افتتاحية : أُولَى فُتُوحاتِ الفطرة السليمة


 

صدَرفي الثامن من شهر مايو الماضي إعْلانٌ نُشر في السجِلِّ الفيدرالي “الصحيفة الرسمية الأمريكية” مفادُه : أن إدارة الرئيس الأمريكي الحالي تعتزم التشجيع على العودة إلى مبدإ عدم الا ختلاط بين البنين والبنات في المدارس العامة، في إطار إصلاح العملية التربوية في المدارس الأمريكية”(مجلة الوعي الإسلامي 440 يونيو 2002- والمجتمع الكويتية 2002/6/25).

ولقد أصبحت الأصوات الداعية إلى منع الاختلاط في بريطانيا متعالية بعد الإحصاءات المفزعة التي نشرتها الدوائر الرسمية في شهر مايو لهذه السنة، ومؤدّاها : >أن المواليد الجدد في بريطانيا هم غير شرعيين، وهي المرّة الأولى في تاريخ بريطانيا التي يتغلب فيها عدد المواليد غير الشرعيين على نظرائهم الشرعيين منذ بَدْءِ تسجيل الولادات في بريطانيا.

ولقد كانت الكاتبة الأمريكية “هيلين ستانيزي” خير ناصحة للعرب والمسلمين، حينما زارت القاهرة في ستينات القرن الماضي وسُئلت عن رأيها في المرأة المصرية والأمريكية فأجابت: >إن المجتمع المسلم مجتمع كامل وسليم، وحَرِيٌّ بهذا المجتمع أن يتمسك بتقاليده التي تفيد الشباب والشابات في حدود المعقول من القيود التي يفرضها المجتمع المسلم على الفتاة الصغيرة -دون العشرين- فهي صالحة ونافعة، ولهذا أنصح أن تتمسكوا بها.. امنعوا الاختلاط، وقيِّدُوا حرية الفتاة وارجعوا إلى عصر الحجاب، فهذا خير لكم، امنعوا الاختلاط، فقد عانينا منه كثيراً، ولقد أصبح المجتمع الأمريكي مجتمعا معقدا مليئا بكل صور الإباحية والخلاعة، وضحايا الاختلاط والحرية يملأون السجون والأرصفة والبارات والبيوت السرية<(مجلة الوعي الإسلامي).

هذا نداء كاتبة من أعمق بلاد الحداثة، وليس نداء “أصولي أو أصولية” حتى يتسنّى اتهامه بالرجعية والجمود والظلامية، فكم من كتاب وكاتبات حداثيين من بلاد الكنانة وغيرها خاضوا معركة الدفاع عن السفور والتبرج والاختلاط بشراسة ووقاحة منذ الستينات من القرن الماضي إلى اليوم؟؟ وكم من أرواح سقطت في هذا السبيل؟؟ وكم من شهداء ذهبوا إلى جوار ربهم راضين بمواجهة السيل الجارف على صعيد الفكر والسياسة والسلطة؟؟ وكم من أعراض انتُهِكت؟؟ وكم من جدالات أثيرت؟؟ وكم من قوانين قُننتْ، أو روجعت، أو عُدِّلت؟؟  وكم من تدخُّلات لشخصيات رجالية ونسائية وقعت؟؟

فماذا كان الحصاد؟؟ أُسَرٌ مُفَكَّكَة؟ وعمالة سافرة؟! وفنون هابطة؟! وخيانة زوجية لا تأثُّم فيها؟؟ وتجارة في الأعراض “رابحة”؟؟ وذل نغوص فيه إلى الأذقان؟؟

وبلغت الموجة -شبه متأخرة- إلينا فانبرى أساتذة، وأقلام، وصحف، وأفلام ومسلسلات، وتشريعات تعليمية وثقافية.. للنّفخ في هذا التيار بقوة، رغم الجرائم المتصاعدة، ورغم تراكم اللقطاء، ورغم تعاسة الأرامل والمطلقات وما يُعرف -تجميلا- بالأُمّهات العازبات، ورغم ما أصبح يُكْتشف -في كل مكان- من الدّور المتعددة المُعَدّة للعهر والفساد، ورغم ما أصْبَح يُرَى من مواقف خاصة بعَرْضِ سِلَع الفاحشة الخبيثة على مرأى ومسمع من النُّخب الفكرية والسياسية…

فهل يأخذ عشاق الحداثة المعوجة الدّرسَ من الدّولة التي تعتبر نفسها -ويعتبرونها- سيدة العالم الحداثي والحضاري، ويراجعون حساباتهم الفكرية والاجتماعية والسياسية والتربوية؟ ويؤوبون أوبةً راشدة إلى فلسفة التربية الإسلامية التي لها نظرة متميّزة في فَنِّ الاحتياط والوقاية الكفيلة بحفظ المجتمع من شُرور فاحشة الزنا، التي لم ينهنا الله تعالى عنها فقط، بل نهانا عن القرب منها والحَوَمان حَوْلها لاحِسّاً ولا فكراً، فقال تعالى : {ولا تَقْرَبُوا الزِّنَا}(سورة الإسراء)، {ولاَ تَقْرَبُوا الفَوَاحِشَ ما ظَهَر مِنْها ومَا بَطَنَ}(سورة الأنعام).

واتباعاً لمنهج الوقاية نجد الإسلام يضع لنا عدة خنادق للدفاع عن الشرف والطهارة حتى لا نصل إلى جريمة الزنا، من جملة ذلك :

1) أمرنا بغض البصر {قل للمُومِنين يَغُضُّوا من أبْصارِهم}(سورة النور).

2) أمر المومنات باللباس الساتر {ولاَ يُبْدِينَ زِنَتَهُنّ..}(النور).

3) نهى المومنات عن الخضوع في القول تجنُّبا لإثارة مرْضَى القلوب {فَلاَ تَخْضَعْنَ بالقَوْلِ فىَطْمَعَ الذِي في قَلْبِهِ مَرَض}(سورة الأحزاب).

4) حرم الاختلاط بالأجنبية قال صلى الله عليه وسلم : >لايَخْلُوَنَّ أحدُكم بامرأة إلا مع ذي محْرَمٍ<.

5) حرَّم ا لدُّخول على النساء في دُورهن بغير مناسبة وبدون محْرم قال صلى الله عليه وسلم : >إياكم والدّخول على النساء<.

6) حرّم على المرأة أن تَصِفَ  لزوجها امرأة أجْنَبِية، فتذْكُر له مفاتنها، وكذلك الرجل -طبعا.

7) أمر بتسهيل الزواج وتيسيره لتأمين طريق العفاف.

إلى غير ذلك من العلاجاتوالوقايات الحافظة للأسرة والمجتمع من الانهيار الأخلاقي، فهل يجد الحداثيون والحداثيات الوقت والفكر لتدبُّر العلاج الإسلامي لجرائم العرض والشرف؟؟ إذا كانت آذانهم صماء عن قبول النداء الإسلامي، فهل يقبلون نداء الفطرة السليمة التي بدأت تنتصر في قلب بلاد سيدة العالم وزعيمة الحضارة الحديثة؟؟ أم لا وقت لهم، ولا عقل لهم يفكرون به التفكير السليم؟؟ نرجو أن تكون هذه الهبَّة من أمريكا إحدى فتوحات الفطرة السليمة، أما الصُّمّ العُمي البكم فذرهم في خوضهم يلعبون.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>