خطب منبرية : لماذا يخاف العرب من مقاومة الكيان الصهيوني ؟ 2/1


مقدمة :

الحمد لله، نحمده و نستعينه و نستهديه ونستغ

فره، و نعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خصنا بخير كتاب أنزل وأكرمنا بخير نبي أرسل، و جعلنا بالإسلام خير أمة أخرجت للناس، نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر و نؤمن بالله، و أشهد أن سيدنا وإمامنا و أسوتنا و حبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، أدى الأمانة و بلغ الرسالة و نصح للأمة و جاهد في الله حق جهاده، و تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فمن يطع الله و رسوله فقد فاز فوزاً عظيماً و من يعص الله و رسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً، اللهم صل و سلم وبارك على هذا الرسول الكريم و على آله وصحابته، و أحينا اللهم على سنته و أمتنا على ملته و احشرنا في زمرته مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء و الصالحين، وحسن أولئك رفيقا، أما بعد…

أريد أن أبكي و أن تبكوا معي على حال الأمة … فيا أيها الأخوة المسلمون، لا أدري بأي لسان أنطق، و بأي لغة أتكلم، أأتكلم بلغة الرثاء و البكاء و عندي و الله مخزون من الدموع أريد أن أفيض، أريد أن أبكي وأن تبكوا معي على حال هذه الأمة، لا نريد أن نبكي على الأرواح التي أزهقت و لا على المساجد التي دمرت، و لا على المنازل التي خربت، و لا على الدماء التي سفكت، و لا على الشهداء الذين سقطوا صرعى في سبيل الله، لا نريد أن نبكي على ضحايانا و على خسائرنا في فلسطين و نحن نشاهدها كل يوم و كل ساعة، لم يعد لنا عذر كما كان لأسلافنا من قبل حينما تحدث هذه الحوادث، ما كانوا يشاهدونها، كانوا يعرفونها بعد أشهر أو أكثر من أشهر، ولكننا نشاهدها أولاً بأول، فما لنا لا تذرف العيون عبرات، و مالنا لا تذهب النفوس حسرات ؟، و ما لنا لا تئن الصدور زفرات ؟ أنبكي على ما نبكي ؟ أنبكي على إخواننا وأخواتنا و أبنائنا و بناتنا في فلسطين الصامدة المجاهدة ؟ أم نبكي على أنفسنا نبكي على حالنا و نحن نشاهد هذه الأحداث و لا نملك أن نفعل شيئاً؟ لا نستطيع أن نذهب إليهم و نقف بجوارهم و نؤدي لهم واجب الإسلام في النصرة، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، و المسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى بعضه اشتكى كله، نبكي على أنفسنا و نحن عاجزون هذا العجز، أم نبكي على هذه الأمة؟ على الثلاثمائة مليون من العرب و وراءهم أكثر من ألف مليون من المسلمين و هم كما وصفهم الحديث الشريف “كثرة كغثاء السيل” أو كما قال الشاعر :

يملأون الأرض من كثرتهـم

ثم لا يغنون في أمر جلــل

إني لأفتح عيني حين أفتحها

على كثير و لكن لا أرى أحدا

أنبكي على حال الأمة ؟ أم نبكي على حال حكامنا ؟ الذين اتخذوا الكرسي رباً فاتخذهم الكرسي عبيداً، الذين أرضوا أمريكا و أسخطوا ربهم و أسخطوا شعوبهم .. أنبكي على حكام تخاذلوا و زعماء استخذوا و اجتمعوا في قمة بعد قمة ولكنهم لم يقدموا لهذه المأساة شيئاً يذكر .

أأتكلم أيها الأخوة بلغة البكاء و الرثاء ؟ كما تكلم أبو البقاء الرندي الذي رثى الأندلس حينما سقطت آخر مدنها غرناطة بقصيدته الشهيرة التي قال في ختامها :

لمثل هذا يذوب القلب من كمد

إن كان في القلب إسلام و إيمان

أأتكلم بلغة البكاء و الرثاء أم بلغة الشكوى و كثيراً ما يضطر الإنسان إلى الشكوى كما قال الشاعر :

شكوت و ما الشكوى لمثلي عادة

و لكن تفيض الكأس عند امتلائها

أأتكلم بلغة الشكوى ؟ و الله إني لأشكو ثم أشكو ثم أشكو

ولي كبد مقروحة من يبيعنـى

بها كبداً ليست بذات قـروح

أباها علي الناس لا يشترونها

ومن يشتري ذا علة بصحيح

لمن نشكو ؟؟

لمن نشكو ؟ لهيئة الأمم ؟ لمجلس الأمن ؟ و قد أصبحت أدوات في يد أمريكا مجلس الأمن الذي يحفظ أمن العالم أصبح لعبة في يد أمريكا، الفيتو الأمريكي يلاحقنا حتى حينما طلب مراقبين دوليين لأجل فلسطين قال الفيتو الأمريكي (لا)، كل شئ يمس الكيان الصهيوني من بعيد أو قريب فأمريكا ضده بالمرصاد، لمن نشكو ؟ كثيراً من زعمائنا يشكون إلى أمريكا نفسها، إذا حدث شيء سارعوا بالسفر إلى أمريكا، أو لقاء السفير الأمريكي و أمريكا هي الخصم و الحكم، أمريكا هي التي تقف ضدنا، أمريكا هي التي تسند (إسرائيل) بالمال و السلاح و التأييد المادي و الأدبي، الرئيس الأمريكي اعتذر عن شارون و ما فعله شارون و قال إنه رئيس لبلد ديمقراطي انتخبه شعبه، فهو ينفذ ما يريده شعبه، و هل إذا انتخب رجل من شعبه من حقه أن يعتدي على شعب آخر وأن ينتهك حرماته و يدوس مقدساته ؟

حيوا شعب فلسطين الذي أثبت أن هذه الأمة حية و لا يمكن أن تموت

أنتكلم بلغة البكاء أم بلغة الشكوى أم بلغة الاعتزاز و الفخر، من حقنا أن نعتز ونفخر بالشعب الفلسطيني، بأبناء هذا الشعب، بهؤلاء الأبطال، حيوا شعب فلسطين، حيوا هؤلاء الذين قال فيهم بنو إسرائيل من قبل : إن فيها قوماً جبارين، حيوا الشعب البطل الذي قدم الأنفس والنفائس و ضحى بكل شيء من أجل كرامته و كرامة هذه الأمة، حيوا أبطال جنين الذين وقفوا أمام الجيش، الجيش الشاروني الصهيوني بكل ما يملك من عتاد وقوة، بما يملكون من أسلحة ضئيلة وقليلة و كان شعارهم (القتال حتى الموت)، و قال أخونا أبو الهيجاء هناك في جنين إنه جيش من كرتون ..

و صدق الله العظيم (و لتجدنهم أحرص الناس على حياة)، و (لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر)، وقراهم المحصنة و الدبابات يختبئون فيها لا يواجهون هؤلاء الأبطال الذين ظلوا ثمانية أيام صابرين مصابرين مرابطين، حتى نفذت الذخيرة، نفذت ذخيرتهم حتى آخر رصاصة في جعبتهم، و ما أكثر الذخائر والرصاص والأسلحة في المخازن في بلادنا العربية والإسلامية، ماذا نقول أيها الأخوة ؟ نحيي هؤلاء الأبطال، أبطال جنين ونابلس وطولكرم، و رام الله و رفح و الخليل و كل هذه المدن و كل هذه المخيمات التي صدرت لنا أبطالاً، أعادوا لنا أسماء خالد و طارق وصلاح الدين، حيوا هذا الشعب، حيوه برجاله و نسائه، بأبنائه و بناته، بآبائه وأمهاته، حيوا آيات الأخرس، التي أخرست كل من يتحدث بسوء عن هذا الشعب، التي أنطقت بفعالها الحجارة، حيوا هذا الشعب، حيوا الأمهات التي تستقبل شهيدها بالزغاريد، حيوا الآباء الذين يرفضون أن يستقبلوا المعزين في أبنائهم و إنما يستقبلون المهنئين، حيوا الشعب الفلسطيني بكل فئاته، شكراً لهذا الشعب، لقد أثبت أن هذه الأمة لا تزال حية و لا يمكن أن تموت، إن هذه الأمة إلى خير، أثبتوا أننا أحياء، أن الدم لا زال يجري في عروقنا، اشكروا هذا الشعب و حيوا هذا الشعب و ادعوا من أعماقكم لهذا الشعب .

نعتز بالشارع العربي الذي تجاوب

مع الانتفاضة

نتكلم بلغة الاعتزاز بالشعب الفلسطيني، ونعتز كذلك بالشارع العربي، بالشباب العربي والإسلامي الذي تجاوب مع هذه الانتفاضة من جاكرتا إلى الرباط، هذا الشباب الذي يغلي وينفجر كالبركان و يهيج كالإعصار، هؤلاء الشباب الذين رأيناهم في شوارع القاهرة و الإسكندرية و الزقازيق وطنطا و المنصورة و كفر الشيخ من أسوان إلى الإسكندرية، ينادون بأن افتحوا لنا الحدود، حيوا شهيد الإسكندرية الطالب الذي مات في سبيل هذه القضية، وحيوا شهيد البحرين و حيوا الشباب الذي خرج في المسيرات يعبر عن سخطه ويعبر عن نقمته ويعبر عن طموحه في يوم المسيرة القطرية من عشرة أيام، وجدت شاباً لا يشارك في المسيرة، فقلت له لماذا لم تشارك معنا ؟ فذرفت عينه الدموع و قال أرى إخواني و أخواتي يذبحون و يقتلون ويكون كل همي أن أصيح في الشوارع ؟ لم يرضهِ هذا، إنه يريد أن يجاهد، و لكن ما حيلة الأمة ؟ حيوا هؤلاء الذين خرجوا في هذه المسيرات، صحيح المسيرات لا تستطيع أن تفعل شيئاً لكنها تعبير، يريد الناس أن يتنفسوا، نريد أن نشعر الحكام أن الأمة لها إرادة و تريد شيئاً و أن الأمة إذا أرادت لا يستطيع أحد أن يقف في سبيلها، حيوا هذه المسيرات في قطر و في عمان و في الكويت و في البحرين و في الشارقة و في دبي و في غيرها من بلدان الخليج و البلدان العربية، حيوا المسيرة المليونية في الخرطوم والمسيرة المليونية في الرباط، حيوا كل من وقف غاضباً من أجل الحق، يريد أن يثبت وجوده، حيوا  هؤلاء جميعاً، كل من قدم لهذه القضية نحييه ….

حيوا العراق الذي أوقف ضخ النفط

حيوا العراق الذي أوقف ضخ النفط، ثلاثين يوماً قابلة للتجديد إذا لم تتغير الأوضاع، حيوا العراق الذي وقف فريداً في هذه القضية و لم ينضم إليه أي قطر آخر، وقال من قال إن قطع النفط يضرنا و لا ينفعنا، لا و الله، لن ينفعنا إذا ضاعت كرامتنا و إذا ديست حقوقنا و إذا أصبحنا كالأنعام نساق  كما يريد الجزارون لنا، ليس هذا في مصلحتنا، إذا لم نفعل كما فعل العراق فلنفعل ما طلبناه في بيان المسيرة الشعبية في قطر، تخفيض إنتاج النفط، خفضوا إنتاج النفط خمسين في المائة، ماذا يضر ؟ في وقت من الأوقات كان النفط يباع بعشرة دولارات و أعلنت الدول النفطية التقشف و خفضت ميزانيتها، ليكن هذا، ألا تستحق كرامة الأمة و حقوق الأمة هذا الأمر ؟ أين الملك فيصل – رحمه الله – حينما قال للأمريكان و الغربيين إننا مستعدون أن نعود إلى حياة الخيام  ونكتفي بالتمر واللبن و لا نفرط في كرامتنا.

نريد هذا اللون من الناس، ألا يوجد هذا اللون من الناس ؟ بماذا نتكلم أيها الأخوة ؟ بلغة البكاء و الرثاء أم بلغة الشكوى أم بلغة الاعتزاز ؟ و الفخر و الحماس ؟ و نقول ما قاله الفرزدق من قبل : أولئك آبائي فجئني بمثلهم، و أنا أقول :

أولئك أبنائي فجئني بمثلهم

إذا جمعتنا يا جرير المجامع

هؤلاء أبناء الأمة أبناء العروبة أبناء الإسلام، أم نتكلم بلغة الاستنهاض والاستصراخ، نستصرخ القادرين من هذه الأمة، نستصرخهم أن يقفوا موقفاً رجولياً يليق بشهامة العرب، العرب عرفوا بالنجدة و الشهامة و إذا استجار بهم مجير قالوا فداؤنا لك، إذا قالوا : نعم نجيرك، و يقول قائلهم :

و لا أقول نعم يوماً و أتبعها بلا

و لو ذهبت بالمال و الولد

إذا استجار بهم مجير أجاروه و لو بذلوا في ذلك الأرواح و الأموال، و لكن عرب اليوم كما قال الشاعر :

لمستجير بعمرو عند كربته

كالمستجير من الرمضاء بالنار

أين أمجاد العرب و بطولاتها ؟، يا عرب اليوم أين أمجاد العرب و بطولات العرب ؟، العرب في سنة 48 دخلوا بجيوشهم السبعة، كانت الجامعة العربية سبع دول، و دخلت الجيوش العربية السبعة لتحارب في فلسطين و حاربوا حوالي سنة، أتعجز الجامعة العربية و قد أصبحت أكثر من عشرين دولة و تملك ما تملك من أسلحة ؟ أتعجز أن تقف ضد هذا التجبر الصهيوني ؟ إنه الجبن إنه الفشل إنه الخوف إنهم زعموا أن (إسرائيل) قوة لا تقهر أسطورة شاعت ولكن هذه الأسطورة كذبها الواقع، كذبها صراعنا مع العدو الصهيوني، انتصرنا عليه في العاشر من رمضان سنة 73 حينما أحسنا التخطيط و أحسنا التدبير و اعتمدنا على الله و كان شعارنا (الله أكبر)، انتصر عليها حزب الله و خرجت من الجنوب اللبناني، انتصر عليها أبناء الانتفاضة هذه، قال شارون في مائة يوم أقصاها سأقضي على هذه الانتفاضة، و مضت مائة ثم مائة ثم مائة ثم مائة، و الانتفاضة تزداد قوة على قوة، كذبت و خسئت يا شارون، يا شارون الملعون، يا شارون السفاح، خسئت و كذبت، ستظل الانتفاضة ما دام هذا الشعب باقياً وما دام الدم يجري في عروقه، دم العروبة والإسلام، دم الإيمان، ما دام يجري في عروقه ستظل هذه الانتفاضة ..

 

لا نخاف مقاومة الكيان الصهيوني و معنا قوة لا تقهر :

لماذا يخاف العرب هذا الخوف من مقاومة الكيان الصهيوني ؟ يقولون إن وراءه أمريكا، فليكن وراءه أمريكا، معه أمريكا و معنا القوة التي لا تقهر قوة الله عز و جل، (إنهم يكيدون و أكيد كيدا)، (و مكروا و مكر الله و الله خير الماكرين)، (و ظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا)، نحن أصحاب الحق، و الحق لابد منتصر و صاحب الحق لا يفكر هذا التفكير، إنه حينما يعتدى عليك أو على أهلك على زوجتك على ابنتك لا تفكر فيما لا يملكه عدوك، تفكر في أن تقاتل و لو خررت شهيدا، “من قتل دون دينه فهو شهيد، و من قتل دون أهله فهو شهيد، و من قتل دون دمه فهو شهيد، و من قتل دون ماله فهو شهيد”، نحن نقاتل دون ديننا، دون أهلينا، دون دمائنا، دون أموالنا، نقاتل دون كل المقدسات التي يقاتل من أجلها الناس، و نقاتل شر قوة في الأرض و أعتى قوة في الأرض إنها قوة بني صهيون، نقاتل الاستعمار العنصري الإحلالي الاستيطاني، الاستعمار الذي يطرد أهل البلد ليحل محلهم، كان هناك استعمار استيطاني في الجزائر و لكنه لم يكن إحلالياً، استوطن الجزائر مع أهلها، لم يطرد أهلها منها، أما هذا استعمار إحلالي، يريد أن يستوطن و أن يطرد أهل البلاد، و شارون الآن يريد أن يفعل ما فعله بيجن قديما، حينما أقام المذابح الرهيبة فأرعبت الناس و تركوا قراهم و ديارهم، أهل فلسطين تعلموا الدرس، لن يتركوا قراهم لن يدعوا هذه البيوت و القرى و لو تحولت إلى مقابر، نستنهض الدول العربية أن تقاتل كما قاتلت سنة 48، سنة 48 لم تدع الفلسطينيين يدافعون عن أنفسهم و كان هذا هو الأولى، الآن بعد أن أصبحت دولة الكيان خمسة ملايين و أصبحت تملك ترسانة هائلة من أسلحة الدمار و الأسلحة النووية و الأسلحة التقليدية و الأسلحة المتطورة، الآن تركوا الشعب الفلسطيني المسكين يأكلها وحدها، يقاوم هذه القوة وحده، أين أنتم يا عرب ؟ أين الجامعة العربية ؟ أين رابطة العروبة ؟ أين الدفاع العربي المشترك ؟ لا أثر لهذا حتى اليوم، إذا لم تستطيعوا أن تقاتلوا بأنفسكم فاسمحوا للمقاتلين أن يذهبوا، و الله لقد سمعت إحدى الفتيات في لقاء في مصر تقول : “تقولون إننا مجرد كلام، افتحوا لنا الحدود و سترون ماذا نصنع”، فتاة تقول هذا، سترون ماذا سنصنع !! .. و الله إن الشباب يغلي، و قد جاءني أحد الشباب يقول “أريد أن أجاهد”، يقول : “أنت قلت الجهاد أصبح فرض عين، و أريد أن أسقط الفرض عني”، قلت هو فرض عين لمن يقدر عليه، لمن يستطيعه و ستمنعك دول الطوق، قال : “سأحاول، وأنا أريد أن أذهب و أن أعلن هذا، من يريد الذهاب إلى الجهاد فليأت معي بشروط كذا و كذا و كذا”، قلت : “لن تمنعك دول الطوق فقط، بل ستمنعك دول الطريق إلى الطوق و أنت ذاهب بسيارتك و رافع علم الجهاد، هل تسمح لك هذه الدول أن تمر في أرضها ؟” …

يا لله، الشباب في كل مكان يقول افتحوا الحدود، غضوا الطرف عمن يتسلل من الحدود، ليس من الضروري أن تكون هناك جيوش و كتائب كبيرة، اسمحوا لا تشددوا ليدخل هؤلاء الشباب الراغبون في الجهاد و الاستشهاد، و لكن دول الطوق لا تسمح، لا تسمح بأن ينفذ هواء ليصل لمساعدة إخوتنا في فلسطين، إلى متى تظل هذه الأمة هكذا ؟ اسمحوا للشباب أن يذهب إلى هناك، ابعثوا بالأسلحة إلى الانتفاضة، سلحوا الانتفاضة، سربوا الأسلحة إلى الانتفاضة إلى المقاومة إلى فصائل المقاومة، هؤلاء الشباب كتائب عز الدين القسام، سرايا القدس، كتائب شهداء الأقصى فصائل المقاومة المختلفة، نحييهم و لكنهم في حاجة إلى أسلحة، سيسجل التاريخ العار على هذه الأمة حينما نفذت ذخائر أبناء جنين و جرفتهم الجرافات و دفنوا تحت الأنقاض و أخفيت المعالم، قوات الاحتلال تفعل هذه الجرائم ثم تخفي المعالم، و لكن التاريخ لن يرحم، و الله تعالى بالمرصاد ..

 

أدنى الجهاد أن نقطع كل علاقة بالكيان الصهيوني :

نستطيع أيها الأخوة أن نفعل أشياء كثيرة، إذا لم نستطع الجهاد العسكري الذي أصبح فرض عين على كل من يقدر عليه، فليكن هناك أنواع أخرى من الجهاد نستطيع أن نقوم به، تستطيع الأمة أن تقوم بها، من ذلك : الجهاد السياسي، و أدنى هذا الجهاد أن نقطع كل علاقة بهذا الكيان الصهيوني، سواء كانت علاقة اقتصادية تجارية سياسية ثقافية سياحية سموها ما تسموها، هذه العلاقات إثم و عار، إثم و عار، إثم من الناحية الدينية و عار من الناحية القومية، لا يجوز أن يبقى في بلد عربي و لا بلد مسلم صلة بالكيان، أي صلة، و لا قنوات دبلوماسية، لا نريد أن تظل بيننا و بينهم أي قناة، لا بد من قطع العلاقات، لابد من طرد السفراء، لا بد من إغلاق السفارات، لا بد من سحب سفرائنا هناك، هذا أول الواجبات و أضعف الإيمان أن لا يكون بيننا و بين هؤلاء صلة، بأي وجه نلقى الله ؟ بأي وجه يتحدث عنا التاريخ ؟ و إخواننا يلقون ما يلقون و يعانون ما يعانون و نحن نفتح الأبواب لمن يمثلون الصهاينة الغادرين السفاحين الجزارين، هذا هو الجهاد السياسي .

 

شراء البضائع الصهيونية و الأمريكية كبيرة من الكبائر :

و هناك جهاد اقتصادي، و هو أن نفعل الفتوى التي أصدرتها و أصدرها معي عدد من علماء الأمة بتحريم التعامل مع البضائع الصهيونية و الأمريكية، المقاطعة، مقاطعة البضائع الصهيونية و الأمريكية، هذا واجب الأمة، كل ما يشير إلى أمريكا، مجرد الإشارة حتى و لو كانت وطنية، (كولا) كلمة كولا يعني أمريكا، هامبورجر، ماكدونالد، بيتزا، هذه الأشياء أمريكية، ارحمونا، كلما رأيت هذه العناوين ثارت نفسي و ثار البركان في صدري، نريد أن تقاطع الأمة هذه البضائع، من زجاجة البيبسي إلى السيارة إلى الطائرة البوينج، نطالب الحكومات و نطالب الشعوب أن تقاطع هذه البضائع و أن تنظم اللجان الشعبية لتفعيل هذه المقاطعة و ترتيب الأولويات فيها، كل ما له بديل يجب أن يقاطع، ما الذي يجعلني أركب سيارة أمريكية و أستطيع أن أشتري سيارة يابانية أو سيارة ألمانية ؟ لن أخسر شيئاً، المقاطعة، هذه المقاطعة واجبة على الجميع، الكبير و الصغير، و في أول الانتفاضة رأينا العجب و الله، رأينا الصغار الأطفال يقولون لآبائهم : لا يا أبي لا يا أمي هذه بضاعة أمريكية حرام، رأينا الأخوة في الهند في كيرالا يجتمعون في يوم الجمعة مثل هذا و كل واحد في يده زجاجة كوكاكولا و يكسرها إشارة إلى المقاطعة، ما الذي جعل الأمة تسترخي، نريد من الأمة من رجالها و نسائها من الأمهات في البيوت أن لا يشترين البضائع الأمريكية، و ربما تكون هناك بضائع صهيونية تتسلل تحت أسماء و عناوين، من عرف ذلك فعليه أن يقاطع، حرام أي حرام، حرام بل كبيرة من الكبائر أن تشتري في هذا الوقت البضائع الصهونية و الأمريكية، هذا جهاد نوع من الجهاد، لابد أن نفعله و نتواصى به .

 

علينا أن نجاهد بأموالنا حتى تستمر الانتفاضة :

و هناك جهاد آخر، الجهاد بالمال، الله تعالى يقول (انفروا خفافاً و ثقالاً و جاهدوا بأموالكم و أنفسكم في سبيل الله)، القرآن دائماً يقدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس لأنه لا يمكن أن يستمر جهاد إلا بالمال، إخواننا يجودون بأنفسهم، يضعون رؤوسهم على أكفهم و يقدمونها رخيصة في سبيل الله، أفنبخل نحن بأموالنا ؟ علينا أن نبذل هذه الأموال، الأموال من الزكاة المفروضة لأنها في سبيل الله و هم فقراء و أبناء السبيل و يستحقون الزكاة منأكثر من وجه، و أموال الصدقات التطوعية، من يريد أن يقدم شيئاً يضعه في رصيده عند الله و أموال الصدقات الجارية الأوقاف، من ثمار الأوقاف، و أموال الوصايا، وصايا الأموات، وصايا أبيك و جدك، و الأموال المشبوهة، من اجتمع له أموال من فوائد في البنك أو نحو ذلك فهذا مصرفها، هي حرام عليك حلال لأخوتك في فلسطين، علينا أن نبذل من أموالنا و شكر الله للأخوة الذين نظموا ذلك في أكثر من بلد و أول أمس نظمت قطر جمع هذه التبرعات و تبرع الأمير و ولي العهد بعدة ملايين و لا زالت الأمة تنتظر المزيد، و علينا أن نقدم لهؤلاء المواد الإغاثية و المواد الطبية بكل وسيلة ممكنة، هناك الجهاد المالي .

 

كيف نغني و نرقص و أخوتنا يقدمون التضحيات :

و هناك الجهاد الثقافي، و أعني بالجهاد الثقافي أن تتغير الحياة الثقافية للأمة، هذا الذي نراه في وسائل الأعلام، الأغاني و الرقص و هذه الأشياء، كيف نغني و نرقص و أخوتنا يقدمون هذه التضحيات يوماً بعد يوم ؟، هذه المآسي التي نشهدها و التي تقشعر لهولها الأبدان و تشيب لهولها الولدان، كيف نسمح بهذا السيل من الأغاني و الأفلام و المسلسلات، آن لهذه الأمة أن تعرف أننا في وقت جد و أوقات الجد لا بد أن تقابل بمثلها، حينما قتل كليب ابن ربيعة آل أخوه المهلهل ابن ربيعة على نفسه أن يمتنع عن كل طيبات الحياة و ألا يخلع ثوبه عن بدنه و قال في شعره :

 

ولست بخالع درعي و سيفي      إلى أن يخلع الليل النهار

 

و حينما هزم المشركون من قريش في بدر أبى أبا سفيان و حلف على نفسه ألا يمس امرأته و لا يمسه ماء لغسل جنابة حتى يثأر من محمد و أصحاب محمد، هكذا كان العرب، كيف نعيش هذه الحياة العادية، أعراس و مهرجانات و سباقات و أشياء كأننا لسنا في حالة حرب، كأننا لسنا في كارثة حقيقية، يا لله، ماذا جرى لهذه الأمة يا قوم ؟ ماذا جرى للناس ؟ أليس فينا أحاسيس تشعر ؟ ماذا نقول ؟ ننادي حكامنا و زعماءنا، فهل لحكامنا و زعماءنا آذان تسمع ؟ و إذا كانت لهم آذان فهل لهم قلوب تتوجع، و إذا كانت لهم قلوب فهل عندهم عزائم تتشجع ؟ و إذا كان عندهم عزائم فهل عندهم سيوف تشهر و أيدٍ تتحرك ؟ الأمة في حاجة إلى أن تتغير، جهاد ثقافي، تشعر الأمة بالحزن، بالأسى، أمن الإسلام أو من الإيمان أو حتى من الإنسانية أن تجمع على مائدتك ما لذ و طاب من الطعام و الشراب و أن تعيش بين أهلك و أولادك في بيتك الظليل المدفأ في الشتاء و المبرد في الصيف و إخوانك هناك قد أخرجوا من ديارهم ؟، هناك عائلات أخرجت من ديارها و لا تعرف أين ذهب أولادها، بالأمس سمعت الأم تقول : “لا أعرف أين ذهب أولادي، هي في مكان و هم في مكان”، لم يجتمع شمل الأسرة، ألا نحس بآلام هؤلاء، الأمة الواحدة يجب أن يحس بعضها ببعض، ماذا أقول أيها الأخوة ؟ الكلام كثير و في  الجعبةالكثير و الكثير من الجهاد الثقافي …

 

أقل ما نقدمه أن نستشعر آلام إخواننا و ندعو الله لهم :

الجهاد الروحي، أن نستشعر آلام إخواننا و نصطحبها دائماً و تعيش في وجداننا و أن ندعو الله لهم في صلواتنا، في خلواتنا، في أسحارنا، في سجودنا، ندعو الله لهؤلاء الأخوة، أقل ما نقدمه أن ندعو الله لهم، أن ندعو دعاء القنوت، قنوت النوازل الذي قرره الفقهاء عندما تنزل بالمسلمين نازلة، تدعو في الصلوات و خصوصاً في الصلوات الجهرية و خصوصاً صلوات الجمعة، نصلي صلاة الغائب على الشهداء الذين يدفنون بالعشرات و لا يصلي عليهم أحد، علينا أن نصلي على هؤلاء، علينا أن نمسك بالجذوة بالجمرة ملتهبة حتى لا تستحيل إلى رماد، إن أمتنا تملك الكثير، الكثير و الكثير من أنواع الجهاد، من لم يقدر على نوع قدر على نوع آخر، كل واحد يستطيع أن يبذل من عنده و أن يتعاون مع إخوانه و أن نعيش في المأساة حتى ينتصر إخواننا و إنهم لمنتصرون، إنهم لمنتصرون رغم عوامل الإحباط و رغم تخاذل المتخاذلين، و استخذاء المستخذين، رغم هذا ستنتصر الانتفاضة، و ستنتصر المقاومة إن لم يكن اليوم فغداً، و إن غداً لناظره قريب و سيجعل الله بعد عسر يسرا و سيجعل الله بعد الظلام فجرا، إن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا، (و لينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز)، (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم و كان حقاً علينا نصر المؤمنين)، أقول قولي هذا و أستغفر الله تعالى لي و لكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم و ادعوه يستجب لكم .

 

دعاء الخاتمة :

الحمد لله، غافر الذنب و قابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، و أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير، و أشهد أن سيدنا و إمامنا و أسوتنا و حبيبنا محمداً عبد الله و رسوله البشير النذير و السراج المنير، صلوات الله و سلامه عليه، و على آله و صحبه و من دعا بدعوته و اهتدى بسنته و جاهد جهاده إلى يوم الدين …

اللهم إنا نسألك العفو و العافية في ديننا و دنيانا، و أهلينا و أموالنا، اللهم استر عوراتنا، و آمن روعاتنا و احفظنا من بين أيدينا، و من خلفنا، و عن أيماننا و عن شمائلنا، و من فوقنا و نعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا، اللهم انصر أخوتنا في فلسطين، اللهم انصر أخوتنا في فلسطين، اللهم انصر أخوتنا في فلسطين، اللهم سدد رميتهم و قوِّ شوكتهم و اجمع على الحق كلمتهم، اللهم افتح لهم فتحاً مبينا، و اهدهم صراطاً مستقيماً و انصرهم نصرا عزيزاً، اللهم أيدهم بملأ من جندك و أمدهم بروح من عندك و احرسهم بعينك التي لا تنام و اكلأهم في كنفك الذي لا يضام، اللهم عليك بالصهاينة المعتدين، اللهم عليك بشارون و عصابة شارون و كل من عاون شارون، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر، اللهم زلزل أقدامهم و نكس أعلامهم، اللهم أدر الدائرة عليهم و سق الوبال إليهم، اللهم أنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم أنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً سخاء رخاء و سائر بلاد الإسلام، ربنا اغفر لنا ذنوبنا و إسرافنا في أمرنا و ثبت أقدامنا و انصرنا على القوم الكافرين …. اللهم آمين .

فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>