قال تعالى : {وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين، فدلاهما بغرور، فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين}(الأعراف : 20- 21).
من أبرز الحقائق التي جاء بها الوحي العداوة المستحكمة بين الإنسان والشيطان، فإبليس اللعين رفض السجود لآدم \ تكبرا، وعصيانا لأمر الله عز وجل، فلعنه الله تعالى وطرده من رحمته، وحينما أقسم إبليس اللعين على إغواء ذرية آدم، وتضليلهم وإبعادهم عن الحق إلى قيام الساعة. {وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا، ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنّهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله، ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا، يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا}(النساء: 117- 119)، {قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم، ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين}(الأعراف : 16- 17)، {قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين}(الحجر : 39)، {قال أرايتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا، قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك واجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا}(الاسراء : 62- 64).
ولم يترك الشيطان طريقا لإضلال الناس وإغوائهم إلا سلكه، مبينا لهم أنه الصواب، ومزينا لهم ما هم فيه من باطل، فتراه ينسيهم ذكر الله {استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله< ويامرهم بالكفر {كمثل الشيطان إذقال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين}.
ويوقع العداوة بين الأخلاء، والشقاق بين الأصدقاء {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة} كل ذلك -وغيره كثير- يفعله الشيطان في صو رة الناصح الأمين، ويحلف على ذلك ويقسم، كما فعل مع أبوينا حين أمرهما بالأكل من الشجرة {وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين} فلم يكتف بادعاء النصح لهما وإنما أقسم على ذلك، والحقيقة أنه {دلاهما بغرور} ولذلك أمرنا الله تعالى باتخاذه عدوا فقال : {إن الشيطان لكم عدوا فاتخذوه عدوا}(فاطر) وقال : {إن الشيطان لكم عدو مبين}.
عدو يريد أن يظهر في صورة صديق، وماكر في صورة مشفق، يراوغ ويخادع ويقسم على ولائه ونصحه وإخلاصه، فيقع في حباله كثير ممن تنطلي عليهم حيله، ويصطاد بشباكه العدد الكبير ممن يفتتنون بما يلقي إليهم {ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد}(الحج : 53).
إنها فتنة إبليس اللعين التي وقع فيها أبوانا من قبل، بعد أن حلف لهما وأقسم على نصحه وإخلاصه حذرنا الله تعالى من الوقوع فيها مرة أخرى فقال : {يا بني آ دم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما، إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم، إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يومنون}(الأعراف : 27) وهذا ما فهمه محمد بن سحنون -الفقيه المالكي المشهور- رحمه الله فكانت له مع هذه الآية {وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين..}وقفة إيمانية خاصة.
موقف محمد بن سحنون رحمه الله :
ذكر الشيخ أبو الحسن الفاسي رحمه الله عن بعض شيوخه أن بعض سكان قصر ابن الجعد خرج من بيته ليلة بعد العشاء الأخيرة، فإذا بقارئ يقرأ في بعض البيوت بـ{وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين، فدلاهما بغرور} ويردد الآية باكيا، فرجع الرجل إلى صلاة الصبح والقارئعلى حاله، قال : وأسمع وقع الدموع على الحصير! إلى أن خرج لصلاة الصبح مستور الوجه، فلم أزل أرتقبه، فإذا به محمد بن سحنون(1)
فإياك إياك -أخي القارئ الكريم- من تزيين الشيطان فإنه تزييف، واحذر نصحه فإنه سم زعاف، وسيف قاتل.
وإذا رأيت أنياب الليث بادية
فلا تظنن أن الليث يبتسم
امحمد العمراوي
——-
(1) ترتيب المدارك 209/4 ورياض النفوس 446/1 والمعالم 131/2.