مقدمة
درجت أغلب الكتابات العربية المعاصرة، المتنكبة عن الحق وطريقه، الزائغة عن ثلج الهدى واليقين، على التنقيص من الحديث وأهله، والزراية بالسنة ومصادرها وأعلامها، تأسيا بأقوال طائفة من أهل الكلام الأقدمين، وترويجا لآراء المستشرقين الحاقدين، وليست – والله – تخفى غايات هذه الكتابات الزائغة على ذوي النهى من المؤمنين الخلص الملتزمين، إذ علموا أن من تلك الغايات الخطيرة، هدم صرح السنة المطهرة، والنيل من المصدر التشريعي الثاني بعد كتاب الله تعالى، ليصفو الجو بعد للطعن في القرآن تأويلا وتحريفا.
وكان من آخر ما ألقت به إلينا جريدة الأحداث المغربية من هذه الكتابات المدخولة – مقالة لكاتبة خاملة للذكر، ليس بينها وبين العلم الشرعي نسب، ولا بالحديث وفنونه حسب، ولقد زعمت هذه الكاتبة في مقالتها أن: البخاري كان بينه وبين الحق حجاب”، لأدلة ذكرتها، وحجج زعمت أنها ساقتها، ولابد قبل استعراض أدلة “الكاتبة” ونقدها، من التنبيه- على ثلاثة أمور تلوح لكل من وقف على “مقالة الكاتبة”:
الأول: لقد أقذعت الكاتبة القول في البخاري، فرمته بأشنع الألفاظ، وأفظع الأوصاف، وحطت عليه حطا عظيما، لما تجاسرت فقالت: “لقد أخرج قبحه الله حديثا مكذوبا…”، ولما تجرأت فقررت جهل البخاري بأمور ذكرتها، ولما أفحشت القول، عندما عدت البخاري “شرا مفضوحا”، يجب أن يستعاذ منه، وادعت أنه “أمير في الضعيف”، لا أمير المؤمنين في الحديث”.
ولقد علم الله أننا قرأنا كثيرا من كتابات الطاعنين على الحديث وأهله، من مستشرقين وأذناب المستشرقين؛ من عجم وعرب، فلم نقف أبدا على سلف هذه الكاتبة في الإقذاع في العبارة، والفحش في القول، والخروج إلى السب واللعن والتقبيح !!.
الثاني: كاتبة المقالة زاهدية الهوى، كوثرية الرأي، فهي تصدر عن آراء محمد زاهد الكوثري الذي تصفه “بحجة الإسلام الإمام”، وتذكره بالحفظ، وتعده من “فطاحل العلماء”، وتحيل على كتابه: “تأنيب الخطيب”، ولقد علم الله، والمنصفون من أهل العلم، والأثبات من أهل الفهم أن الكوثري، حنفي متعصب، كثير الوقيعة في أئمة الحديث، ومشاهير علماء الإسلام، يقلب الحقائق رأساً على عقب، ويتلاعب في النقول، ويشوه التاريخ بالمغالطات والمجازفات(1).
الثالث : مقالة الكاتبة لا تجري على سنن أهل العلم في كتابة البحوث العلمية، من حيث توثيق المعلومات المذكورة، وعزوها إلى مظانها التي نقلت منها، لا سيما أن الكاتبة قد جازفت فخالفت إجماع أهل العلم قاطبة على تعديل الإمام البخاري، والاعتراف بأنه مقدم في صناعة الحديث، فدون خرق هذا الإجماع خرط القتاد !!! إذ كيف يتهيأ للكاتبة أن تجد في المصادر الموثوق بها ما يؤكد رأيها في البخاري الذي يعد عندها رمزا لفقه التطرف؛ واللاعقل في الإسلام” !!؟ إن كل ذلك لا يوجد عند أحد من أهلالعلم الأثبات المحققين، إلا عند أستاذنا الكوثري !!!