تقدم الكلام عن النبإ العظيم الذي مضت عليه البشرية وهو انتقالها من الإيمان ومن الفطرة إلى الكفر حيث صارت أمما كافرة فلما أصبحت كذلك عجزت أن تستمر في الأرض، وعجزت أن تبني حضارة متماسكة ولذلك حاق بها الأمر.
ارتباط الكفر بالانحلال هو ارتباط السبب بالعاقبة
إن الكفر مرتبط بالاضمحلال، لأن الكفر مرتبط بالانحلال ويعقبه التفسخ وبعد التفسخ الزوال والاضمحلال، انتبهوا! لاتُخدعوا بهذا البريق فإن الأوربيين والأمريكيين لا يحسنون شيئا كما يحسنون التأنق والظهور بالمظهر القوي الجميل في أعين الناس، لكن واقعهم وخبيئة أمورهم هي غير هذا الأمر تماما. مثلا حادثة الأميرة ديانا التي زنت واعترفت على نفسها بأنها كانت تمارس البغاء مع سائس فرسها وتنشرها وسائل الإعلام وتقول أن زوجها أيضا كان يفعل ذلك.. وتتبجح بذلك أمام وسائل الإعلام بأنها كانت تمارس ذلك ولا تخفيه، هل تعلم أن الانجليز سيرجمونها؟ أو سيقولون لها عليكِ لعنة الله أيتها الكافرة الفاجرة؟ لا إنهم سينظرون إليها كحالة من الحالات الموجودة عندهم بالملايين.
إن الإضطراب الذي أحدثته حالة الأميرة كان على المستوى البروتوكولي : أي أنه لا يجب أن يكون في أسرة مالكة. أما في سواد الأمة فمسموح به، هذه أروبا التي تجذ بنا إليها. هذا مستواها الخلقي، ولابد له أن يكون هكذا. لابد أن يزيد في الانحطاط لأن القيم غائبة بسبب كفرهم بالله. وهذا الانحطاط يبشر بسقوط مدنِيّة الغرب.
المدينة الغربية سائرة في طريق الانحلال والاندثار
ومدنية الغرب ستسقط إن عاجلا أو آجلا، سقطت الشيوعية وقبلها سقطت الرأسمالية وسوف يعودون مجددا إلى الرأسمالية. وسوف تستهلك طاقات وتستنزف هذه المدنية الغربية. إن أروبا حينما عجزت عن النهوض بنفسها وتعود إلى رشدها وصوابها. إنها الآن تفكر تفكيرا في تثبيط المسلمين وتعويقهم عن النهوض، وتفرق كلمتهم لأنها فرصتها لتبقى سائدة حاكمة فاعلة في هذه الشعوب الإسلامية ما تشاء.
ميزة أسلوب القرآن العظيم أنه يذكر
حجة الخصم ثم يدحضها
هؤلاء ذكر الله قصتهم ومآلهم كفروا ثم كانت عاقبتهم أنهم ذاقوا وبال أمرهم، ذاقوه تذوقا وتألموا تألما نتيجة كفرهم، ذلك الكفر والضلال بسبب مقولة قالوها فاسدة يحكيها القرآن ويرُدُّها.
أبشر يهدوننا = هذه كلمة كافرٍ مُخالِف ذكَرَها القران بأسلوبه، أسلوب يذكر فيه قول الخصم وحجته وبراهينه ثم يفندها الواحدة تلو الأخرى إنه أسلوب تبناه العلماء فيما بعد. حيث صاروا يذكرون حقائق الخصم ثم يدحضونها فكرة فكرة.
أعداء الإسلام لا يفعلون هذا، بل يذكرون عن الإسلام ما يُفْترض أنه إسلام وهو في الحقيقة ليس إسلاماً يريدون تعمية الرأي العام وتغليطه. إنهم يأخذون أنواع الشذود عندما مثلا صحفي يذهب إلى مكناس ويجمع حُمْقَ ومجادِيب الحلقات التهريجية ويقول : هذا مجتمع إسلامي، فمن أراد أن يكون مسلما فهذا هو الإسلام. ويذهب عند مرتزقة حلقات اللهو وهم يضربون أبشارهم وجلودهم في خرافات وتفاهات، أو يذهب كذلك عند أناس منشغلين بشطحات غريبة ويقول هذا هو الاسلام، فمن سيتْبع هؤلاء؟ إنه بتسجيله هذه الظواهر على أنها اسلام ينفِّر من الإسلام. أين إسلام خالد بن الوليد؟ وإسلام عمر بن الخطاب؟ يجب ذكر الاسلام كما هو. اتصلوا إذا كنتم تريدون معرفة الإسلام حقا بعلمائه الكبار، بباحثيه، بكاتبيه كي يكون لناظر البرنامج المسجل عن الإسلام المشوه فرصة المقارنة بين ما يفعل الجهال وبين ما يقوله العلماء.
الكفار يستخدمون الأسلوب الخبيث لهدم الدين
{أبشرٌ يهدوننا} الكفار منذ القديم ينفّرون الدين بدعوى أن الدين شيء مقدس. لا بنبغي أن يأتي به بشر، بل ينبغي أن يأتي به ملك -في نظرهم- وهذا احتقار للدين أن يأتي به بشر خطّاء في بطنه غائط. إذن هذه حجة ظاهرها تقديس الدين واحترامه، اعتمَدُوا على بشرية الرسل لاسقاط الرسالة، هذا أسلوب خبيث وقديم جدا وحديث جدا. إنه أسلوب التقديس من أجل التعطيل بمعنى قدّس الشيء تقديسا عظيما عظيما جدّاً حتى لا تسْتعْمِله فيما بعد. هذا الأسلوب حكاه كتاب الله ولازال حاضراً لحد الان فحين تقُول لشخص إن القرآن فيه سياسة. يقول لا. السياسة يتعامل بها البشر، والدين شيء سامٍ وعظيم، وله علاقة بالإله. السياسة وسِخة وفيها الكذِب، قدِّسُواالدين بفَصْله عن السياسة ليتسنى للسياسيين تطبيق أهوائهم كما يشاءون. المسجد له رسالة سامية ونحن نتكلم عن المنكرات والفجور، المسجد له دور خاص للعبادة لا يتُكلّم فيه عن أمور الدنيا، وأمور السياسة والاقتصاد، لماذا كل هذا؟ لكي لا يؤدي المسجدُ أيّة رسالة.
الرسول صلى الله عليه وسلم كان يمارس في المسجد النبوي أموره السياسية، أين نشأت الدولة الإسلامية؟ أليس في المسجد؟ أين حُلت الخصومات؟
إذن لماذا نرفض ربط الدين بالسياسة، أنريدها سياسة لا أخلاق فيها مائعة ونقبل بها؟
إن خداع الشعوب الإسلامية بهذه المقولات هو الذي جعل الغرب يتقوى على حساب المسلمين.
الدول الغربية ليست شيئا، فحينما يكسب المسلم الحد الأدنى من أسباب البقاء والقوة، يصبح شيئا له قيمة وله وزن، فحينما اجتمع المسلمون في البوسنة استطاعوا أن يفرضوا وجودهم، وأن يغرسوا أقدامهم في الأرض، ومنعوا أروبا من أن تجتثِّهُم وتستأصِلَهم مع أنها كانت متفقة على ذلك، وحينما وجدت هذه الفئة القليلة من مسلمي الشيشان أذاقوا إمبراطورية كبيرة ألوان الهزائم وأذاقوها الذل، لأن فئة صغيرة ليست محسوبة في ميزان القوة أبدا تقاتل دولة كبيرة يعطي الدليل على أن الأمة الإسلامية لو كانت فعلا تمتلك نصف ما تكسب أوربا من القوة لكانت فعلا تشكل خطرا، ولكنها لا تُتْرك لهذا الأمر
قوة الغرب مكتسبة من ضعف المسلمين
إذن فأروبا، وإن كانت تظهر بمظهر القوة فإن قو تها مكتسبة منا ومن ضعفنا ومن عجزنا، وكلُّ خطإ نأْتيه إلا وهو فرصة زائدة لأروبا ليطول عمرها، ولتتأخر سقطتها، ولتتأخر نكبتها ولكنها لابد أن تأتي.
إن بعض الناس ربما يستعجم عليه هذا الأمر ولا يستطيع أن يفهمه. إن أروبا بد:أت في النزول، بد:أت في الهبوط بدأ نجمها في الهبوط. ولكن كما يقع لبعض الذين يفلسون وهم أثرياء. فلا يتبين إفلاسهم إلا بعد مدة وزمن لأن رصيدهم كان كبيرا فلا يصلون إلى مرحلة العُدم والاستجداء إلا بعد مضي عشْر سنوات أو أكثر، هذا ما وقع لأروبا فهي تتآكل وتأكل من رصيدها وتواجه هذه الأمةالإسلامية التي هي أمة واحدة لماذا؟ لأن أروبا تعيش الأزمة على كل مستوياتها.
أولا : على صعيد العقيدة، أروبا الان مضطربة شر اضطراب ليس عندها شيء إسمه الحق فكل شيء قابل لأن يكون حقا، وقابل ليصير غذاً باطلا.
كانت أروبا يوما ما رأسمالية (أروباالشرقية) ثم تحولت تحت تأثير الفساد الذي تركته الرأسمالية إلى الشيوعية وصرفت في ذلك زمنا ثم تخلت عن الشيوعية فعادت إلى الرأسمالية ثم نسمع أخيرا أن بعض الأحزاب الشيوعية القديمة تعود إلى الحكم، فهل هذا انتصار للشيوعية؟ أبداً!
إنه ليس انتصاراً للشيوعية، إنه الإضطراب الذي لا يعرف طريقا. أيّ شيوعية هذه التي عادت؟ إن أي حزب شيوعي في بولونيا أو روسيا يقول إنني ليس لي مشروع إلا المشروع السابق (الشيوعي)، إنما هو مشروع اجتماعي، مثل قضية الأحزاب الإشتراكية في الدول المتخلفة عندنا أحزاب اشتراكية، هل لنا حزب اشتراكي واحد يدعو إلى الاشتراكية، إنما هي Titre قديم بقي هناك ولا أحد يستطيع إزالته، لا أحد يمكن أن يعود إلى الاشتراكية بلالكل يومن بالاقتصاد السوقي والاشتراكيون يتحدثون بأشياء جزئية كالتناوب وعدد المناصب، إلى غير ذلك فهذا كل ما يطلبون، الناس ما تركوا الاشتراكية بعد أن صرفوا عنها بقوة ولكن تركوها لفسادها ولأنها أوصلتهم إلى الهاوية . أروبا من جهتها تطلّق الشيوعية وتعود إلى الرأسمالية، وتطلّق الرأسمالية وتعود إلى الشيوعية. فرنسا تطلق الإشتراكية وتعود إلى الرأسمالية. ليس هناك منهج ولا رؤية إنهم بمثابة المستجير من الرمضاء بالنار. هؤلاء أناس أحرقتهم أوضاعهم وحاولوا البحث عن الخلاص، فمرة يتخبطون هنا ومرة يتخبطون هناك. وهذا التخبط وحده كاف أن يضيع على أروبا جهوداً كبيرة فهم يهدمون ما بنوا في 70 سنة من الشيوعية حين يعودون إلى الرأسماليةوهكذا.
سبب اضطراب الغرب فقدانه للصواب والحق
وبأي شيء كان هذا الأمر لأنهم لا يمتلكون شيئا يسمى الصواب وليسوا مطمئنين. وكذلك يتقلبون ويقلب الله أفئدتهم وأبصارهم كما لم يومنوا به أول مرة.
د. مصطفى بن حمزة