آيات ومواقف : {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون}


قال تعالى:{وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون وبدا لهم سيئات ما  كسبوا  وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون} (الزمر : 47- 48):

هناك ذنوب كبيرة يعرفها عموم الناس، ويدركون عواقبها الوخيمة، و نتائجها المدمرة في الدنيا والآخرة، فيبتعدون عنها،  ويفرون منها، من ذلك الموبقات والكبائر، وهناك ذنوب أقل – في الظاهر – من هذه يستصغرها الكثيرون، ويحتقرونها ظنا منهم أنه لا تأثير لها، ولا حساب عليها، وهذا أمر عظيم خطره، كبير ضرره، حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الوقوع فيه، فقال: >إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد، فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى جمعوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يوخذ بها صاحبها تهلكه<(أخرجه أحمد بسند حسن من حديث سهلبن سعد رفعه)، وأخرج ابن حيان “وصححه” والنسائي وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها >يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب فإن لها من الله طالبا<.

ولقد فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المقصود  من هذه الأحاديث، ووعوا ذلك جيدا، فبدت الذنوب أمامهم كالجبال الضخمة، كلها كبيرة وخطيرة. وهذا أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطب التابعين في هذا الأمر فيقول: >إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم الموبقات<( أخرجه البخاري).

واحتقار الذنوب واستصغارها يؤدي بالإنسان إلى عدم الاهتمام بكثير مما يفعله ويقوله، غير منتبه إلى قوله تعالى: {وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون} ولا إلى قوله تعالى: {ما يلفظ من قول  إلا لديه رقيب عتيد}، ولا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: >وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله تعالى عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه< (رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة من حديث بلال بن الحارث صلى الله عليه وسلم) وفي بعض طرقه >يهوي بها في النار سبعين خريفا< .

وفي هذا ومثله يحق قول الله تعالى: {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون} عملوا أعمالا ما كانوا يتوقعون أن تؤدي بهم إلى ما أدت. هذه الآية العظيمة وقف عندها محمد بن المنكدر رحمه الله تعالى طويلا وكان له معها موقفان جليلان:

الموقف الأول :

عن يحيى بن الفضل الأنيسي قال: سمعت بعض من يذكر عن محمد بن المنكدر أنه بينا هو ذات ليلة قائم يصلي إذ استبكى وكثر بكاؤه حتى فزع أهله وسألوه ما الذي أبكاه؟ فاستعجم عليهم وتمادى في البكاء فأرسلوا إلى أبي حازم فأخبروه بأمره فجاء أبو حازم إليه فإذا هو يبكي قال : يا أخي ما الذي أبكاك؟ قد رعت أهلك: أفمن علة أم ما بك.؟ قال : فقال : إنه مرت بي آية في كتاب الله عز وجل قا ل: وما هي؟ قال: قول الله تعالى : {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون} قال: فبكى أبو حازم أيضا معه واشتد بكاؤهما” قال: فقال بعض أهله لأبي حازم: جئنا بك لتفرج عنه فزدته، قال: فأخبرهم ما الذي أبكاهما”(1).

الموقف الثاني :

عن عكرمة بن عمار قال: جزع محمد بن المنكدر عند موته جزعا شديدا، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: أخاف آية من كتاب الله “وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون” فأنا أخشى أن يبدو لي ما لم أكن أحتسب”(2).

امحمد العمراوي

مدير مجلة رسالة المعاهد

—————

1-حلية الأولياء: 146/3.

2- حلية الأولياء : 146/3 والجامع لأحكام القرآن :265/15.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>