يقولُ أهلُ ماليزيا : لقد درسْنا أسباب تقدم اليابان وتوصلنا إلى أن الأمر ليس فيه معجزةٌ ولا تفوق عِرقي وإنما هو تصوُّرٌ صحيحٌ وسليم للتقدم التكنلوجي والتخطيط الشامل والدقيق لإنجاز ذلك وتوافر إرادة صادِقة وكلّ ذلك يقتضي منا العلم واكتساب الخبرة والاحتكاك بالأوساط التكنولوجية في العالم وحسن الإدارة ورفع شأن المدرسة ووضع استراتيجية لها من الروض إلى أعلى سُلم البحث ومضاعفة الجهود أكثر من غيرنا وقد حققنا ما حققناه باستثمار رشيد للثروات التي نملك وأعلاها : الثروة البشرية التي نعتبرها الرأسمال الأول فكان ما تشاهدون.
وكذلك كوريا التي يقول بعض رجالاتها : ليس هناك معجزة، هناك فقط شعورٌ بالخط ر المحدق بوطننا ودراسة مواجهة التحدي، فقُمنا باستثمار رشيد وجيد لإمكاناتنا التي نتوفر عليها وقررنا مضاعفة الجهد أكثر من اليابان وكوريا الشمالية وحققنا ما حققناه.
وكذلك الأمر بالنسبة للدول المجاورة التي رغم تعرضها لأخطار العصابات المتآمرة بقيادة سوروس فإن أندونيسيا مثلا ما تزال تتمتع والحمد لله بالمرافق الأساسية أو ما يُسمى بالبنية التحتية قوية وكثيرة، ومنتشرة كما لا يزال الشعب الاندونيسي مصمما على المضي في بناء مجتمعه وصناعته بصبر وثبات.. وحالما تتاح له قيادة في المستوى اللائق فإنه من السهولة أن يسترد مكانته في الطلائع الاسيوية وليس ثمة تراجع.
أما المصيبة الكبرى فهي نحن، فقد تنكبْنا الطريق القويم والصراط المستقيم، من أول خطوة وشرعنا في التخلف المربّع من أول وهلة وضاعفنا السير في مضمار التخلف المكعب حتى أصبحنا أضحوكة العالم وأمثولة التاريخ الإنساني : أمّة عظيمة الآباء والأجداد أكرمها الله بأعظم دين وأجل كتاب وخير رسول وأنصع تاريخ تتيه بين اليمين واليسار وتترنح ذليلة بين الأيدي الأثيمة والأرجل اللئيمة وتقف على أبواب اللصوص المسعورة تتسول وتستعطي الفتات من ثرواتها ا لضخمة المنهوبة منهم باعتبارهم أوصياء علينا وعلى أموالنا لكوننا سفهاء لا نستحق أن نتصرف فيها تصرف الرشداء.
وقد سألني أحد أعلام ماليزيا من قدماء رجالات الحكم بها، لماذا لا تسخدمون أموال نفطكم في بناء دولكم ورفاهية مجتمعاتكم؟ فأجبته : لأننا سفهاء، فقال لي: إن ماليزيا استطاعت أن تمول نهضتها بعوائد بترولها القليل (700.000.000 برميل يوميا) وبغلَّة زيت نخيلها وأنتم أغنى منا ومع ذلك مازلتم في المؤخرة.
والأنكى من ذلك أن أولئك الذين كانوا بالأمس القريب يعدون شعوبهم بحياة الجنات في الدنيا وبالرفاهية وبالاستفادة من ثروات بلادهم وبالعدالة في توزيعها، أصبحوا بين عشية وضحاها يبيعون أوطانهم لألد أعدائها، بل صاروا يسارعون في تقديم الخدمات للاستعمار والرأسمالية مجانا في ميادين شتى وبخاصة في ميدان التحريض على فئات من إخوانهم ومواطنيهم بل على دينهم وحضارتهم وبغية الإجهاز على أغلى ما تملكه الأمة : الدين.
فمن وصفنا بالقرود فقد صدق ومن وصفنا بالحمير فقد صدق.
أما أنا فأصف قومنا : بالأخسرين أعمالاً التقدميين أقوالا التائهين أفعالاً الغافلين ماضيا وحالاً ومآلاً….
د. عبد السلام الهراس