لقد كان الإنسان في عصر الجاهلية لا يرى للمرأة حقا في العيش، أو حظاً في الرحمة، فكانت تدفن حية، كما أخبرنا القرآن {وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت}(التكوير : 7). ومازالت الجاهلية الحديثة تحمل خصائص وطبائع الجاهلية الأولى، وهي تُخبِئُ الآن هذه الخصائص وراء شعار الحضارة والتمدُّن، والتقدم والحرية.
فجاء الإسلام ليخلص المرأة من الظلم والتسلط والاستغلال، فحرم استغلالها في الأغراض الدنيئة كالبغاء، وعرض الأزياء الفاضحة والإغراء بها في المحلات التجارية، كما كان عليه الأمر في الجاهلية الأولى حيث كانوا يستعملون الإماء في البغاء لأجل الثراء، إلا أنهم يتميزون عنّا بصيانة حرائرهم، فلهذا قالت هند متعجبة وقت البيعة : >أو تزني الحرة؟!< وفي الصحيحين : >نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مهر البغي<، أي ما تكسبه من مال.
واعتبر الإسلام المرأة الحصينة العاقلة ركيزة أساسية في المجتمع إذا فقدت أصيبت الحياة برزية عظيمة. لما ماتت خديجة رضي الله عنها حزن النبي صلى الله عليه وسلم حزناً شديداً حتى سمي عام وفاتها بعام الحزن، وكان عليه السلام كثيراً ما يذكرها، ويذكر مناقبها ومواقفها في نصرة الإسلام.
وكان المرأة والرجل يبايعان على حد سواء على ما يطهر المجتمع، وينمي الحياة. لما تمت بيعة الرجال للنبي صلى الله عليه وسلم بايعه النساء على ألا يشركن بالله شيئا، وألا يسرقن ولا يزنين، ولا يقتلن أولادهن، ولا ياتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن، ولا يعصين الرسول في معروف.
ولسلامتها من الأخطار، والأهوال، وتعرضها للاعتداء أمر الإسلام المحرم بحراستها في سفرها للحفاظ عليها، قال صلى الله عليه وسلم : >لا يحل لامرة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم<(متفق عليه).
وحرم الشرع اتهامها بالظن الكاذب، والشك الواهم، قال صلى الله عليه وسلم : >إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرقن أهله ليلاً<(متفق عليه). وفي رواية : >نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلا<(متفق عليه) حتى لا يظهر في صورة المتخون لزوجته.
ولم يلزمها الإسلام البقاء مع الزوج إذا كرهت خلقته أو خلقه وتأذت من ذلك.
جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعيب عليه في خلق ولا دين؟ ولكني أكره الكفر في الإسلام -أ ي كفر العشير وعدم الوفاء بحقه- فقال صلى الله عليه وسلم : >تردين عليه حديقته -أي التي كانت مهراً لها- قالت : نعم. قال صلى الله عليه وسلم : اقبل الحديقة وطلقها تطليقة<(رواه البخاري). ومع هذا نهى الإسلام الزوج عن كراهية زوجته وبغضها لمجرد خطأ وقعت فيه أو صدر منها، قال صلى الله عليه وسلم : >لا يفرك -أي يُبغض- مؤمنمؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر<(رواه مسلم).
واعتبر الإحسان للبنات والعطف عليهن من أعظم الأسباب التي تقرب من عفو الله، وتبعد عن سخطه، عن عائشة رضي الله عنها قالت : جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث ثمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت الى فيها ثمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها فشقت الثمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : >إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار<(رواه مسلم).
ومن مواصفات الخير والفضل في دين الله الإحسان إلى النساء، قال صلى الله عليه وسلم : >خِياركم خياركم لنسائهم<(رواه الترمذي وقال حسن صحيح).
ومن ضيع حق الإحسان للمرأة يحمل يوم القيامة إثما وظلما، قال صلى الله عليه وسلم : >اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة<(رواه النسائي بإسناد جيد) -وأحرج: أي ألحق الحرج وهو الإثم بمن ضيع حقهما-.
وإذا كان الرجل يملك عصمة المرأة وتصبح في ذمته وحوزته بمقتضى الزواج، فهي أعظم ما يملك من أمور حياته قال صلى الله عليه وسلم : >الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة<(رواه مسلم).
وهكذا الإسلام يراعي حقوق المرأة حتى ولو كانت من الأعداء ففي حالة الحرب مع العدو يراعي الإسلام ضعف المرأة فيرحمها، رأى النبي صلى الله عليه وسلم في بعض معاركه امرأة مقتولة فغضب وأنكر وقال : >ألم أنهاكم عن قتل النساء؟ ما كانت هذه لتُقاتل<. وإذا وقعت في الأسر وأصبحت من السبايا نهى الإسلام عن التفريق بينها وبين ولدها إن كان معها، قال صلى الله عليه وسلم : >من فرق بين والدة وولدها، فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة<(الحاكم وصححه).
قال ابن القيم : وكان يؤتى بالسبي، فيعطي أهل البيت -الذين في السبي- جميعا كراهية أن يفرق بينهم.
وهكذا، يجد الباحث في هذا الموضوع أن الإسلام رفع المرأة إلى علياء التوقير والتقدير والاحترام والكرامة.
< عبد الحميد صدوق