواياه.. يضع ساقا على ساق يتابع بخشوع مقابلة بين فريقه الوطني وفريق الخصم وقد ألقى بالسمع والبصر وهو شهيد… في حين جيش ذات الخصم يقتحم الغرفة المجاورة من نفس المنزل، وصاحب المنزل يستمر في غفلة أو تغافل لاه يندب بأسى هزيمة فريقه الوطني في مقابلة الخصم… مشهد يثير الأسى فيمن له إحساس، ثم يدعو للاعتبار، نعاينه في اليوم مرات عدة ثم لا نعتبر ولا نعود إلى رشدنا.. ولئن حق للخصم أن يلهو- وهو جاد لا يلهو- ولفريقه أن يلعب وينافس في اللعب بعد أن حقق كفايته وتفوقه في السلاح والتقنية والتجهيز والتسيير… فكيف يحق لمن لم يحقق معشار ما لعدوه أن يجاريه فيلعب كما يلعب ويلهو و يتفرج. ثم كيف يحق لمن كلف بتحقيق الشهود على الناس وبأن يكون في مقدمة الركب وفي موقع الموجه، أن يلهو ويغفل وهو بعد في موضع التابع العالة في كل شيء، بل المغتصبة حقوقه من الألف إلى الياء؟ لقد قال الله عز وجل محذرا هذه الأمة من الغفلة {ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة}(النساء) تنزل هذا القرآن في زمن الريادة والتمكين للأمة، والرسول بين ظهرانيها، و كل الأمم تهابها، فكيف بها وقد تردت إلى دركات الحضيض، وقد تداعت عليها الأمم وتجرأت فاستباحت حرماتها.؟
إن أمة الشهادة لا يجوز لها أن تلهو وتلعب وبين يديها شرع ودين هو الدين معطل يجب أن تعيشه واقعا وتنهجه منهجا وتحياه سلوكا وأخلاقا وتطبقه عملا وحركة؛ ولديها شعوب فرقتها العصبيات والصراعات والحواجز يجب إعادة رابطتها، ولديها رسالة إلى كل الناس محجوبة يجب إعلانها وتبليغها… ولديها أرض وقف مغتصبة يجب تحريرها من سيطرة الأمة المغضوب عليها.
إن أمة الشهادة لا يحق لها أن تلهو وتلعب وهي في ذيل أعدائها من الأمم الضالة، وجب عليها تحقيق استقلالها من التبعية والاعتماد على العدو في المركب والملبس والمطعم والدواء والقوانين والبرامج والتقنيات والتسليح والتشغيل والتفكير بعقل الغير والتعبير بلغته والنظر بعينه… وبإيجاز: التحرر من الهوان والانهزامية إلى الاستعلاء الإيماني، فهي مخاطبة بقول ربها عز وجل{ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الاعلون إن كنتم مؤمنين} (آل عمران) إنه تلازم شرطي: إما إيمان حقيقي مع استعلاء وإما غيره.
إن مبادئ ومعان من قبيل: المنافسة الحضارية، حسن التخطيط والتسيير؛ تحقيق الأمن والعدالة للإنسان؛ تحرير الأرض وإعداد العدد والقوات لدفع العدو… لا يمكن بحال أن تجتمع مع خيارات من قبيل: المساومة على الأرض والمقدسات، الارتجالية والارتهان لإملاءات العدو، والمراهنة على ثقافة الفتنة والاستهلاكية، والولوغ في الشهوات وإهدار الطاقات في منافسات كرة القدم، ووزنك ذهب ووزنك رقص وغناء… إن الأولى: فروض وواجبات لا خيار معها، والثانية: ذل وغوايات… لا مجال لرفقتهما إلا في عالم النفاق أو فقدان الوعي..
فهلا أفاقت أمة الإسلام من سباتها العميق وفقهت واقعها من حولها؟.. هلا صحت من غفلتها ودافعت عدوها؟ هلا تابت إلى رشدها ووعت مكانها من الأمم: تبليغ الرسالة للناس أجمعين، ليصدق عليها وصف ربها{..كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله…}(آل عمران) {وجاهدوا في الله حق جهاده، هو اجتباكم و ما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس، فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير}(الحج).
< سيد أبا عقيل