المخابرات الأمريكية و الحداثة CIA والحرب الباردة الثقافية


أنفقت أجهزة الاستخبارات الأمريكية خلال حقبة الحرب الباردة ملايين الدولارات على حملة دعائية سرية للتأثير على الحياة الثقافية والفكرية دون ترك أي أثر يذكر، وبالاعتماد على أسماء مشهورة بعيدة عن كل الشبهات، وهي معركة خفية كشفت خباياها في كتاب جديد صدر مؤخرا في إسبانيا.

واستغرقت الباحثة البريطانية فرانسيس ستونور سوندرز أكثر من سنتين من البحث والتحريات انتهت بجمع ستة صناديق من الوثائق حول الموضوع، وفي النهاية خرجت بكتاب ” سي.آي.إي. والحرب الباردة الثقافية”، ويكشف هذا العمل النقاب عن كيفية تنفيذ الاستخبارات الأمريكية “سي.آي.إي” لخطتها المتمثلة في أن أفضل طريقة للدعاية هي ألا يبدو أنك تقوم بالدعاية.

تقول سوندرز أن جهاز المخابرات الأمريكية تحول بعد الحرب العالمية الثانية إلى ضرب من “راعي الآداب والفنون ونصيرها على المستوى العالمي”، ولم يتوان في تمويل عدد من المجلات والمهرجانات والمعارض الفنية بالإضافة إلى الكتب، وكل أشكال الأنشطة الثقافية، وفتن الكثير من الفنانين والمفكرين الأوربيين وغالبيتهم من الشخصيات اليسارية التي خاب ظنها في الاتحاد السوفيتي.

واضافت سوندرز أن الحرب الباردة كانت حربا ثقافية.. وترى المؤلفة البريطانية من خلالها الخطوط العريضة للكيفية التي يجب أن يكون عليها الرد الأمريكي الحالي في حربه ضد أفغانستان، مؤكدة أن هذا النزاع لن يحل بقوة السلاح بل بالدعاية، خاصة وأن إمكانيات توجيه الإعلام والرأي العام أكبر بكثير مما كانت عليه في الماضي.

وجاءت فكرة تأليف الكتاب للكاتبة في أعقاب المفاجأة التي أصيبت بها بعد قراءتها لمقال يوحي بأن الرسام الأمريكي جاكسون بولوك (1912-1956)، الممثل الرئيسي للمذهب التعبيري التجريدي، كان بشكل من الأشكال على صلة بجهاز الاستخبارات الأمريكية.

وتروي المؤلفة في كتابها أن سي.آي.إيه استغلت بهذا الشكل، عن وعي أو عن غير وعي، مجموعة من الفنانين والمفكرين في حقبة ما بعد الحرب في وقت كان الجميع في أوربا يفتقر للمال وكان العالم منقسما إلى معسكرين، وقالت إن الولايات المتحدة فخورة جدا بنجاح تلك العملية.

وانتهت الكاتبة إلى القول: مضت عشر سنوات على انتهاء الحرب الباردة، لكننا لم نتعلم بما فيه الكفاية، وإننا نعاين ذلك الآن، وألحت على ضرورة استعادة الروح النقدية، وقالت: علينا أن نتساءل على الدوام عن مصدر المعلومات التي نتلقاها والأرصدة التي تمولها.

وبدأت ستونور سوندرز وهي منتجة مستقلة للأشرطة السينمائية والوثائقية التحقيق حول ما الذي كانت الولايات المتحدة تريده من وراء علاقتها بفنانين محسوبين على المذهب التجريدي ومن أصحاب المواقف المعارضة لتسييس الفن، وزيادة على ذلك لم يكونوا يمثلون لا من قريب ولا من بعيد الأيديولوجية الأمريكية.

وكانت دهشة سوندرز كبيرة عندما اكتشفت وفرة المادة المتصلة بهذا الموضوع لدرجة حملتها على الاعتقاد بأن شريطا وثائقيا على الشاشة الصغيرة ربما كان غير كاف، وقررت في المقابل تأليف كتاب أشاد به النقاد نظرا لعمق أبحاثه.

www.moheet.com

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>