الآية الرابعة من سورة غافر موجهة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ولكلّ من يحمل لواء دعوته من بعده إلى يوم القيامة، فهي تسلية له صلى الله عليه وسلم ولأتباعه بالدرجة الأولى، وهي تهديد صارم – في نفس الوقت – لكل من وقف في وجه زحف الحق على الباطل في أي زمان ومكان، سواء كان الواقفون المجرمون أفرادا محميّين بالمال والولد والعشيرة – كما كان الشأن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم – أو كانوا دولا محميين بالقوة العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية، والترسانات النووية المرعبة للبشر الضعيف الذي لا يعرف الله عز وجل، فذلك كله في مُلْك الله تعالى وقدرته وقوته المحيطة بالكون كله – سماء وأرضا، إنسانا، وملائكة، وجنا، وشياطين- لا يساوي شيئا، ولا ينجي ظالما من مصيره المحتوم، يوم ينتهي دوره المعلوم عند الله تعالى، ويفضي إلى ما قَدّم من إجْرام وتدمير وإفساد للإنسانية، ويصبح رهينا بما كَسَبَ من المكْر والخبث والخداع، معزولا عن كل ما كان يعتزّ به يوم تقلبه في البلاد، وبطشه بالعباد
ويدخل في هذا التهديد – أيضا – كل من اغترَّ بالكفار الظاهرين القاهرين، فانحاز إليهم، وفَتَلَ في حَبْلهم، وطمعَ في رفدهم، واحتمى بهم، وتوظف في مخابراتهم، واعتنق أفكارهم، وجاراهم في سياساتهم وأطاريحهم، وصار بوقا لترويج بضاعتهم ومقولاتهم التي يُقْصَدُ منها دَكُّ حصون الأمة من الداخل، وإحْباطُ آمالها في النهوض الجاد لانتشال الإنسانية من الدَّمار المحقَّق في ظل الشَّرعية الهوائية.
فهذا الجيش الجرَّارُ من العملاء للمُتَقَلّبين في البلاد من المجرمين الكبار والصغار، وهذا الجيش الجرار من المنافقين المخاتلين المتهافتين كالذباب على اقتسام الأدوار والغنائم، وتلقي الجوائز والحوافز، والتشجيعات، بل وتلقي المساعدات في اسم هيئات ومنظمات مهمتها اللغَطُ والتهريج لتشويه المسيرة الإيمانية، وتبرير الولاء للجهات المعادية، هذا الجيش – أو هذه الجيوش- هو الخنجر المسموم الذي عرف الأعداء كيف يغرسونه في ظهر الأمة ليسترسل نزيفها من الداخل بدون انقطاع، وليحول – باستمرار – دون استرداد عافيتها في أقرب وقت ممكن.
فما معنى :
< محاكمة النائبة المشهورة “مروة قواقجي” بتهمة تحقير الجمهورية في تركيا، لأنها قالت: إن المحجبات في تركيا يتعرضن للظلم والتعسف، مع العلم أن %70 من النساء التركيات يرتدين الحجاب، فما ضرر خرقة على رأس امرأة على مصلحة أي بلد اقتصاديا أو سياسيا أو علميا؟؟ ولكنه الكُره للعفة، والمبالغة في الولاء.
وما معنى : جراءة أقلام على :
أ-محاولة تهديم السنة في شكل إسقاط مصداقية صِحَاحِها، وإسقاط هيبة و رمزية رجالاتها؟
ب-محاولة إحياء بعض المذاهب الهدامة التي كانت تنادي بعزل العمل عن الإيمان، حتى يتسنى للعابثين الانتساب للإسلام شكلا ومظهرا، مع العمل على تخريبه جوهرا ومخبرا. وكأن الانتساب للإسلام يشبه الانتساب للأحزاب التي يمكن مخادعتها ومجاملتها ومداهنتها.
ج- محاولة التجرؤ على تطويع الحرام وخلخلة ثوابته لتسهيل الإجرام، و تسويغ الاقتراب منه. وذلك بالتأكيد والتكرار الممل لهذا التأكيد بأن المحرم في “الخمر” هو الكثير المسكر، أما القليل فلا بأس به، فما مقياس هذا القليل.؟؟ وما مقياس العقول التي لا تغيب ولا تسكر إلا بالكثير؟؟ وما نوع الخمور التي لا يسكر قليلها؟؟ إلى غير ذلك من المتاهات التي يدخلنا فيها هذا التجرؤ الغريب، وهذا (الاجتهاد) المريب.
د-محاولة تجريد المسلمين المتحركين في المجال السياسي من كل نية حسنة، وطوية صافية، وغيرة صادقة في إصلاح أحوال الأمة إصلاحا جذريا متدرجا، وإلحاقهم بصفوف المتهارشين على المناصب الدنيوية لذات الأغراض الدنيوية المحركة للهممالهابطة المغروسة رؤسها في التراب، كل ذلك قصد حِرْمان المسلمين من حق التزاحم والتدافع الذي هو سنة ربانية، كأن المسلمين والمومنين لم يوجدوا إلا للمسجد ومواسم الصوم والأعياد، ولا مكان لهم في ميدان العدل، والجهاد، والعلم، والاقتصاد، والطب، والشورى، والفصل، والقيادة.
إن هذه الجيوش الهدامة تسلمت الراية من المتقلِّبين في البلاد، ولذلك فهم ما يفتأون يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق الممتدة جذوره إلى رب الحق، ورب أهل الحق، وعما قريب سيأخذ الله عز وجل الباطل وأهله أخذ عزيز مقتدر.