رحم اللَّه أخانا الكبير الشيخ محمد المختار السوسي، فقد كنا أنا وهو وأخونا الفقيه محمد الحمداوي رحمه الله كثير اللقيا والمذاكرة في شؤون الدعوة وهموم المسلمين وكان المغربُ محور تلك المذاكرات، وذات يوم وفي عنفوان الألم، وشدة الأسى على ما آلت إليه أوضاعُنا بالمغرب، قال الشيخ المختار كلمة مركَّزةً وعظيمة الفائدة تُصَوِّر عبثية مسيرتنا واعتباطية حركتنا وخيبة مستقبلنا وتباعدنا كلّ يوم عن المحجة البيضاء التي من شأنها أن تفضي بنا إلى ما نصبو إليه من تقدم وازدهار، قال إن غلط المغرب كان منذ العملية الحسابية الأولى لذلك فإن جميع العمليات التالية لها ستبقى ضالَّة عن الصواب لأنها بُنيت على غلط، وما يقال عن المغرب يصدق على أعضاء الجامعة العربية.. أو على الأصح “المشتتة العربية”.
إنّ أهم ما حققه العرب تكديس الثروات في البنوكوالمؤسسات الغربية وتحريك الاقتصاديات الأجنبية وتحقيق الرفاهية لغير شعوبهم، وأهم ما حققه العرب أيضاً تشريد ثرواتهم البشرية في الآفاق، أدمغة وخبراء وعمالاً حتى أصبحنا أشد هوانا على العالم، من يهود القرون الوسطى وغجر (Getan) أوربا ومنبوذي الهنود.
وقد جرّب العرب الأنظمة الليبرالية أولا ثم الثورية ثانيا ثم الاشتراكية ثالثا ثم رابعا العودة إلى الديمقراطية العسكراتية في الحكم والليبرالية الجديدة التي تقوم على اقتصاد السوق بإدارة أولاد السوق لصالح الشركات الغربية المصاصة لدماء الشعب العربي من المحيط إلى الخليج، والإمعان في نهب ثرواته واستنزاف خيراته وتوسيع مساحات الفقر في أرجائه، فكانت الحصيلة الملموسة والنتائج المحسوسة ارتفاع عدد المغادرين لوطنهم العربي نحو الغرب طلبا للرزق ونشدانا للأمن.
نعم لقد حققت الاديولوجيات العربيةُ ما سيبقى سبة في تاريخه مالم تُفكره عما أجرمت من إعداد الأمواج البشرية الهائلة المهاجرة حتى كأننا لم نخلق على هذه الرقعة الغنية بمعادنها وخصوبة أراضيها وتنوع محاصيلها وروعة طبيعتها ومفاخر تاريخها إلا للتشرد والضرب في الأرض والهجرة من دار الاسلام إلى “دار الكفر” وما أسعد منْ يحظى بإقامة هنالك وعمل هنالك أما إذا تجنس فقد وصل إلى سدرة المنتهى.
إن الإصرار على السير في السّبل المؤدية إلى الهلاك والخراب والتشتيت والتشريد باسم هذا النظام أو ذاك وتحت لافتة هذه الدعوى أو تلك ما يزال السمة المشتركة التي تطبع “الأمة العربية من المحيط إلى الخليج” وذاك دليل على انطماس البصائر وفساد الضمائر واستكاك المسامع وبكامة الأفراد (والبكم والبكامة : الخرس مع البله) {إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون}.
لقد ارتفعت نسبة البائعين لأوطانهم المتاجرين في مصير شعوبهم الناكثين لعهودهم والحانثين في أيمانهم والقامعينللمخلصين من علمائهم والنابهين من أعلامهم والمتآمرين على مستقبل بلادهم سراً وعلانية والمشاركين في نهب ثروات أمتهم المصرين على تمزيق وحدتها وتقويض دعائمها ومحاربة دينها ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فمتى يَمُنُّ اللّه على هذه الأمة بقيادة تسمع وتتكلم وتبصر بنور الله وهدايته وتوفيقه وتقود هذه الأمة بإخلاص وتجرد وزهد وخبرة وعلم وصبر واحتساب حتى نصبح كما كنا خير أمة أخرجت للناس.
د. عبد السلام الهراس