في رحاب السنة : الدعوة للتقوى أساس الصلاح والإصلاح


عن أبي ذر جندب بن جُنادة وأبي عبد الرحمان معاذ بن جبل رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : >اتّق الله حيثما كنتَ وأتبع السيئة الحسنة تمحُها، وخالقِ الناس بخلقٍ حسن<(رواه الترمذي في أبواب البر والصلة وهو صحيح، أنظر صحيح الجامع. تحقيق  العلامة الألباني .

سبب ورود الحديث :

سبب ورود هذا الحديث أن أبا ذر الغفاري رضي الله عنه لما أسلم بمكة قال له النبي صلى الله عليه وسلم : >الحق بقومك رجاء أن ينفعهم الله بك، فلما رأى حرصه على المقام معه بمكة، وعلم صلى الله عليه وسلم أنه لا يقدر على ذلك قال : >اتق الله حيثما كنت..، الحديث. فإنه أولى لك من الإقامة بمكة، وهو أمر عام يشمل جميع المسلمين، فلا يختص به مخاطب دون مخاطب.

وصية عظيمة : الوصية بالتقوى وصية عظيمة، وهي وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى.. {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله}.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدأ أكثر خطبه بتذكير الناس بتقوى الله عز وجل.

تعريف التقوى : التقوى في اللغة : اتخاذ وقاية وحاجز يمنعك ويحفظك مما تخاف منه وتحذره، وتقوى الله عز وجل، يعرفها ابن رجب : بأن يجعل العبد بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك، وهو فعل طاعته واجتناب معاصيه، وللسلف في تفسير التقوى أقوال كثيرة منها : >أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر< ويدخل في تقوى الله فعل الواجبات وترك المحرمات، وهذه تقوى واجبة على العبد لابد من تحقيقها، كما يدخل في التقوى فعل المستحبات وترك المكروهات، وهذا يؤدي إلى كمال تحقيق التقوى.

إضافات التقوى ومعناها : تضاف التقوى إلى الله عزوجل، كما قال تعالى : {واتقوا الله الذي إليه تحشرون}، {هو أهل التقوى وأهل المغفرة}(سورة المدثر) والله عزو جل أهل أن يُتقي ويُخشى ويُهاب ويُجل ويُعظم في قلوب عباده. كما تضاف التقوى إلى عقابه وإلى موضعه وهو النار. وإلى زمانه وهو يوم القيامة، قال تعالى : {واتقوا النار التي أعِدّت للكافرين} وقال : {فاتقوا النار التي وقُودها الناس والحجارة أعدت للكافرين}(سورة البقرة)، وقال : {واتقوا يوما تُرجعون فيه إلى الله}(سورة البقرة).

اتق الله حيثما كنت : في أي مكان كنت، فلا تتق الله في مكان يراك الناس فيه، ولا تتقيه في مكان لا يراك فيه أحد، فإن الله تعالى يراك حيثما كنت.

ما يمحمو السيئات : قوله صلى الله عليه وسلم : >وأتبع السيئة الحسنة تمحها< يدل الحديث على أنه قد يحدث من العبد بعض التفريط بالطاعات، أو الوقوع في المنهيات، فعليه في هذه الحالة، أن يقوم بالأعمال الصالحة، فإنها تمحو هذه السيئة التي وقع فيها، ويشهد من القرآن الكريم لهذا.. {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات}(سورة هود).

وسبب نزول هذه الآية كما يروي ابن مسعود أن رجلا أصاب من امرأة قبلة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأنزل الله الآية، فقال الرجل : يا رسول الله : ألي هذا، قال : لجميع أمتي كلهم<(رواه البخاري).

المقصود بالحسنة التي تمحو السيئة :

يراد بالحسنة التوبة من تلك السيئة، {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات}(سورة الفرقان) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : >ليتمنينّ أقوام لو أكثروا من السيئات، قالوا بم يا رسول الله؟ قال : الذين بدل الله سيئاتهم حسنات>(رواه الحاكم وصححه الألباني في الصحيحة 2177).

كما أن الأعمال الصالحة، واجتناب الكبائر شرط في تكفير الصغائر.

حسن الخُلق من تقوى الله : قوله صلى الله عليه وسلم : >وخالق الناس بخلق حسن< التخلق بالأخلاق الحسنة من خصال التقوى التي لا تتم إلا به. كيف يحسن خلق العبد؟ يحسن خلق العبد إذا اتبع إمام المرسلين، لأنه خير من حقق هذا المقام قال الله عز وجل : {وإنك لعلى خلق عظيم}(سورة القلم) فهو القدوة في هذا الحديث. وفي هذا الجانب الخُلُقي، فعلى المسلم أن يدرس سيرته في كل جانب من جوانب حياته كيف تأدب مع ربه؟ كيف تأدب مع الناس؟ كيف كان يعامل أهله؟ كيف كان يعامل أصحابه؟ كيف كان يعامل غير المسلمين؟ ومما يعين على اكتساب الأخلاق الحميدة مجالسة أهلها الأتقياء الأطهار لأن الإنسان يتأثر بالمجالسة، قال صلى الله عليه وسلم : >المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يُخَالِل<(رواه الترمذي، وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم 3539).

ولأهمية الخلق الحسن حصره الرسول صلى الله عليه وسلم في البر فقال : >البر حسن الخلق<<(رواه مسلم). كما فضل صاحب الخلق الحسن على سائر البشر.فقال : >خياركم أحاسنكم أخلاقا<(رواه مسلم والبخاري).

هذه الأخلاق الحميدة هي التي تعود بالخير على الدعوة نفسها، وعلى المجتمع بالنماء والخيرات والبركات، كما تجنب المجتمع خسارات وويلات زيادة على أن الأخلاق الحسنة تغرس وشائج المحبة بين الداعي والمدعويين ، بين العدوو الصديق.

ما يستفاد من الحديث :

1- كمال التقوى هي العامل الأساسي في تمتين العلاقات الاجتماعية، وتحلل كل الروابط المبنية على غير التقوى.

2-  السيئة إذا أتبعتها الحسنة فإنها تمحها وتزيلها بالكلية.

3- حسن الخلق غاية من غايات الدين الحنيف.

4)حسنُ الخلق سبب لترابط الأمة وانتشار المحبة.

5) حسن الخلق سبب القرب من الله ورفع الدرجات.

6) حُسن الخلق جوهر الدين، ولذلك جعل الإسلام العبرة بالجوهر لا بالمظهر وحده.

7) الأخلاق الحسنة تجنب الداعي مكايد الأعداء وتحفظه من شرورهم {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}(سورة فصلت).

< ذ. الحسين فليو <

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>