احذروا هذه المتعة


تجلس بعد عناء يوم مشحون بالتعب، تمسك نفسك قليلا كي لا تنفجر نتيجة هذا التعب، تتفقد أهلك..تغير الأريكة، أو مقعدك لمواجهة هذا الجهاز الذي يبدو مخلصا لندائك، يتجدد لقاؤك مع العالم في بضعة دقائق، تضغط على الزر، تنطلق حركة  مألوفة، وتفاجئك الفرجة، أجساد بشرية  رغم التنكر ورغم كل شيء، مدسوساً في عمق التسلية، تشعر أن الأمور عادية وترى نفسك هناك فوق المجتمع، تنظر بشوق عميق وأنت تجمع أشلاء الواقع والخيال. لا تنخدع إنه فيلم، بل شريط، أو أنه حكاية يريد كاتبها أن يضغط على راحتك ليصافحك، لكن الأمور ربما هي عكس ذلك، لأن المخرج كان يتثعلب في غاب من إسمنت، يمسك الجُمل والحروف ثم يلعب بها كما يشاء، يعيد كتابة الرواية على نسقه، يأخذ كل حذره ليزرع النواة في حقل التسلية، وأنت بعدما كنت سيد الموقف تعود رقما فقط، لا تتعجب، لأن الحيلة تنطلي عليك في بيتك وسط أهلك، تقيدك أغلال من  ذهب تنسى كل شيء ثم تذهب بكل جوارحك مع الخلاعة بحجة الفرجة، تغيب عنك إشراقة عقيدتك وأرائك.. ترشف ذاكرتك مخذر الرذيلة في سهولة متناهية، تستسلم لأنك  مخدوع، ربما الإيديولوجية كانت جادة من تخطيط غربي معقلن، صوت في كل جملة يدعوك للحلم، يغرقك التشويق في الاستمرار، تنسلخ من شخصك الثمين لتعود رقما رخيصا، لا تبالي بوجود بناتك وأبنائك، تساعد المخرج في ذاك الذي أخرجه، تشرح الفضيحة،  تنسى رقم “ثلاثة” تنسى لعنة العنصرية، تندمج مع أراء مسحورة، رقم (ثلاثة) هو ر قمنا نحن.. العالم الثالث بعد الثاني والأول، لو فكرنا قليلا في هذا الرقم نجده هو الأخير في تصنيف العالم، كيف نصدق أننا في أوان النضج؟ سؤال لا يحتاج لجواب مثير، العيب هو أن يغالط المرء نفسه، والمصيبة أن ينصر العاقل جاهلا، نحن نعرف كل شيء لكننا لا نعرف معاني هذه الأشياء، نتفرج فقط، هي نبذة عالقة في عقولنا نحاول أن ندافع عنها، لكن أين ذاك الإصرار على إحباط نوايا أعدائنا، نحن اليوم بلا هوية أمام” فيلم” محبوك، حيث يضطر الشخص أن يكذب حتى على أقرب الناس إليه بحجة الفرجة.

علينا أحيانا أن نقف برهة من الزمن وننظر إلى أنفسنا ولو مرة واحدة بعين الواقع والحق، لا بعين الشفقة، لأن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف. السينما ثقافة وفرجة وليست فرجة فقط، هي ترويض النفس على حب الخير والتمسك بالعقيدة والاعتزاز بالهوية، أفلام قليلة تصنع هذه الثقافة وأفلام كثيرة أنياب تنهش هذه الثقافة، و كل من له ذرة عقل يعرف هذا من ذاك بدون عناء، الإثارة والتشويق قناة والكل يراها، حتى أصبحت فكرة المخرج “الماكر” قضية يدافع عنها الأب والأبناء دون استثناء،  ربما أصبحت بطلا لهذا الشريط، تسخر منك كرامتك  ولا تستطيع أن تفعل شيئا لأنك على موعد مع شريط آخر لنفس الشبكة التي تفرخ مخرجين يعملون بجد لهدف واحد، وهذا الهدف هو نسف الإسلام بكل قيمه ومبادئه، لأننا أصبحنا أرقاما في قائمة الأتباع، هي معركة حامية الوطيس لا يفتر لها أوار، والغريب أن جنود هذه المعركة هم نحن  المخدوعين، أحيانا يتوجب على العاقل أن يمزق الصفحة بدل قلبها حتى يتخلص من التردد.

الفرجة حق والبسمة حق مشروع لكن كيف نتفرج؟ وبأي طريقة نبتسم.؟ هي العقدة طبعا، لكن هل هناك عقدة أكثر من أن يظلم المرء نفسه عن قناعة واطمئنان، هي بنودهم يزرعونها في شعوبنا بمكر شديد، تعلمنا دون أن نقتدي بما حصلناه وننتظر النصر والفوز، كيف ننتظر أن تزهر حقول قاحلة غير مزروعة. نمطرها بالدموع ونحرثها بالوعود ثم نستسلم لشريط ماجن يدخل عقولنا بسهولة لكنه لا  يخرج منها بسهولة وهي المأساة فاحذروا هذه المتعة.

> بوصف لحسن

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>