إن الإسلام اعترف برغبة النفس البشرية وميلها إلى سماع الطرائف والحكم، والحكايات والنوادر، وتأكد له أنها تجد في ذلك مشوقاً كبيراً لتلقي ما يلقى إليها ويعرض عليها في اهتمام وانتباه.
يقول الإمام مرعي بن يوسف الكرمي المقدسي : اعلم أيدك الله أن النفس تمل، كما يمل البدن، وكما أن البدن إذا كل طلب الراحة، كذلك النفس إذا ملت طلبت الراحة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا، قال : >نعم، غير أني لا أقول إلا حقا<(رواه الترمذي وأحمد والبيهقي).
وكان ابن عباس رضي الله عنهما إذا أكثروا عليه في مسائل القرآن والحديث يقول : خذوا في الشعر وأخبار العرب.
وعن سلمان بن حرب قال : كنا عند حماد ابن زيد يحدثنا بأحاديث كثيرة، ثم قال لنا خذوا في أبْرازِ الجنة- الأبراز بذور النبات- فحدثنا بالحكايات.
فعلى الواعظ أن يدركهذا حتى إذا استأنس من الناس الفتور والارتخاء، والشرود والعياء، عليه أن يلجأ إلى الطرائف والحكم، والنوادر والحكايا، كوسيلة تفتح أعين الناس، وتنبه أذهانهم، وتنشط نفوسهم ولا يقدر على ذلك إلا إذا كان صاحب نفس يملؤها التفاؤل والأمل، وتغمرها بشريات الخير والنجاح. قال الخطيب البغدادي رحمه الله : باب ختم المجلس بالحكايات ومستحسن النوادر والإنشادات ثم روى بسنده عن علي كرم الله وجهه أنه قال : روحوا القلوب وابتغوا لها طرائف الحكمة، فإنها تمل كما يمل البدن، (الجامع لأخلاق الراوي ج 1 ص 130).
وقال قسامة بن زهير : >روحوا القلوب تَعِِ الذكر<.
فمن خلال القصة أو الحكاية يتمكن الواعظ من عرض الأمر بأسلوب تصويري يستريح معه الذهن بالقصص الوعظي يبعث في الموعظة روحاً جديداً يزيدها انتعاشاً ونشاطا، ويجعل للكلام ذوقاً جديداً في حس الحاضرين يستقصرون معه مدة الوعظ.
والحكاية الهادفة التي تشخص في أبطالها نماذج الخير والنبل، إذا وظفت في المقال المناسب تجعل الكلام أكثر وقعا على القلوب، وأشد تأثيرا على السلوك إذ تقوي في نفس السامعين الانبعاث إلى الخير والفضيلة، هذا والقصة في منهج الوعظ تعتبر من أدق الأساليب وأقواها في تقريب المعاني وشرح الغوامض التي لا يكفي البيان بتسريب معانيها إلى بعض النفوس، فيلجأ الواعظ حينئذ إلى بلورتها في مشاهد وصور عبْر حكايات أو قصة أو مثل. فإذا بالمعنى يتضح وضوح الشمس في رابعة النهار وإذا بالمستمع يقتبس الفائدة بسهولة ويسر.
< عبد الحميد صدوق
———-
المرجع : نظرية الوعظ والإشاد، ص 67. تأليف : عبد الحميد صديق.