شؤون إ سلامية : مستقبل القضية الفلسطينية في الانتفاضة المباركة


1- حزب الله تجربة الانتصار الواقعية :

لقد كان أغلب الناس يرى  بأن قوة الجيش الإسرائيلي لما يتوفر عليه من عتاد وعدة وآخر المعدات تكنولوجية  التسلح المستوردة من أمريكا وغيرها  كفيلة بأن تقهر البلدان العربية وتجعلها خاضعة مستسلمة قابلة للإملاءات الصهيونية والضغوط الأمريكية. ولكن بفضل الله سبحانه، هيأ جل وعلا النموذج الذي يجب أن يحتذي به جميع مسلمي الكرة الأرضية بصفة عامة ومسلمو الأرض المقدسة بصفة خاصة، النموذج الذي استوعب الدرس جيدا وعر ف أن ذروة سنام الإسلام الجهاد وأن ما تركه قوم إلا أذلهم الله وجعلهم أذنابا وأتباعا لعبدة الطاغوت والمال -اليهود-.

نعم لقد انتصر حزب الله بجنوب لبنان رغم أن إمكاناته العسكرية واللوجستكية ضعيفة مقارنة مع إمكانات المحتل الإسرائيلي العسكرية و رغم  أن الفارق بين الدعم الدعائي والمالي المتوفر لدى الصهاينة ولدى حزب الله بين وظاهر للعيان. لكن إمكانات حامل السلاح في الجبهة اللبنانية ليست هي إمكانات حامل مختلف أنواع أسلحة الدمار في الجبهة الصهيونية. وهنا مكمن الفرق في قوة عقيدة حامل السلاح {رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}. هذا النموذج البشري المتمثل في عبد الله الخاضع لأمر الله المجاهد لإعلاء كلمة الله لا يأبه بأي شيء يواجهه لتحقيق خلافة الله على أرضه… هو الذي يجب تكوين جميع المسلمين على نمطه جهادياً وتحويل المجتمع من المجتمع الغثائي المستسلم إلى المجتمع المجاهد المناضل الأبي، وبالفعل تحقق هذا على أرض الرباط المقدسي وغدا جميع أفراد الشعب الفلسطيني يتخرجون و فق مواصفات المدرسة الجهادية فرادى وجماعات،  وأصبحت الانتفاضة الفلسطينية عقدة تلاحق كل المسؤولين الاسرائليين والشعب اليهودي الهلع، وبلغت المقاومة ذروتها، وكلما ازداد التنكيل والقتل في صفوفهم كلما ازدادوا قوة في مقاومتهم وأبدعوا وسائل وتقنيات جديدة لم تكن في الحسبان من قبل، توقع في صفوف العدو  قتلى وجرحى تهتز لها حكومة السفاح شارون، فتهرع إلى الانتقام هرعا فيكون الرد الفلسطيني أشد قوة  ووجعا. وهي نفس المواصفات التي كانت عليها المقاومة اللبنانية، فهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فإما  نصر أو شهادة.

هذه الصورة المشرقة الواضحة المعالم للأسف الشديد يتعامى عن رؤيتها المسؤولون العرب ويهرعون إلى غير ذات الشوكة أن تكون لهم حتى أن الأنظمة العربية الأكثر تشددا في تعاملها مع اليهود أصبحت منذ تاريخ 11 سبتمبر 2001 كالحمائل العرجاء التي تقدم مبادرات عوراء.

2- واقع  التخاذل الرسمي العربي ومستقبل هذه الأنظمة في إطار  مشاريعهم الاستسلامية.

تخطت بذلك المبادئ والأسس التي قامت عليها أنظمتها وأصبحت تخبط خبط عشواء تبتغي الاستقرار والسلامة لنظامها وكيانها وهي لا تدري أن السلامة تكمن في عملية جراحية تستأصل الدولة العبرية من وسط الدول العربية. ثم إن الاجتماعات الأخيرة للقمم العربية ولجان المتابعة ولقاءات وزراء الخارجية ليشم منها رائحة نتنة لدعوات استسلام جماعية، أما بعض المفاهيم من قبيل العزة والنخوة والمقاومة والجهاد والمقاطعة… فقد دفنت في كامب ديفيد وما بعدها من مسلسلات استسلامية أصبحت عظامها لطول العهد تراباً ورميماً، بل أصبحت الدول العربية الآن تتنافس ويتعالى صوت بعضها على بعض حول طرح مبادرات استسلامية: فهذه تصريحات سعودية  غدت مبادرات سلام بفعل الضغط الدولي تحاجها تصريحات  ليبية تعقبها تحركات مصرية وسورية… والنتيجة من كل هذا وذاك – من حيث يدرون أو لا يدرون، يقصدون أو لا يقصدون – إنقاذ شارون السفاح من الورطة التي أوقعه فيها الشعب الفلسطيني بصموده وجهاده.

3 – خطوات استعجالية على طريق النصر:

إن الأمتين العربية والاسلامية تملكان من القوة ما تجعلهما قادرتين على دحرالاحتلال الصهيوني تماما من فلسطين. تملكان موارد بشرية تقنية وموارد مالية ضخمة و مصادر  للطاقة يمكن بها أن تجعل العالم عاجزا تماما عن الحركة بل يمكنها أن تبلور قرارات سياسية عالية المستوى شديدة الوقع، ولكن الوهن الشديد الذي تمر منه الأمة الآن ناتج عن قضية جوهرية في فلسفة الحياة وهي حب الدنيا وكراهية الموت كما  بينه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث القصعة. يقول منير شفيق: ” لو يقدر لقيادة الانتفاضة أن تضع هدفا واحدا فقط هو دحر الاحتلال إلى ما راء خطوط الرابع من حزيران وبلا قيد ولا شرط  وتغلق الباب أمام التهدئة وأمام المفاوضات ويدعم ذلك موقف عربي وإسلامي رسمي وشعبي واسع فإنه من الممكن أن نحقق انتصارا في فلسطين بنفس القوة والزخم الذي تحقق فيه الانتصار في جنوب لبنان” (1)

وفي نظري أن هذه القوة العربية الإسلامية لو تبلورت في خطوات على مستوى قريب المدى تتبعها خطوات بعيدة المدى فإننا سنصل سريعا إلى النصر المحقق الوقوع. ومن بين هذه الخطوات القريبة المدى ما يلي :

أ- الدعم السياسي :

هذا الدعم السياسي يمكن أن يتبلور إن خلصت النيات من خلا ل القمم العربية والإسلامية للخروج بموقف رسمي وموحد  لجميع الدول العربية قائم على الدعم اللامحدود للانتفاضة الفلسطينية وتسمية الأمور بمسمياتها وأنها مقاومة شعبية لمحتل أجنبي كباقي المقاومات التي مرت عبر تاريخ الإنسانية، وليست إرهاباً بالمفهوم الصهيوني الأمريكي، كما يجب دحض هذه التهمة عن أي منظمة جهادية في العالم وخاصة الفلسطينية واللبنانية. فإذا تحقق هذا فسيكون نصرا سياسيا  مؤزرا ويصبح للأمة فاعلية سياسية دولية وازنة.

ب- الدعم المالي :

وهذا العامل يشكل أساسامن الأساسات المهمة جدا في دعم صمود الشعب الفلسطيني الذي يعاني ويلات الحصار الصهيوني والذي خرب المنشآت الصناعية والتجارية…. يمكن أن يكون هذا الدعم لتوفير المواد الغذائية والصحية اللازمة والضرورية… بل المطلوب أكثر من هذا توفير المال الكافي لشراء الأسلحة عبر الطرق المعروفة لدى الفلسطينيين. والدعم المادي هذا يجب أن يكون شعبيا قبل أن يكون حكوميا، دعم ينطلق من جميع الشعوب الإسلامية لمؤازرة الشعب الفلسطيني الذبيح وهذا هو أقل واجب في ذمة المسلمين تجاه إخوانهم الفلسطينيين.

ج- الدعم العسكري:

ولما لا يكون هذا الدعم؟ ثم ما دور هذه الجيوش العربية والإسلامية الجرارة؟ هل هو قمع المظاهرات الشعبية للتضامن مع الشعب الفلسطيني ؟ أم لمراقبة الحدود الوهمية التي وضعها المستعمر بين الدول الإسلامية؟ أم هي جيوش تحت الطلب الأمريكي تحت أي ظرف سياسي تريد أن تخلقه؟ وهل هزيمة الجيوش العربية سنة 1967  يظل هاجسا أمام الدول العربية رغم انتصار الجيش المصري سنة 1973 ورغم انتصار المقاومة اللبنانية…؟

إنها  تساؤلات في حقيقة الأمر بديهية وواقعية، ولكن لكي يستجاب لها لابد من نضج سياسي رفيع وجسدية إسلامية عالية منبثقة من مشكاة التربية الجهادية.

ولكن الأمر الذي  لا يقبل التأخير هو تزويد هذا الشعب الأعزل بمختلف الأسلحة الممكنة ليدافع عن نفسه بنفسه خاصة من طرف دول الطوق التي مصيرها من مصير الشعب الفلسطيني.

وإنها لخطوات مستعجلة وعلى قدر بالغ من الأهمية تقوم على أسس  واقعية كما أثبتتها التجربة اللبنانية في مقاومة الاحتلال والانتصار عليه ودحره، ويمكن أن تكون هذه التجربة نتائجها  أكثر وقعا و تحديد المستقبل مزدهر للأمة الإسلامية يعيد لها هيبتها وشهودها الحضاري والرسالي كخير أمة أخرجت للناس. يقول منير شفيق : “عندما نحدد هدف دحر الاحتلال وبلا قيد أو شرط فإننا نجمع بين الواقعية والمبدئية في المقاومة… يمكن إذن أن نجمع بهذه الطريقة بين المبدئية والهدف الكلي وبين واقعية محددة تضع هدفا ملموسا أمام الجماهير قابل للتحقيق ولا يتضمن اعترافا أو تنازلا عن الجانب المبدئي” (2).

عبد الواحد الوزاني

 

———–

1 -منير شفيق : “مستقبل انتفاضة الأقصى في ظل التحولات العالمية ” ألوان مغربية، عدد: 1، ص: 65.

2 -نفس المرجع والصفحة.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>