انطلاقا من لغة التدافع الكوني، نستشف أن الدفاع البشري؛ سنة من سنن الحياة، التي أودعها الله سبحانه وتعالى، في كائناته ومخلوقاته.. ألا ترى أن البحار والمحيطات، والخلجان … جزء من هذا التدافع الكوني، وهي بين مد وجزر.. وأن الله، جلت قدرته، قد “مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان }(الرحمان : 20). والأنهار والشلالات، والمياه الجوفية.. هي – أيضا – ضرب من ضروب هذا التدافع السرمدي الذي لا ينقطع.. يقول الإمام الشافعي، رحمه الله :
إني رأيت وقوف الماء يفسده
إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب
والأسد لولا فراق الغاب ما آ فترست
والسهم لولا فراق القوس لم يصب
الشمس لو وقفت في الفلك دائمة
لملها الناس من عجم ومن عرب(ü)
والشمس والقمر، والنجوم والأجرام السماوية، كلها في تدافع مستمر: {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر، ولاالليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون}(يس : 40).
وهذه الرياح السابحات، والسحب المرتحلات.. ألا تشعرك بناموس هذا التدافع؟
والأسماك في قاع المحيطات، وذرات الرمال الزاحفات.. القحط والمطر، القر والحر، الربيع والخريف، الليل والنهار، الحياة والموت، القوة والضعف، الجهل والعلم، الشباب والهرم، السعادة والشقاء، الصحة والمرض.. الضحك والبكاء..
فإذا كانت كل هذه الثنائيات، تشكل سلسلة من التدافعات الحيواتية، فما بالك وهذا الإنسان الذي يتوسط كل هذه التفاعلات، بل والمتناقضات؛ بعقله وحسه ووجدانه؟
ألا يكفي هذا أن يجعل منه زورقا تتقاذفه أمواج التدافع الحضاري العاتية؟ ألا يفجر فيه – هو ذاته- قوة معقدة، تؤثر وتتأثر، في جدلية هذا التدافع البشري.؟
.. أسئلة كثيرة ومعقدة، ولا جواب لها، إلا بقدر ما يفرزه هذا الكائن البشري، من إبداعات ثقافية وفنية، تترجم لنا، وتعكس مدى تأثره أو استجابتهلهذا التجاذب السببي العجيب، الذي خلقه المولى جلت قدرته، كمناخ يكتنف بين طياته ومتناقضاته هذا الكائن الذكي العنيد.. الذي يسمى : بالإنسان.
المداني عدادي
——-
(ü) ديوان الإمام الشافعي، ص: 33.