الشباب المغربي إلى أين؟!


“الشباب في اللغة من شب، وهذه اللفظة تدل على الفتوة والنشاط والحركة، ومرحلة الشباب حددها مؤتمر الوزراء الأول في جامعة الدول العربية بالقاهرة عام 1969م : >يرى المؤتمرون أن مفهوم الشباب يتناول أساساً من تترواح أعمارهم بين الخامسة عشرة والخامسة والعشرون سنة<.

فمرحلة الشباب من أهم المراحل الأساسية في حياة الإنسان وتتبوء واسطة العقد ووسط كل شيء خياره، فحينما تكون الشمس في كبد السماء في رابعة النهار تكون أقوى وأحر ما تكون، وتمثل مرحلة الشباب فترة التحول الكبرى في حياة الإنسان من حالة طفولة واعتماده على غيره إلى حال يتم فيها الإعتماد على النفس، وتعرف تحولات على مستوى النمو الجسمي والعقلي والعاطفي”(كتاب الأمة : مشكلات الشباب.. د. عباس محجوب).

ذلك أن مرحلة الشباب يكون فيها الإنسان في أوج عطائه ونشاطه، تكون خلالها قواه الفكرية أكثر استعداداص للأخذ والإستيعاب ثم للتفكير والتخطيط والإنتاج، ويكون فيها جسمه أكثر صلابة وتحملا للمشاق وبذلا للجهد العضلي، ونفس الأمر من الناحية النفسية والمعنوية وعلى مستوى الطموحات وعلو الهمة.. وقوتهم تلك تدفعهم إلى البحث عن الجديد والاكتشاف وولوج عالم المغامرات والمخاطرة بالنفس والمال من أجل الوصول إلى ما يرغبون فيه وما يهدفون إليه. والشباب هم الذين يملؤون المعامل والشركات والمقاولات والأسواق التجارية، وهم الجنود في الجيش والشرطة.. في كل مؤسسات الدولة على أكتافهم تبنى الحضارة، فإذا كانت تربيتهم والعناية بهم جيدة وكان توجيههم نحو الخير والاصلاح وإعمار الأرض.. كانت النتائج إيجابية مبشرة بالخير مثلجة للصدور، أما إذا تم إهمالهم وألقي الحبل على الغارب، وتُركوا لشأنهم من غير إرشاد وتوجيه تحركت قوى الشر لإفسادهم وكانت النتائج غير محمودة العواقب.

وإن الناظر في النسيج الإجتماعي العربي عموماً والمغربي خصوصاً، يرى أن فئة الشباب هي الفئة الغالبة، والمجتمع المغربي مجتمع شاب -إن صح التعبير- في مرحلة العطاء، لكن للأسف هذه الطاقا ت معطلة ولا يتم توجيهها والإستفادة منها كما ينبغي، فهي مشتتة بين :

- جيش من أصحاب الشواهد خريجي الجامعات والمعاهد العليا، معطلين، والنخبة والنبغاء منهم يتم استجلابهم واستقاطبهم من طرف الغربيين الذين أدركوا قيمة هته الطاقات. وكثيرون منهم مزدحمون على أبواب السفارات والقنصليات الأروبية طلباً لتأشرة المرور إلى تلك الدول بمقولة متابعة الدراسة، لكن الحقيقة هي الهروب من هذا الواقع البائس، فاشترطت عليهم تلك الدول تعلم لغاتها فأسرعوا إلى بعثاتها التعليمية لتعلم تلك اللغات خاصة منها : الفرنسية، الإنجليزية والألمانية.

- أفواج من طاقات العمل مرابطة على شواطئ البحر الأبيض المتوسيط تقتنص الفرصة لحجز معقد على قاربمن قوارب الموت، وتتوسل عصابات الهجرة السرية لتوفر لها مقعداً مع “الحراگين” بثمن مناسب.

- و”المحظوظين” منهم توظفوا في مدارس المعلمين وأو الحاميات العسكرية أو في مطاعم الفنادق.. مع الأسف أن هذه الفئة تكون من المتفوقين، فأنا أعرف أكثر من واحد منهم حصل على البكالوريا بمعد 20/15 وكان بالإمكان انتقاؤهم وتكوينهم تكوينا جيداً ليأخذوا مراكز القيادة في المجتمع لاتشغيلهم بوظائف بسيطة.

أما على المستوى الأخلاقي فحدث ولا حرج، ذلك أن الشباب المسلم يتعرض في هذه الأيام لأكبر عملية إفساد وتفسيق في التاريخ، كل أجهزة التخريب المحلية والعالمية موجهة إليه، بدءاً من القنوات التلفزية، والجراد والمجلات ودور السينما والحفلات والسهرات، انتهاءًا بالحانات ودور الدعارة.

- فالانحلال الخلقي والإرتماء في أحضان الجنس ظاهرة شباب العصر، كنا من قبل نتحدث عن غياب الحشمة والحياء وعن الاختلاط بينالفتيات والفتيان، عن التبرج والملابس القصيرة، وكنا نعدها ظاهرة خطيرة تهدد المجتمع، أما الآن فنقول وبكل صراحة أن الأمور اتجهت نحو الهاوية، إلا أن يتداركنا الله برحمته- فكم منهم تلميذة ضُبطت ومعها حبوب منع الحمل!!! وكم من تلميذ وُجد في محفظته “العازل الطبي” وهناك حالات حمل لدى التليمذات والطالبات!!! وهناك كوارث تقع في صفوف الشباب. الشوارع المقاهي، الحدائق وأماكن النزهة مملوءة بـ”الثنائيات” شاب-شابة، فتى-فتاة، يتمايلان، يعبثان.. تدور أحاديث العربدة بينهم.. لا همّ لهم سوى إشباع نَهُم الغريزة والغرق في أوحالها.

أين المسؤلية؟ أين الجد؟ أين.. أين…؟

- عصابات المخدرات اخترقت الإعداديات والثانويات فضلا عن الجامعات، سرت ترى التلاميذ الصغار الذين يتربون على القيم والمبادئ والأخلاق الفاضلة، يتعاطون المخدرات بأنواعها وأشكالها بشكل علني، ولا يخافون في ذلك لومة لائم!!!

-الحانات مملوءة بالشباب وأمام المؤسسات التعليمية تجد قنينات الخمر الفارغة من الذي اشتراها وسقى منها؟

ومن قبلُ كانت قد صرحت كاتبة لبنانية إثر دراسة قامت بها أن أغلب أسباب إخفاق الفتيات في دراستهن هو تفكيرهن في الجنس (من كتاب : مسؤولية التربية الجنسية، لناصح علون) وكان “خرتشوف” قد صرح عام 1962 بأن مستقبل روسيا في خطر لأن شباب روسيا لا يؤتمن على مستقبله لأنه منحل غارق في الشهوات.. وفي الوقت نفسه صرح “كنيدي” بأن مستقبل أمريكا في خطر، لأن شبابها منحل غارق في الشهوات، لا يقدر المسؤولية الملقاة على عاتقه وأن من بين كل سبعة شباب يتقدمون للتجنيد يوجد ستة غير صالحين لأن الشهوات التي أغرقوا فيها أفسدت لياقتهم الجسمية والنفسية(من كتاب : الشباب المسلم في مواجهة التحديات، لناصح علوان).

ماذا نقول عن شبابنا نحن؟ وهل هناك دراسة جادة وإحصائيات موثوقة تختص بالشباب المغربي لمعرفة واقعه وكيف يفكر؟ وأين يقضي وقته؟ ومما يعاني وما هي مشاكله؟ أم أنه لا يستحق العناية؟ أم أن ساساتنا ومسؤولنا لاي قدون قيمته ولا يعنيهم مستقبل هته الأجيال، بل مستقبل المغرب؟

أيها الناس، أيها المسلمون، الأمر خطير والخطب جلل، والتحديات كبيرة إذا سار الأمر على هذا النحو، فإن الخسارة تكون فادحة ولا تقدر بالدراهم بل بالأجيال!

وإني لكم لناصح أمين إذ قلت لكم أدْركوا الشباب، فهو في أمس الحاجة إلى العناية والتوجيه إلى من يأخذ بيده إلى بر الأمان.

فالشباب في حاجة إلى :

- تعريفه بدينه وملء فراغه الروحي، بالدين، بالإسلام، بالإيمان، عرِّفوه بالله، اربطوه به ليتلقى من رب العزة من خالقه.. منه يستمد المدد والعون وعنه يتلقى الأخلاق والقيم، ليخضع له ويعبده عن طواعية واختيار.

- تربية وتكوين تربيته ليكون أميناً، وتكوينه ليكون قوياً متمكنا من أسباب القوة العلمية والفكرية والبدنية، ليكون في مستوى تحديات العصر، وليتحمل مسؤولية الإستخلاف وعمارة للأرض ومن أجل ذلك وجب :

< إنشاء المدارس والمعاهد والجامعات للتربية والتعليم وفق مناهج أصيلة سليمة تخرج العلماء، الأدباء، المفكرين التقنيين.. تخرج الإنسان الصالح المصلح.

أما هته المناهج الحالية فهي معاقة أخرجت المعاقين فكريا وسلوكيا ولازالت تخرجهم.

< إعلام بنّاء ينشر الوعي ويعرِّف الأمة بو اقعها ومشاكلها ويعرفها بأصدقائها وأعدائها.. إعلام يعايش هموم الشباب ويقدم حلولا لها. لا الإعلام المغربي الحالي بقناتَيه وإذاعاته وصحفه ومجلاته.. الذي يعمل على طمس المعالم الحضارية للأمة ويحوّل قبلة شبابها إلى جهة الغرب، وينشر الرذيلة والفساد وثقافة الغير بأفلامه ومسلسلاته وسهراته..

< سد باب هاجس “الشغل” الذي جعل المؤسسات التعليمية تخرج طلاب الوظائف لا طلاب العلم.

وأخيراً أقول : إن النشء مزرعة إن زرعتها بما يعودبالنفع وسقيتها ورعيتها، حصدت الخير تفيد به نفسك وغيرك. وإن لم تحرقها وتزرعها في وقت الحرق وأتى المطر وهي بدون زرع لم تُنْبتْ  إلا حشاش الأرض والنبات الشاتك الذي يؤذي ولا ينفع.

البويسفي محمد

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>