همسة في أذن الشباب


تعتبر قضية الشباب المسلم من أخطر القضايا المتداولة في الأوساط الاجتماعية على الخصوص، وهذا راجع لعدة اعتبارات منها : الوضعية المتدهورة لهذه الأمة، ومنها الآمال المعلقة عليه في المستقبل، فهو يعتبر رجل الغد. فإذا لم نهتم به على المستوى التربوي والتكويني فإن ذلك سيؤدي إلى تخلف العالم الإسلامي أكثر من أي وقت مضى، ولابد من اعتماد التصور الإسلامي حول التغيير الذي يعتمد على مجموعة من الخصائص قصد تحقيق البعث الحضاري عن طريق إعداد الشباب المسلم عقيدة وعلماً وأخلاقاً!..

من أبرز ما جاء به الإسلام، ودعا الإنسانية إليه العقيدة الإسلامية، فكيف استطاعت أن تغير المجتمع الجاهلي وتكون جيلا فريداً عجزت بنت التاريخ أن تلد مثله.

كان العرب يعيشون حياة يعجب منها المستيقن الذي تذوق حلاوة الإيمان ونظر إلى الأمور بنور البصيرة، فقد كانت حياة جاهلية تأتي على الأخضر واليابس، جاهلية في المعتقدات، والأفكار، والنظم والشرائع، والسلوك، وحتى نتصور حقيقة هذه الجاهلية نستعرض قول جعفر بن أبي طالب لملك الحبشة حيث قال : >أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف..<(1) فلما جاء الإسلام بتلك العقيدة القوية استطاع أن يحطم كل صنوف الجاهلية وأن يحول الشباب العابث اللاهي الذي يعاقر الخمرة، ويتغزل بالغانية، ويتيه في الصحراء ضالاً إلى شباب همه تعبيد الناس للخالق وحده وتحريرهم من كل القيود، قال ربعي بن عامر لملك الروم : نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العاب، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام..<، وهذا مثل آخر للذي امتزجت العقيدة بروحه ودمه القعقاع بن عمر الذي كان مجاهداً في جيش خالد بن الوليد ووصفت فرقته بكتبية الأهوال” وكان يقول للمجاهدين من يبايعني على الموت، وقد أثر عن أبي بكر أنه قال : >صوت القعقاع في الجيش خير من ألف رجل<.

يقول الشهيد عبد الله عزام : >يا أبناء هذا الجيل لا مفر من العودة إلى ظلال هذه العقيدة ولابد لكم أن تفيئوا إليها، هذا إن كنتم تفكرون في الخلاص من شقائكم وبناء أنفسكم، وإلا تسلكوا هذه الجادة فإنكم هالكون لا محالة خاسرون دنياكم  وأخراكم بكل تأكيد<(2)، ومن أهم ما نادى به الإسلام وشجع عليه العلم، الذي به كرم بني آدم وفضله على كثير ممن خلق، وبه استحق الخلافة في الأرض، وهو الميزان الذي به يعلم الخير من الشر، والحق من الباطل، وحسبنا أن أول ما نزل من القرآن هو دعوة صريحة لطلب العلم، {اقرأ باسم ربك الذي خلق}(3)، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : >طلب العلم فريضة على كل مسلم<.

إنه ليضيق صدري ولا ينطلق لساني في وصف ما حل بالشباب المسلم الذي أصبح جاهلابالإسلام، وبتاريخه المجيد، وجاهلا حتى بربه، بإعراضه عنه، وقد تستغرب إذا سألت الشاب المسلم لماذا أنت مسلم فيعجز عن الجواب أو يجيب بأن أبواه مسلمين، يا لله للشباب .!!

إننا لا نستطيع أن نحقق أي تقدم ونحن جاهلون بالإسلام بل علينا أن نعلم حقيقته وأن نحيط بتاريخ المسلمين، وأن نستفيد من التطورات الراهنة عن طريق الفكر الناقد البناء الذي ينطلق من الوحي ويجعله الميزان.

يقول الأمير شكيب أرسلان(4) : >العالم الإسلامي يمكنه النهوض والرقي واللحاق بالأمم العزيزة الغالبة، إذا أراد المسلمون ذلك وطنوا أنفسهم عليه، ولا يزيدهم الإسلام إلا بصيرة فيه وعزما، ولن يجدوا لأنفسهم حافزاً على العلم والفن خيراً من القرآن الذي فيه {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}<(5).

هناك عنصر ثالث لا يقل أهمية عن العقيدة والعلم، وهو الأخلاق.

إن رسالة الإسلام عنيت عناية شديدة بالأخلاق حتى لخص الرسول الكريم دعوته في قوله >إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق< وكان صلى الله عليه وسلم مثالا لهذه الدعوة، حتى وصفه القرآن بذلك : {.. وإنك لعلى خلق عظيم}، وقيل : >يا رسول الله أي المؤمنين أفضلهم إيماناً؟ قال : أحسنهم خلقا<(6).

وقال الشاعر مبينا دور الأخلاق في الأمم:

وإذا أصيب القوم في أخلاقهم

فأقم عليهم مأتما وعويلا

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت

فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

فالإسلام أراد من الشباب أن يزكي هذه النفس التي بين جنبيه وهي أمانة أودعها الله عنده، ويكره له الانغماس في الشهوات التي تلوث هذه النفس، وتهبط بها إلى مستوى الحيوان وبذلك يتحطم كيان المجتمع والشباب عوض أن يكون أداة بناء، يصبح وسيلة تخريب ودمار، ولا يتصور أن يحدث تقدم حقيقي وقوى الشباب معطلة ونفسه مكبلة بقيود الهوى والشهوات.

إن المجتمع الإسلامي في حاجة إلى شباب يتصف بالشجاعة والصدق والحياء.. شبابا مهتما بوقته، جاداً في عمله، حريصا على الارتقاء بنفسه في مدارج السالكين في طريق الفضيلة :

دقات قلب المرء قائلة له

إن الحياة دقائق وثوان

فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها        فالذكر للإنسان عمر ثان

أيها الشباب المسلم في كل مكان، كفاك من الجري وراء تيار الميوعة والانحلال، وضياع العمر!!.. أنا أناديك لكي تمد إلى يديك ونمضي معا نخترق الزمن لنعيد المجد : علم وعقيدة وحسن خلق، لبناء أمة الإسلام، وتحقيق الشهود الحضاري على الأمم، وأعلم :أن هذا هو الطريق، وهذا هو المنطلق فهل ستستجيب!!؟

>عودوا واحملوا الإسلام وقدموه للبشرية المنكودة التي تنتظر من ينقذها، التفوا حول من تثقون به ممن يحمل هذا الدين علما وعملا وحياة عقيدة وعبادة ودستور حياة<(7) والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

عبد الحميد السراوي

—–

1- فقه السيرة النبوية لعائض القرني.

2- العقيدة وأثرها في بناء الجيل ص 102.

3- العلق : 1.

4- لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم لشكيب أرسلان، ص 133.

5- الزمر : 9.

6- أخرجه الترمذي.

7- أثر العقيدة في بناء الجيل للشهيد عبد الله عزام، ص 103.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>