< السياحة والاصطياف بالنسبة للعربي المسلم في الدول المعادية للإسلام وما يتبعها من تبذير أموال المسلمين هناك حيث أثبتت الإحصائيات عن السياحة في بريطانيا أن مجموع سياح إحدى الدول الخليجية في العام (1983) بلغ (53220) سائحا أنفقوا حوالي (26.6) مليون جنيه إسترليني خلال فترة لم تتعد في المعدل (17) يوما للواحد. ما رأي فضيلتكم في أبعاد هذا العمل الذي يمثل خطورة كبيرة على الأمة الإسلامية في الداخل والخارج؟
> لا يحرم الإسلام على المسلم السياحة، والضرب في الأرض، بل لا يوجد دين عني بذلك مثل الإسلام الذي شرع السفر لطلب العلم، والسفر لطلب الرزق، والسفر للعبادة كالحج والعمرة، والسفر للجهاد، والسفر لغير ذلك من الأغراض المشروعة ومنها: الترويح عن النفس والتعرف على العالم وما فيه من عجائب ومفارقات حتى قيل: السفر نصف العلم. ولا عجب أن شرعالإسلام من أجل ذلك جملة من الأحكام والرخص، والآداب، والأذكار التي تتعلق بسفر المسلم. كما جعل في مصارف الزكاة متسعا لمعونة من ينقطع في سفره، وإن كان ممن له مال في بلده، حتى لا يهلك في الطريق بهلاك الراحلة أو انقطاع الزاد. وما أكثر ما تحدث الحكماء، وتغنى الشعراء بالسفر وفوائده، ومما حفظناه في صبانا ما نسب إلى الإمام الشافعي :
ما في المقام لذي عقل وذي أدب
راحة، فدع الأوطان واغترب
إني رأيت وقوف الماء يفسده
إن سال طاب وإن لم يجر لم يطب
إلى آخر الأبيات المعروفة…
وما نسب إلى الإمام علي كرم الله وجهه :
تغرب عن الأوطان في طلب العلا
وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفرج هم واكتساب معيشة
وعلم وأداب وصحبة ماجد
ولكن الذي نلاحظه أن سفر العرب – وبخاصة أهل الخليج- في السنوات الأخيرة إلى البلدان الأوربية، أصبح ظاهرة تلفت النظر، وتستوجب التوقف لتحليلها ومراجعة ما يترتب عليها من آثار بالغة الخطورة، وذلك من عدة أوجه:
أولا: إن هذه البلاد الأوروبية مخالفة لنا في قيمها ومفاهيمها وتقاليدها الاجتماعية، ويخشى بدوام الاتصال بها والمعايشة لهم أن يؤثروا علينا وخصوصا على شبابنا وشاباتنا، فتهتز في أنفسهم قيمنا الراسخة، وتقاليدنا المبنية على عقائد ديننا وأحكام شريعتنا، وهذا ما حدث ويحدث بالفعل. ولا سيما أن أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية قد أصابها من التحلل والانهيار الخلقي ما جعل مفكريها ومصلحيها يشكون مر الشكوى منه، وينذرون بسوء العاقبة من استمراره.
وقد حكى لي أحد الأخوة ممن زار لندن : أنه شاهد في حديقة “الهايد بارك” بعض المناظر الشاذة المكشوفة، فسألته ابنته الصغيرة: ماذا يفعل هؤلاء؟ فقال لها: هؤلاء حيوانات.
فقالت له: وماذا تفعل الحيوانات؟ ولم يستطع الأب أن يجيب… فانتقل إلى مكان آخر فرأى منظرا أسوأ من سابقه، فلم يجد حيلة إلا الرجوع إلى المنزل.
ثانيا: إن هذه البلاد أصبحت حافلة بسماسرة الفساد والإفساد الذين يتلقفون شبابنا منذ نزولهم من الطائرة، لإغراقهم في الشهوات المحرمة، التي تنهك صحتهم، وتفسد أخلاقهم، وتبدد أموالهم وتعودهم على أشياء مرذولة حتى يعودوا إلى أوطانهم، وقد مسخت شخصياتهم، وتغيرت أفكارهم وقيمهم. وهم يحاولون أن ينشروا ما تعودوا عليه داخل أوطانهم نفسها فينتشر الفساد بالعدوى كما يعدي الأجرب السليم، وقد حدثني بعض الشباب الصالح أنهم كان لهم أصدقاء مستقيمون حتى سافروا فوقعوا في الشرك، ولم يعودوا إلى ما كانوا عليه من طهارة الاستقامة.
ثالثا: إن السياحة الآن أصبحت موردا من الموارد الهامة لكثير من الدول المعاصرة. قد أصبحنا نحن العرب من أضخم الموارد لعدد منها، والعجيب أنها تأخذ أموالنا ولا تتحدث عنا إلا بسوء.
وكان الواجب علينا أن نضن بهذه الأموال عن تلك البلاد التي تقف من قضايانا موقفا شائنا. وأن نجتهد في جعل السياحة داخل بلادنا العربية الإسلامية.
ولو أنفقنا ما يصرف على الاصطياف في أوروبا وغيرها على تحسين المواطن السياحية في بلادنا، لارتقينا بها ارتقاء كبيرا، وفي بلد مثل السعودية نجد في الطائف وأبها وغيرها ما يغني عن أوروبا لو وجهنا عنايتنا إليها. وفي مصر وشمال إفريقيا مناطق سياحية في غاية الروعة والجمال.
عن كتاب : حول قضايا الاسلام والعصر ص 154
د. يوسف القرضاوي