بيوت الله أصبحت هدفا  لقذائف الجهل والحقد


نشرت صحيفة “بيان اليوم” عدد :  3637 بتاريخ : 2002/04/23 مقالا بعنوان: “خطيب بمسجد بفاس يرفض أداء صلاة الغائب”.

ورمز الكاتب لاسمه ب: فاس /ح.س.

وقد أطلق الكاتب قذائف مكثفة، ما رأينا مثلها إلا فيما أطلقه “الصرب” على مساجد “البوسنة” وفيما يطلقه اليهود اليوم على الأراضي المقدسة !

لقد صدر الكاتب مقاله مخبرا أن الخطيب أصر على كذا… وتصدير المقال بهذه الألفاظ مقصود، وفيه تحامل شديد على ذلك الخطيب، بل فيه ملاحقة وسبق إصرار وترصد من قبل صاحب المقال لخطباء المساجد، يتصيد منهم بعض الصيغ التي يحسبها مواضع مواتية لتسديد طلقاته الحاقدة نحو بيوت الله، لإغلاقها أو منع ذكر الله فيها.

لقد وصف  الكاتب الخطيبَ بأنه حلق خارج السرب، أي أنه خالف غيره من الخطباء في الصلاة على الغائب، وهذا الوصف ينطبق على الكاتب، لا علىالخطيب، لأن الكاتب لما كان جاهلا بالأحكام الشرعية، كان يليق به أن يبقى في سرب المستفْهِمين المتسائلين عن سبب ترك الخطيب صلاةَ الغائب، فالخطيب كان فعلا وسط سرب الخطباء والعلماء بالفقه المالكي، والكاتب هو الذي خرج من سرب المتعلمين المتبيّنين، وأغاز إلى سرب الجاهلين الحاقدين وخاصة حينما اتهم الخطيب برفض أمر صاحب الجلالة بالصلاة على الغائب،  وهذا أقوى قذائف هذا الكاتب التي صوبها نحو الخطيب، ونحو وزارة الأوقاف، ومساجد المملكة وخطبائها و أئمتها. وهذا ظلم واعتداء وجهل، لأن هذا الخطيب وكل خطيب بهذا الوطن، إنما ينوب عن أمير المومنين في هذه الأمانة العظيمة. ولذلك فإن وزارة الأوقاف حريصة ألا تمنح وصف “خطيب الجمعة” إلا لمن يقدر أمر أمير المومنين، ويعلم أنه يجوز لأمير المومنين ما لا يجوز لغيره من الاجتهاد داخل المذاهب الإسلامية كلها، لا داخل المذهب المالكي فحسب، كما يجوز لأمير المومنين أن يختار من أقوال الأئمة والعلماء ما يحافظ به على صف الأمة الإسلامية ، ويؤكد تماسكها الديني، ووحدتها الإسلامية، وهذا من توفيق الله لأمير المومنين رعاه الله.

أما ذلك الخطيب فلم يخرج من السرب،  ولم يرفض أمر أمير المومنين بجهل ولا إصرار، وإنما اختار التمسك بالمذهب المالكي في ترك الصلاة على الغائب، فكان النظر الاجتهادي الحكيم لأمر أمير المومنين أعزه الله. و كان التمسك بفقه المذهب هو موقف ذلك الخطيب، والجمع بين الموقفين هو الذي يناسب المغرب، ويحقق له الخير في الداخل والخارج، ولا تعارض في ذلك عند العلماء، ولا رفض  لأمر أمير المومنين، في هذا الموقف، إلا أن يؤول بتعسف وسوء نية.

ولو كان الكاتب من أهل العلم والورع  والتبصر، لرأى أن قول الخطيب: “أن تقام صلاة الغائب على الضمير العربي ومشاعر المسؤولين”” هو قول حق وصواب، يؤيده الواقع، وتشهد له اللغة، ولا مطعن فيه إلا لسقيم الفهم، الجاهل بأسرار اللغة، ألم يعرف الكاتب أن العرب يطلقون العموم  ويريدون به الخصوص.

وأما إتهام الكاتب أيضا العديد من المساجد بالتمرد على السياسة الدينية المتبعة، فهو اتهام غير معزز ببراهين ولا أدلة، ولا أمثلة، ولا بيان لحقيقة السياسة الدينية التي يحب الكاتب أن تتبع في هذا الوطن العزيز، بل هي دعوة غو غائية وحرب  عشوائية يراد منها تهييج القراء، واستعداء السلطة على خطباء المساجد، الذين لا يعرفون العزف على أوتار “البراجماتية” وإنما يسمعون  المصلين المومنين النغمات الملائكية.

وقد تنكر العين ضوء الشمس من رمد

وينكر الفم طعم الماء من سقم

فنحن نرجو لأمثال هذا الكاتب أن تصح طبائعهم وتسلم أذواقهم، حتى لا يبقوا محرومين.

وأما السياسة الدينية المتبعة في هذا الوطن الكريم، فهي -و لله الحمد- السياسة الفقهية المالكية العريقة، المنطلقة من الكتاب والسنة، كما تعلمون، وتنكرون أو تتجاهلون، ولعل هذه السياسة الرشيدة، تقلق الكاتب و من خلفه، فيحاولون استبدالها بسياسة (دينية) تتبدل بتبدل أحوال الطقس، وتتشكل حسب الأهواء والأمزجة، وهذه – في الحقيقة – هي السياسة التي تسعى إلى إطفاء مصابيح المساجد عن الأمة، وتحويل خطبائها إلى أبواق سياسية متهارشة متكالبة.

ولو أنصف الكاتب ضميره وقراءه لما أبدى توجعه وتحسره على الأموال التي تنفق على المساجد، وهو يعلم أن ما ينفق على المساجد، لا يساوي إلا  النزر اليسير مما ينفق على  جهات أخرى لا شك أنه يعرفها، وهي لا  تنفع الأمة بشيء، بل تنفق بسخاء لتصد المغاربة عن دين الله. أما إرادة الشعب، التي حاول الكاتب أن يثيرها لتغضب وتسخط على الخطيب، فهي – ولله الحمد، تعلم أن ذلك الخطيب مستقل في رأيه، لا تؤزه شياطين التكتلات السياسية، ولا يوجهه أي انتماء، إلا الغيرة على الإسلام والمسلمين في بقاع الأرض عامة، وفي هذا الوطن خاصة.

والذي يسرنا ونحمد الله عليه، أن إرادة الشعب تكاملت وتآزرت مع إرادة أمير المومنين وتناغمت معها نداءات التكبير، و دعوات المصلين، وكلمات الخطباء من فوق المنابر الصامدة، ومن مساجد هذا الوطن العامرة، كل ذلك توحد حبا وعطاء، ومساندة وفداء لإخواننا المجاهدين بفلسطين المحتلة.

فإن كان الكاتب أخطأ واستعجل فعسى ربه أن يعفو عنه، وإن كان خادما لجهة معينة متربصة بهذا الوطن، فنرجو الله أن يعتقه من أغلالها، و إن كان قاصدا مترصدا فليعلم أن الله له ولأمثاله بالمرصاد.

محمد بناصر/ فاس.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>