على الرغم من ان عمر السينما الايرانية تعدى المائة عام، إلا أن الانطلاقة الحقيقية لتلك السينما جاءت في اعقاب قيام الثورة الاسلامية في ايران عام 1979، حيث حصد الممثلون والمخرجون الايرانيون في السنوات الاخيرة العديد من الجوائز من مهرجات سينمائية دولية، كما اعترفت الاوساط الفنية العالمية بالسينما الايرانية كأحد المدارس الفنية ذات الخصوصية المميزة.
واتسمت السينما الايرانية منذ بدايتها عام 1900 بسيطرة افلام العنف والاثارة على افلامها، التي كانت اقرب ما تكون للافلام التي تقدمها السينما الهندية او الامريكية، ولكن بعد قيام الثورة تم وضع العديد من القيود والضوابط على الاعمال السينمائية، مثل ضرورة ارتداء الممثلات للحجاب الشرعي، ومنع مشاهد التقبيل والاغراء، وغيرها من الاشياء التي رأت الثورة أنها تخل بالآداب الاسلامية للمجتمع الايراني، وكانت الثورة ترمي من وراء تلك الضوابط لخلق ” سينما اسلامية ” تقدم الرسالة السامية للفن، ولكن في إطار التعاليم والمبادئ الاسلامية.
ورغم تخوف العديد من انهيار الفيلم الايراني بسبب تلك القيود، إلا أن ما حدث كان العكس، حيث حاول المؤلفون والمخرجون الايرانيون صياغة فكر وشكل جديد لا يصطدم مع تلك الضوابط، من هنا ركزت الافلام الايرانية في حقبة الثورة على مشاكل المجمتع الايراني، كما انها اصطبغت بلمسة ايرانية خالصة، بعيدا عن السينما الامريكية او الهندية، وللهروب من الضوابط الرقابية، لجأ المخرجون الايرانيون لاستخدام الرمز، وهو ما اعطى الافلام الايرانية عمقا هادفا بعيدا عن الافكار السطحية.
واصبحت الافلام الايرانية صورة مقربة لما يراه البعض ” فيلما اسلاميا “، سواء من حيث الالتزام بالملابس المحتشمة والحوار المحافظ بعيدا عن مشاهد الاغراء والعنف، او من حيث تناولها لقضايا المجتمع الايراني، ومحاولتها البحث عن حل لما يعانيه من مشاكل، وهو ما اكسبها لمسة انسانية راقية لا تخطئها العين، كما انها شكلت وسيلة لكسر الحصار المفروض على ايران من جانب بعض الدول، ونجحت في اقامة جسور من التفاهم والحوار مع العديد من المجتمعات الخارجية، خاصة في اوروبا.
ونجحت السينما الايرانية في السنوات الاخيرة في حصد عشرات الجوائز في مختلف المهرجانات الدولية، فيما اقتصر الامر قبل الثورة على المخرج صحراب شاهيد ساليس وهو الوحيد الذي تمكن من الحصول على نوع من الاعتراف في مهرجان برلين السينمائي وذلك عن فيلمه ” حياة ساكنة “.
ولكن في أعقاب الثورة ارتفع عدد الحائزين على الجوائز بشكل ملحوظ، وفاز المخرج عباس كياروستامي بالجائزة الاولى في مهرجان كان عام 1997 عن فيلمه ” طعم الكرز “، كما فاز جعفر بناحي بالجائزة الثانية في مهرجان فنيسيا عام 2000 عن فيلمه ” الدائرة “، وفازت المخرجة سميرة مخمالباف بجائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان كان لعام 1998، وحصلت الممثلة الايرانية (بيجاه اهنجراني ) على جائزة احسن ممثلة في مهرجان القاهرة السينمائي عام 2001عن فيلم ” فتاة تائهة “.
كما لقيت السينما الايرانية الاعتراف في عقر دار السينما الامريكية في هوليوود، عندما رشح فيلم المخرج الايراني ماجد مجيدي ” أطفال الجنة ” عام 1999 لجائزة الاوسكار في مسابقة الافلام الاجنبية، في الوقت الذي ترددت اسماء مخرجين ايرانيين مثل محسن مخملباف ودرويش مهرجوي وغيرهم في المحافل والمهرجانات الفنية والسينمائية.
وفي هذا الاطار نظمت العديد من مدن العالم الكبرى فعاليات لعرض الافلام الايرانية وتمت دعوة مخرجين إيرانيين للمشاركة كأعضاء في هيئات التحكيم في مهرجانات مختلفة.
وتوضح الكاتبة والمنتجة الايرانية فريشتيه طائربور اثر الثورة الاسلامية على الفن الايراني مؤكدة ” ان من اهم إنجازات الثورة محاولتها صياغة مشروع فكري وعملي مستقل عن مد الأمركة السائد، ولم يكن الفن الذي نتج عن ذلك فنا ايديولوجيا بالنموذج الفن السوفيتي الروسي مثلاً بل أدت مقاطعتنا للسينما الأمريكية الروائية والكرتون وغيرها إلى شحذ طاقاتنا الإبداعية وتنمية أدواتنا الفنية؛ فأنتجنا سينما يمكن وصفها بأنها إنسانية راقية، تحترم القيم ولا تتاجر بجسد المرأة، ولا تغطي بالعنف تفاهة المضمون ولا تعتمد على الإبهار “.
وتضيف طائربور ان السينما الايراينة بالغة البساطة وتحمل رسالة بالمعنى الإسلامي الحضاري، والدليل هو أننا حصدنا عشرات الجوائز الدولية في السنوات العشر الأخيرة في السينما الروائية وسينما الطفل والسينما التسجيلية، بل وتم ترشيح الأفلام الإيرانية للأوسكار لعامين متتالين.
في العدد القادم : أنوار الهداية تجتاح الفنانات الصغيرات