فضاءات دعوية : صحوة الإسلامية ونجاعة طرق العمل الإسلامي


1 – الــوعظ

أما الصحوة هي قدر الله الغالب فوق كيد الأعداء كله، وتدبيرهم للقضاء على الإسلام: {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون}(يوسف: 21).

لم يكن أحد يتوقع الصحوة، لا من الأعداء ولا من المسلمين أنفسهم !

أما الأعداء فقد كانوا ينتظرون وفاة الرجل المريض، كما كانوا يسمون الخلافة العثمانية في آخر عهدها، لينقضوا على تركته، يمزقونها إربا إربا، ويقضون بذلك القضاء الأخير على الإسلام.

وأما المسلمون فقد كان اليأس والاستسلام للأمر الواقع قد  سيطر على كثير منهم، فعادت أقصى أمانيهم أن يتخلصوا ولو تخلصا جزئيا من قبضة العدو الخانقة، وأن يدعهم العدو يعيشون ولو في ذيل القافلة وأنفهم في الرغام.

ولكن قدر الله الغالب، ووعده الدائم أن يبعث في هذه الأمة من يجدد لها أمر دينها، قد جاء بالصحوة رغم كل الكيد، وكل التخطيط.

ونحن نستبشر بقدر الله، و نطمئن إلى وعده الكريم بأن يظهر هذا الدين على الدين كله. ونحن على يقين بأن المستقبل للإسلام: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}(الصف: 9).

ولكن الذي نناقشه هنا هو أسلوب العمل الذي يجب أن تنتهجه ا لصحوة، فإنه لابد من عمل يعمله البشر ليتم قدر الله، لا عجزا من الله سبحانه أن ينفذ قدره، ولكن لأن سنته قد اقتضت أن يكون هناك بشر يعملون، يكونون ستارا لقدر الله: {ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض} (محمد: 4). {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}(الرعد: 11).

فما طريق العمل؟

تخطر في بال العاملين عدة وسائل وعدة أساليب، نحب هنا أن نستعرضها، لنعرف ما لها وما عليها، ولنتدارس أيها أجدى نفعا، وأنسب لأحوال الأمة التي وصفناها من قبل: الوعظ. التربية الروحية. الشحن العاطفي. التوعية الفكرية. التربية الجهادية.

ونقول بادئ ذي بدء: إن كل الوسائل مطلوبة ولا غنى عنها، ولكن الذي نناقشه هو مدى جدوى أي منها حين تستخدم بمفردها، لا على أنها وسيلة من الوسائل، ولكن على أنها هي الوسيلة وهي المنهج وهي الطريق.

ونبدأ بالوعظ، لأنه وسيلة ذات إغراء شديد عند كثير من الناس ! ويعتقد  الواعظ أنه بمقدار ما يكون هو متحمسا لموعظته، مؤمنا بها، منمقا لألفاظها، بارعاً في صياغتها، يكون تأثيرها في نفوس المستمعين، وهو وهْمٌ يكذبه الواقع !

كَمْ طنًّا من المواعظ يلقى في العالم الإسلامي كله من المحيط إلى المحيط يوم الجمعة من كل أسبوع، وكم غيرت من واقع المسلمين في العالم الإسلامي كله من المحيط إلى المحيط؟ !

إذا قلت لا شيء، فهل تعدو الحقيقة؟!

إن استخدام الموعظة في الدعوة أمر رباني: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}(النحل: 125).

ولكن الله لم يقل إن الموعظة وحدها هي الوسيلة للدعوة، ولم يقل إنها حين تستخدم وحدها تؤتي ثمارها! إنما المنهج الرباني: أنه يرسل بالموعظة رسولا يكون هو بذاته القدوة للناس لكي يستوعبوا الموعظة أولا ثم يطبقوا مقتضاها بعد ذلك: “كان خُلُقه القرآن” هكذا وصفت عائشة رضي الله عنها خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم مجرد خطيب يقف على المنبر ليعظ الناس، إنما كان قبل ذلك مربيا بالقدوة في شخصه الكريم، وكانت الموعظة وسيلة من وسائله لتوصيل الدعوة للناس..بل إنه صلى الله عليه وسلم هو الذي قال الصحابة رضوان الله عليهم إنه كان يتخوَّلُهم بالموعظة، أي بين الحين والحين، مخافة السآمة ! السآمة من أي شيء؟ من موعظته صلى الله عليه وسلم، وفي نفوس من؟ في نفوس الصحابة  رضوان الله عليهم، الذين  كانوا يلتقطون كل كلمة يقولها صلى الله عليه وسلم بالإقبال والرغبة والحب، ليقينهم أنها طريقهم إلى الجنة ! فكيف بنا نحن البشر العاديين حين تكون كل بضاعتنا هي الوعظ “الإرشاد”!

وهل يصلح الوعظ والإرشاد وحده على فرض تقبل الناس له وعدم سآمتهم منه، وهو فرض غير صحيح، هل يصلح وحده لمعالجة شيء من تلك الأمراض التي أشرنا إليها آنفا، والتي توغلت في كيان الأمة قبل الغزو الأخير وبعده؟ هل يصلح لمعالجة الفكر الإرجائي الذي أخرج العمل من مسمى الإيمان، وأوهم الناس لقرون طويلة أنهم يمكن أن يكونوا مؤمنين ولو لم يعملوا عملا واحدا من أعمال الإسلام.؟ هل هؤلاء يمكن أن ينقلهم الوعظ – وحده – إلى العمل بمقتضى الإيمان، بما يتضمنه العمل من بذل الجهد و تحمل المشقة وتحمل المسؤولية، والالتزام والانضباط؟!

لو كان هذا ممكنا فلماذا لم يحدث بالفعل، ونحن ما قصرنا في إلقاء المواعظ في كل يوم جمعة، وفي مناسبات إثر مناسبات، وفي الإذاعة وفي التلفاز؟

وهل يصلح – وحده – لإخراج مَنْ غَرِقَ في الصوفية، وفي التبرك بالأضرحة والعتبات،  والاعتقاد بقدرة الأولياء على كشف الغيب، وعمل المعجزات التي يسمونها كرامات؟ هل يصلح وحده لإخراج هؤلاء مما غرقوا فيه من انحرافات؟ !

وهل يصلح لتغيير ما درج الناس عليه من الفوضى التي تكره النظام، والعفوية التي تكره التخطيط، وقصر النفس الذي يشتعل بسرعة وينطفئ بسرعة؟

وهل يصلح لتغيير ما درج عليه الموظفون من إهمال الأعمال  والتسويف في إنجازها، واستحلال الراتب على مجرد الحضور في الميعاد أو بعد الميعاد، والانصراف في الميعاد أو قبل الميعاد. وتغيير ما درج عليه العمال من الغش والتدليس في العمل، وعدم الإخلاص في أدائه ما لم يكن عليهم رقيب عتيد يُحصي عليهم أعمالهم، مع استحلال الأجر المقدر للعمل الكامل الذي لا نقص فيه؟ وتغيير ما درج عليه الناس من خلف الوعد وعدم التقيد به، وعدم الشعور بالتأثم من إخلافه لا لبضع دقائق ولكن أحيانا لبضع ساعات أو  بضعة أيام أو بضعة أسابيع؟ وأحيانا إلى نهاية الحياة !

وهل… وهل… وهل..؟!  يقول الوعاظ : وماذا نملك غير الوعظ؟ نحن نقوم بواجبنا، وإنك لا تهدي من أحببت، والهداية من الله !

الهداية من الله نعم ! ولكن الله وضع منهجا للدعوة، قوامه القدوة والتربية، ومن وسائله الوعظ مع القدوة والتربية، وعندئد تعطى الموعظة ثمارها بإذن الله.

ولا نقول مع ذلك  إن الموعظة وحدها لا تؤتي  ثمارها أبدا، حاشا لله ! وإنما نقول إنها وحدها إن صلحت في أحوال نادرة في إصلاح أفراد، فإنها  لا تصلح لإصلاح أمة بلغ الفساد فيها مبلغه، ولا تصلح لإقامة دعوة تريد أن تعيد بناء أمة وصلت إلى درجة الغثاء !

ذ محمد قطب

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>