طالبان والقاعدة تبدآن حرب العصابات


عادت اصوات المعارك لتتردد مرة اخرى في سماء افغانستان بعد فترة هدوء ظاهري استمرت ما يقرب من شهرين ، ولكن الجديد هذه المرة هو ان حركة طالبان ومقاتلي تنظيم القاعدة كانا هما اصحاب المبادرة ببدء القتال ، وفي المقابل اضطرت القوات الامريكية وحلفائها من عصابات الحرب الافغان الى اتخاذ مواقف دفاعية ، وتحدثت بعض التقاريرعن عمليات فرار جماعية للجنود الامريكيين في ظل الهجمات المكثفة والكمائن المحكمة لمقاتلي طالبان والقاعدة ، وهو ما تأكد بقرار وزارة الدفاع الامريكية سحب قواتها من المعارك الدائرة في شرق افغانستان ، وذلك بعد تكبدها لخسائر بشرية هي الاكبر منذ اندلاع القتال ، واعترفت واشنطن بمقتل تسعة من جنودها واصابة 40 اخرين ، فيما قدرت مصادر طالبان القتلى الامريكيين بالعشرات والجرحى بالمئات

وكانت الموجة الجديدة من القتال قد اندلعت مع بداية مارس الحالي في منطقة جبال عرما شرق افغانستان ، وبدات بمناوشات خفيفة بين القوات الامريكية وما اسمته بجيوب مقاومة تابعة لطالبان والقاعدة ، ولم تلبث تلك المناوشات ان تحولت الى ساحة حرب ، شارك فيها حوالي 2000 جندي أمريكي و200 من قوات العمليات الخاصة من استراليا و كندا والدانمارك وفرنسا وألمانيا والنرويج ، بالإضافة إلي مابين 800 -900 من رجال العصابات ، في المقابل اختلفت التقديرات الامريكية لعدد مقاتلي طالبان ، ففي البداية قدرتهم بنحو 200 مقاتل ، ولكن مع ضراوة القتال عاد العسكريون الامريكيون ورفعوا العدد الى اكثر من 700 مقاتل يقودهم سيف الرحمن وهو ابن الحاكم السابق لولاية باكتيا ايام حكم طالبان .

ويبدو ان القوات الامريكية فوجئت بمقاومة رجال طالبان والقاعدة ، وهو ما اعتبرته صحيفة الواشنطن بوست ” مثيرا لعلامات استفهام حول مدى الضرر الذى لحق بشبكات طالبان والقاعدة فى افغانستان ، خاصة في ظل امتلاك مسلحى طالبان والقاعدة للهاون والقذائف الصاروخية والرشاشات الالية الثقيلة . كما أن كثافة المقاومة تكذب التكهنات بأن جيوبا صغيرة فقط لمقاتلى القاعدة وطالبان هى التى مازالت قائمة ” .

الافعى لم تعد قاتلة

وفي نهاية اليوم الثاني للمعارك ، التى اطلقت عليها وزارة الدفاع الامريكية اسم ” أناكوندا ” وهي تعني الافعى القاتلة ، اعترف البنتاجون بسقوط طائرتي هليكوبتر بنيران قوات معادية ، وهو ما اسفر عن مقتل ثمانية جنود امريكيين واصابة 11 اخرين ، واعلن دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الامريكي حصيلة اجمالية للخسائر الامريكية ضمن عملية اناكوندا شملت تسعة قتلى واكثر من 40 جريحا .

وتحت ضغط المقاومة الشرسة من جانب مقاتلى طالبان والقاعدة اعلنت واشنطن عن إرسال أكثر من عشر طائرات أباتشى جديدة إلى أفغانستان من قواعدها في تركيا كما تم تحريك طائرات الكوبرا البحرية الهجومية إلى قندهار كإجراء وقائى ، بالإضافة إلي إرسال مابين 200 و300 جندى لتعزيز القوات الأمريكية ، ولكن تلك التعزيزات فشلت في اسكات مقاومة طالبان والقاعدة ، واضطرت القوات الامريكية بعد ثمانية ايام من القتال الشرس الى الانسحاب الكامل من شرق افغانستان ، تاركة حلفاءها الافغان من الطاجيك بمفردهم في وجه مقاتلين اشداء وبيئة قبلية معادية من القبائل الباشتون المسيطرة على شرق افغانستان .

ويرى المحللون ان المعارك الدائرة في خوست وجارديز تختلف عما حدث في تورا بورا ، فغالبية المقاتلين في جارديز هم افغان من مؤيدي حركة طالبان الأمر الذى يضفى على المعارك طابع المحلية ويوفر للمقاتلين شبكات من الدعم والتموين من عشائرهم القبلية ، اما في تورا بورا فقد شكل تنظيم القاعدة غالبية المقاتلين ، ونجحت واشنطن في رشوة الزعماء المحليين لمنع الامدادات عن المحاصرين .

ويربطهؤلاء المحللون بين معارك أناكوندا وبين الاف المنشورات التى وزعها نشطاء من الباشتون ، وتدعو إلى الجهاد ضد الوجود الأمريكى وتصف حامد قرضاى رئيس الحكومة بأنه عميل لأمريكا والغرب وأن حكومته غير شرعية وانه لابد من التخلص منها ومن حلفائها الغربيين ، وجاءت تلك المنشورات على خلفية إحباط الشارع البشتونى الذى يمثل غالبية الشعب الأفغانى من تجاهل دوره فى الحكومة الحالية التى استحوذت الأقليات من الأوزبك والطاجيك على غالبية مناصبها .

الباشتون اعلنوا الجهاد

ويرى المراقبون ان حالة الاحباط الباشتوني ساعدت طالبان والقاعدة على اعادة تجميع قواتهما مرة اخرى ، خاصة وانهما نجحا في الخروج من موجة القصف الامريكية الاولى بمعظم مقاتليهم واسلحتهم ، كما شكل الحزام القبلي الباشتوني الممتد في شرق افغانستان خط امداد خلفيا وعمق دفاعي للمقاتلين ، وفي ظل حرب العصابات التى تخوضها طالبان والقاعدة ضد القوات الامريكية فان المقاتلين ينفذون عملياتهم ثم يذوبون داخل الكتلة الباشتونية ذات الولاء القوي لابنائها من حركة طالبان وحلفائهم من القاعدة .

والامر اللافت في المعارك الاخيرة انها شهدت دخول عناصر من الشعب الافغاني – من غير اعضاء طالبان – في دائرة القتال ضد الوجود الامريكي في افغانستان ، وهو ما اعترف به الجنرال باستر هاجنبك قائد الهجوم الامريكي في جارديز ، حيث اكد أن مئات المقاتلين انضموا إلى قوات طالبان بعد أن دعا زعماء محليون إلى الجهاد ضد الأمريكيين والمتحالفين معهم. واوضح هاجنبك ان عدد مقاتلي طالبان في بداية القتال تراوح ما بين 150 و200 مقاتل ، وبعد الدعوة للجهاد ارتفع العدد الى 700 مقاتل .

وفي هذا السياق ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية ان واشنطن تتجنب نشر المزيد من قواتها في افغانستان بسبب نظرة الشعب الافغاني اليها بوصفها قوات احتلال ، واعتبرت الصحيفة ان من بين الاسباب التي ساعدت في نجاح الهجمات الاخيرة لطالبان والقاعدة ، وهو ” تعاطف رجال القبائل مع اخوانهم المسلمين الملاحقين من قبل القوات الامريكية ” .

وعلقت الجارديان على موجة المعارك الاخيرة مؤكدة انها تعد دليلا على أن قوات القاعدة وطالبان استطاعت استعادة قواها للمرة الثانية ، مدللة على ذلك بالتسليح الجيد الذي تتمتع به قوات القاعدة وطالبان ، اذ ” أنها لا تكتفي بالتصدي للهجمات الأمريكية فحسب بل نجحت في شن عدة هجمات مضادة ونصب العديد من الكمائن ” .

الامريكيون على خطى السوفيت

ومن جانبها أكدت صحيفة لوس انجلوس تايمز الأمريكية أن عملية اناكوندا جاءت على عكس ما كانت تتمناه الادارة الأمريكية والبنتاجون ، مشيرة الى إن الهجمات البرية المكثفة التي يشنها أفراد القاعدة تؤكد أن القوات الأمريكية ستواجه نفس المصير الذي ألم بالسوفيت خلال حربهم بأفغانستان في الثمانينات ، وأنه بدا من الواضح أن الحرب البرية هى الهدف الذي يسعى إليه الآن أفراد القاعدة .

وعلى الجبهة المقابلة نفت حركة طالبان التقارير الامريكية حول عدد مقاتليها في جارديز ، واكدت ان ” أن المجاهدين لن يلتزموا بالبقاء في أي جهة بعينها فإن كان استنزاف العدو يتطلب البقاء فهو كذلك وإن كان الاستنزاف يتطلب بدء المعارك في أماكن أخرى فإنهم لن يتأخروا في ذلك ” .

واكدت الحركة من خلال موقع ” النداء ” على الانترنت ، والذي يعد بمثابة الناطق باسم الحركة ، ان أمريكا تنسحب من ميدان المعركة تجر أذيال الهزيمة ، مؤكدة ” ان النمر الورقي الأمريكي فوجئ بقوة مقاومة وصفها بأنها ذات ضراوة هائلة يصر المجاهدون فيها على النصر أو الموت ” .

وذكرت طالبان ان قواتها المزودة بصواريخ ” سام 7 ” المطورة محليا استطاعت اسقاط ثلاث طائرات امريكية وقتل كل من فيهم ، ونقل موقع ” الامارة ” الناطق باسمطالبان عن احد قادة الحركة تأكيده مقتل أكثر من ثلاثمائة جندي من القوات الأمريكية والقوات الأفغانية المتحالفة معها خلال المعارك الشرسة التي شهدتها جارديز ، وأن معظم القتلى من الأمريكان .

واكد القائد الطالباني إن عدد قوات طالبان في المنطقة يتجاوز 200 مقاتل فقط وتتكون من 120 مقاتلا من قوات الحركة الإسلامية في أوزبكستان و30 مقاتلا من الأنصار العرب و50 مقاتلا من مجاهدي القائد سيف الرحمن .

وأشار الى أن قرارا بالانسحاب من جارديز قد اتخذ بعد مقتل القائد سيف الرحمن والمسئول العسكري لقوات طالبان القائد جواد سيب وعدد من المقاتلين في قصف جوي أمريكي عنيف ، مؤكدا قيام قوات طالبان بإعدام كل الأسرى الأمريكيين والبالغ عددهم ثمانية عشر أسيرا وذلك بعد مقتل قائدها سيف الرحمن.

وعن خسائر طالبان في عملية اناكوندا كشف الموقع عن مقتل 90 مقاتلا من طالبان وحلفائها ، منهم 10 من المقاتلين العرب ، 50 مقاتلا من قوات الحركة الإسلامية في أوزبكستان ، 30 مقاتلا من مقاتلي القائد سيف الرحمن .

روايات من المعركة

وبرغم غياب مصادر مستقلة لمعرفة حقيقة ما جرى في عملية اناكوندا ، الا ان رواية طالبان تبدو هي الاقرب للصدق ، وهو ما يتأكد برواية الجنود الامريكيين انفسهم ، حيث روى احد الجنود الامريكيين الذين اصيبوا في القتال ونقلوا للعلاج باحدى القواعد الامريكية في المانيا تفاصيل الفخ الذي نصبه لهم مقاتلو طالبان ، مشيرا الى ان مقاتلي طالبان كانوا يضحكون وهو يمطرون القوات الامريكية بقذائف المورتر ، ” كان بامكاننا سماعهم يضحكون علينا.. كانوا يضحكون في كل مرة نطلق النار عليهم .. كانوا علي ارتفاع 2000 قدم فوقنا وكانت اسلحتنا الصغيرة عاجزة عن الوصول اليهم هناك.. في كل مرة يأتي شيء سريع الحركة او طائرة هليكوبتر لمهاجمتهم او الاشتباك معهم كانوا يدخلون مسرعين اليالكهوف او المغارات ” .

وحكى ستانتون كيف ان مقاومة طالبان جعلت الجرحى الامريكيين مكشوفين على التلال ، فيما تكفلت قذائف المورتر ونيران المدفعية بمنع طائرات الهليكوبتر من انقاذهم ، واضطر الجرحي الي مواصلة التحرك كي يظلوا علي قيد الحياة تحت النيران التي تنهمر عليهم من اعلي وهم يركضون رغم النزيف والالم ، وامضى بعض الجنود المصابين 21 ساعة وهم يحاولون الفرار من نيران طالبان ، حتى حل الظلام وقامت طائرات الانقاذ باجلاء الجرحى .

ورواية ستانتون يؤكدها احد الجنود الافغان الذين اصيبوا – ايضا- في المعارك ، مشيرا الى ان القوات الامريكية فوجئت بكثافة النيران التى لم تسمح لها بالرد ، ويؤكد الجندى الافغاني ان الامريكيين هم اول من هرب من المعركة .

قسوة الهزيمة أو ذل الانسحاب

وايا ما كانت حقيقة ما حدث في جارديز ، فان الامر المؤكد هو ان امريكا تسير على خطى فيتنام جديدة ، فتوالى سقوط القتلى في صفوف الجنود الامريكيين يعمق التورط في بلد مثقل بوضع قبلي وديني قلما يتكرر في دولة اخرى ، ولعل المعارك الاخيرة كانت خير دليل على جهل امريكا بالخصوصية القبلية لافغانستان ، حيث ادى استعانة امريكا بحلفائها من مقاتلي الشمال المكون اساسا من الطاجيك والاوزبك الى غضب الباشتون الذين يمثلون غالبية سكان شرق افغانستان ، وهدد الباشتون بانهم لن يسمحوا للمقاتلين الطاجيك بالتواجد في مناطقهم .

ولعل اهم ما كشفت عنه عملية اناكوندا ، هو ان حجم الرافضين لوجود القوات الامريكية في افغانستان تعدى بكثير المؤيدين والمتعاطفين مع طالبان والقاعدة ، واصبحت شريحة كبيرة من الافغان تنظر للقوات الامريكية كقوة احتلال ، خاصة بعد المجازر التى احدثها القصف الامريكي في صفوف المدنيين الافغان حيث اختفت قرى كاملة تحت وطأة القاذفات الامريكية الثقيلة ، هذا فضلا عن الفارق الكبير الذي بدأ الافغان يشعرون به عند مقارنتهم أوضاعهم الآن بأيام حكم طالبان ، حيث عاد قطاع الطرق للسيطرة على الطرق والولايات ، وعادت حوادث النهب والسلب والاغتصاب للظهور مرة اخرى ، كما حذرت تقارير دولية من انتشار زراعة المخدرات بصورة كبيرة بعدما اختفت في ايام حكم طالبان ، كل هذه الاسباب تجعل من التورط الامريكي في افغانستان واقعا لا مفر منه ، إلا بانسحاب امريكي لن يخلوا من تجرع كأس الهزيمة ، وهو ما يشك المحللون في حدوثه في ظل موجة الهوس الوطني التى تجتاح المجتمع الامريكي في اعقاب تفجيرات 11 سبتمبر .

عن موقع محيط

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>