“من عادى وليا لله فقد حارب الله!”
أفتتح هذا الموضوع المبارك بقوله تعالى : {والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم}(سورة الواقعة).
وبالحديث القدسي العظيم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: >قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: >إن الله تعالى قال: {من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به. ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي من نفس المومن، يكره الموت وأنا أكره مساءته، ولا بدله منه< البخاري
شرح الحديث ويتضمن :
1) مكانة هذا الحديث :
هذا حديث شريف جليل، وهو أشرف حديث في أوصاف الأولياء وفضلهم.
2) معرفة أولياء الله :
وأولياء الله هم المومنون المتقون، قال تعالى:{ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم}(سورة يونس). فكل من كان مومنا تقيا كان لله وليا.
3) موضوع العداوة :
وقوله صلى الله عليه وسلم عن ربه تعالى: >من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب< من العداوة على دينه، أو دعوته إلى الله، أو حسده على ملازمة دين الله. أي أعلنْتُه بأني محاربٌ له، فأخبر أن معاداة أوليائه معاداةٌ ومحاربةٌ له، ومن كان متصديا لعداوة الرب ومحاربة مالك الملك فهو مخذول، فالله تعالى إذا حارب العبد أهلكه، ومن تكفل الله بالذّبّ عنه فهو منصور.
4) صفات أولياء الله :
ثم ذكر صفات الأولياء الكاملة، وأن أولياء ا لله هم الذين يتقربون إلى الله أولا بأداء الفرائض من صلاة وزكاة وصيام وحج وجهاد، ودعوة إلى الله، وبر الوالدين وصلة الأرحام، والقيام بحقوق الله وحقوق عباده الواجبة، ثم ينتقلون من هذه الدرجة إلى التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض. فمن فعل ذلك أحبه الله فكان سمعه الذي يسمع وبصره الذي يبصر، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، معناه أنه لا يسمع إلا ذكر الله، و لا يلتذ إلا بتلاوة كتاب الله، ولا يأنس إلا بمناجاة الله، ولا ينظر إلا في عجائب؛ ملكوت الله، ولا يمد يده إلا فيما فيه رضي الله.
5) مما يستفاد من الحديث :
1- أن لأولياء الله وصفاتٍ وفضائل متنوعة.
2- محبة الله لأوليائه المومنين هي أعظم مايتنافس فيه المتنافسون.
3- أن الله مع أوليائه المومنين، فهو ناصرهم ومؤيدهم ومسددهم ومجيب دعواتهم، وهو اللطيف بهم في كل أحوالهم.
4- محبة الله لأوليائه تتفاوت بحسب مقاماتهم.
5- الإكثار من النوافل بعد الفرائض هي الصفات الأساسية للمقربة لله.
6- إن الفرائض مقدمة على النوافل، وأحب إلى الله وأكثر أجرا وثوابا.
7- أن من عادى وليا لله فقد حارب الله، ومن حارب الله فهو مهزوم.
8- تحذير الإنسان من التعرض لكل مسلم بالمحاربة والأذى
9- الحث على محبة أولياء الله وموالاتهم، فالمرء مع من أحب يوم القيامة.
10- هذا الحديث أصل في السلوك إلى الله. والوصول إلى معرفته ومحبته وطريقه، إذ تضمّن المفترضات الباطنة وهي الإيمان، والظاهرة وهي: الإسلام، والمركب منهما وهو الإحسان فيهما. كما تضمنه حديث جبريل، والإحسان هو الذي يتضمن مقامات السالكين من الزهد والإخلاص، والمراقبة وغيرها.
11- أن من أتى بما وجب عليه، و تقرب بالنوافل لم يرد دعاؤه، لوجود هذا الوعد الصادق المؤكد بالقسم >وإن سألني لأعْطينّه<…
12- أن العبد ولو بلغ أعلى الدرجات حتى يكون محبوبا لله، لا ينقطع عن الطلب من الله لما فيه من الخشوع والخضوع له، وإظهارالعبودية له سبحانه وتعالى.
6) أساس التقرب إلى الله : بعد هذا لابد من وضع الأساس المتين للتقرب إلى الله، وهذا الأساس يتكون من أمرين أساسيين ومهمين:
أولا التصفية : وهي تصفية العقيدة مما هو غريب عنها، كالشرك، وجحد الصفات الإلهية، ورد الأحاديث الصحيحة، وتصفية الفكر من الاجتهادات الخاطئة المخالفة للكتاب والسنة، وتصفية القلب من النفاق والحسد.
ثانيا : الإكثار من العمل الصالح وتربية الجيل الناشئ على الإسلام المصفى من كل الشوائب، تربية إسلامية صحيحة، مع ملازمة الدعوة للعمل بمبادئ الدين.
في العدد القادم :
الأشياء التي تقرب العبد إلى ربه
ذ. الحسين فلييو