متابعات ندوة : مستقبل الحضارة إكراهات العولمة وإمكانات التجاوز


نظمت مجلة المنعطف المغربية بتعاون مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الأول بوجدة/المغرب يومي 22/23 ذو القعدة الموافق 5/6 فبراير 2002 ندوة دولية في موضوع :

مستقبل الحضارة :

إكراهات العولمة وإمكانات التجاوز

وقد نشط هذه الندوة مجموعة من المثقفين والباحثين من داخل المغرب وخارجه

مثل:الدكتور طه عبد الرحمن والأستاذ منير شفيق والدكتور أبو يعرب المرزوقي…

لقد أضحى التفكير في المستقبل من حيث وجهته ومشَكِّلاته ونمطه، من مستلزمات النظر في واقع ومآل الإنسانية والعالم عموما، وواقع وطموحات الأمة الإسلامية والعربية خصوصا، بما يقتضيه هذان الواقعان من مجادلة تدافعية لأجل تغيير العالم وامتلاك مفاتح توجيهه.

في هذا السياق يطرح تساؤل مشروع : لماذا التفكير في المستقبل ؟ أو بالأحرى هل من دواع لهذا النوع من التفكير ؟ و في هذا السياق أيضا حاول المشاركون الإجابة عن علامات الاستفهام المطروحة آنفا من خلال الورقات التالية:

الورقة الأولى : في تقويم تجارب النهوض : إشكالية الداخل والخارج (ذ. منير شفيق)

الفكرة العامة والمحورية التي حكمت هذه المداخلة، تمحورت حول التركيز على العامل الخارجي الحاسم في تأزم وانحطاط الوضع العربي والإسلامي وفي تقرير الأوضاع الحالية وتقويض محاولات النهوض التي عرفها العالم الإسلامي، فالحديث عن العامل الداخلي في إضعاف الحضارة الإسلامية إنما كان مشروعا إبان الدولة العثمانية كناظم سياسي عام للإسلام والمسلمين. وفي إطار تمثيله لأهمية العامل الخارجي، استدعى الأستاذ منير شفيق تجربة محمد علي الكبير في مصر، كمشروع نهضوي حكم عليه بالفشل وعدم التحقق بسبب تدخل الغرب بزعامة بريطانيا لإجهاضه، ولذلك فالعوامل الداخلية كالتجزئة والدولة القطرية،إنما هي من صنيع العامل الخارجي الذي أحكم قبضته على كل دولة، وجعلها تستحضره في كل تحرك أو انتفاض.

كذلك،اعتبر عدم وعي الفكر الإسلامي بميزان القوى السائد والراجح لصالح ثغرة كبرى في جل محاولات النهوض.

الواقع اليوم يؤكد وجود قوة مهيمنة على العالم، وحتى تنزع حقك منها لا تحتاج إلى مجرد نقد ذاتي(العامل الداخلي) وهو عامل لا شك في ذلك،بل لابد من صراع طويل .

كما اعتبر المحاضر دعوة عدم التخلف عن العولمة من طرف البعض خطابا أقوى ارتباطا بالخارج وخدمته.ويضيف ذ/ منير شفيق بان العامل الخارجي ليس تافها-كما يدعي البعض- لأنه يريد التدخل في تفاصيل حياتنا حتى في( كيف يجب أن نفهم الإسلام) و(كيف نعمل بالإسلام)و..

باختصار، إن الإكراهات العولمية المفروضة على العالم الآن، قد تحولت في نظر ذ. منير شفيق، إلى إكراهات أمريكية، من خلال إعادة ترتيب منظمة التجارة العالمية، وإعادة تنظيم العلاقات والتنظيمات، وكذا الوضع الدولي ضمن قانون الحرب.

الورقة الثانية : هل الإرهاب الهامشي ورد الفعل قادران على تحرير الإنسانية من إرهاب العولمة النسقي : د. أبو يعرب المرزوقي.

حاول مقاربة مفهوم “الإرهاب”، و كانت مقاربته تلك تأسيسية تأصيلية متميزة لمفهوم ظل لزمن طويل هلاميا غير مضبوط ولا محكوم بمعايير علمية، تتحكم فيه دوائر القهر والغلبة، وتوظفه بحسب الحال والحاجة، ثم أوضح بعد ذلك الدكتور أبو يعرب أتاوات العولمة فحددها في خمس : قوة السلاح، والإعلام والاستعلام والسياسة والمال، وهي ما انبنى عليه إرهاب العولمة النسقي الذي يريد فرض خروج الإسلام من التاريخ بالقوة، لكن (الإرهاب الهامشي) في المقابل من خلال الحدث الكبير : 11 شتنبر أكد تغلبه وقدرته على إضعاف نسقية العولمة في بعدها الإرهابي المهيمن، والماضي في انسداد الحضارة البشرية بعدما نفد إليها فصارتأمريكا مهددة.

الورقة الثالثة : الآفات الخلقية للعولمة :هل من سبيل لدرئها؟ د. طه عبد الرحمن.

أسس الدكتور طه عبد الرحمن لمداخلته بمنطلقين:

الأول : مفاده أن الأخلاقية والإنسانية صفتان مترادفتان، حيث هدف كل فعل إنساني إنما هو الرفع أو الخفض من حيث التخلق، لذلك فالإنسان كائن أخلاقي بدل الإنسان حيوان عاقل.

الثاني : تعريف إجمالي للعولمة باعتبارها “سعي إلى تحويل العالم إلى مجال واحد من العلاقات الأخلاقية عن طريق سيطرة الاقتصاد في حقل التنمية، والتقنية في حقل العلم، والشبكة في حقل الاتصال”، وبفعل هذه السيطرة في أنماطها الثلاثة تكون العولمة قد أدت إلى آفات أخلاقية كبيرة:

*ففي الأولى:السوق بلا قيد والتنافس بلا شرط و…

< وفي الثانية: العلاقات العولمية عبارة عن علاقات بين إجراءات ( فعل آلي أي تبعية العلم للتقنية)لا بين أعمال(الأخذ بمقصد الفعل قبل مباشرته أي المعنى القيمي للفعل).

< أما في الثالثة:فيقترن الإعلام بالإعلان ،ويهتم أهل العولمة بنقل المعلومة وليس بإنتاجها ( حق الملكية الفكرية) !!.

إذن، فعلى مستوى التنمية يتم الإخلال بمبدأ التركيبة بين الموارد والأخلاق، وعلى مستوى العلم يتم الإخلال بمبدأ العمل الذي يوجب الجمع الفعل ومقصده، وعلى مستوى الاتصال يتم الإخلال بمبدأ التواصل.

وللخروج من الأزمة الأخلاقية التي أسست لها العولمة، يشترط الدكتور طه شروطا ثلاثة هي على التوالي : البحث عن نظام آخر خارج نظام العولمة، تحديد مصدر للأخلاق أقوى من المصدر الذي تتكئ عليه العولمة، ثم الكونية كسمة نموذجية قصد إيجاد مجتمع كوني واحد.

وعليه، فالأخلاق الدينية الإسلامية هي وحدها في نظر الدكتور طه، الكفيلة بإخراج الإنسان المعاصر من الأزمة، من خلال طرح مفاهيم:

<  التزكية وابتغاء الفضل (دوام اتصال المقوم الاقتصادي بالأفق الروحي) .

< ورد الاعتبار لقانون الاعتبار الإسلامي الذي يؤكد على أن العلم النافع يحصل بحكمة الشيء قبل سببه وبحاله قبل مآله.

< ومبدأ التعارف أي الاتصال الحي(غير المعلوماتي) بكلام فيه معروف حيث أن تناقل الخبر لا ينفك عن القيمة الخلقية المحمودة أي أن هذا المبدأ يحقق الانتقال من معلومة إلى معروفة

وهذه قيم خلقية مؤهلة لنفي القيم العولمية المأزومة.

الورقة الرابعة : التباس مفاهيم إعلامنا في عصر العولمة : ذ. عبد المجيد الصغير.

لم يسلم الإعلام العربي هو الآخر، حسب الأستاذ الصغير، من قهر العولمة الشامل، حيث إن نظرة عامة إلى  الخطاب الإعلامي العربي المعاصر، تنبئ عن مدى استلابه من حيث الكلمة والتعليق المؤطرين للصورة الإعلامية المرئية والمسموعة، فتداول مفاهيم كبرى من قبيل التسامح وحرية التدين، وحقوق الإنسان والحق في تقرير المصير، والإرهاب والتطرف والأصولية، والديمقراطية وصراع الحضارات، له دلالات كبرى على أن الإعلام العربي المعاصر لم تعد لديه تلك القدرة على إنتاج المفاهيم والكلمات والتعاليق الحرة والمعبرة، ولم يستطع في الوقت ذاته الانفكاك من أسر هذه الترسانة المفهومية العولمية التي تكبله في كل محاولة لمعالجة قضية من القضايا. وهنا يقع الالتباس بين الفهم العام المجرد للمفاهيم ذات الإنتاج الغربي والمقصدية العولمية الرامية إلى وضع الآخر وقولبته ضمن مفاهيم قدحية وتجريمية وإقصائية.

الورقة الخامسة : العالمية والعولمة : جدلية القطبية والتعددية : ذ. محمد المستيري

يحاول الأستاذ المستيري(مستشار المعهد العالمي للفكر الإسلامي) في هذه الورقة فك ثنائية العالمية والعولمة من خلال إبراز نزوع العولمة إلى الواحدية المضمرة لنزعة إقصائية لمختلف الطروحات الأخرى المقابلة. ولعل هذا النزوع للواحدية هو مكمن الضعف في ظاهرة العولمة ومدعاة لتوجيه النقد القاسي لها. هنا ينتقل الفكر بجولانه إلى تاريخ الحضارة الغربية في تعاملها مع باقي الحضارات الأخرى ليتأكد أن الغرب طوال مسيرته الفكرية والثقافية لم يكن مبشرا بحوار الحضارات وتكاملها في بناء الكون بأنماط مختلفة، على الطرف النقيض، نجد الفكر الإسلامي تاريخا وحضارة، وقبل كل شيء عقيدة وفكرة، قد أفصح عن عالميته المهيمنة من جهة، والمحترمة والحاضنة للخصوصيات الثقافية من جهة أخرى، ولعل قبول الفكر الإسلامي بفكرة الخصوصيات له مدلوله القوي بالقبول بالتعددية، والهدف الأسمى من ذلك هو التأكيد على أن البناء الحضاري الإنساني العام لا يمكن أن يتحقق إلا بتأكيد حضور الآخر واحترامه، ودعوته للمشاركة في خلق أنماط حياتية، ناظمها العام هو تكريم الإنسان في ثقافته ووجوده؛ تكريما ينزعه من ترابيته نزعا ليضعه في حضن السماء وضعا.

الورقة السادسة  : شروط إسهام الثقافة الإسلامية فـــــــــي  بناء  حضـــــارة إنسانية : ذ. محمد الأوزاعي.

يشير الأستاذ الأوزاعي في بداية تدخله إلى أن الحديث عن الحضارة الإنسانية (معرفة) ينفي ويقصي ما في الكون من حضارات أخرى، لذلك فهو يؤكد على حضارة إنسانية (نكرة) حتى يسلم النظر، ومادامت الثقافة الإسلامية واحدة من بين الثقافات الإنسانية الكونية الأخرى، فإنها لا محالة تحتل مكانة بارزة في عملية البناء، لكن بشرطين خارجيين اثنين هما على التوالي :

أولا : حسن استيعاب الإنتاج المعرفي والفكري لغيرها من الثقافات الحاضرة في الوجود، ولعل هذا الشرط له قيمته ووزنه الثقيل للانتقال إلى مرحلة أخرى تتبعها بالضرورة وتتأسس عليها تأسيسا.

ثانيا : القدرة على خلق نموذج مغاير؛ هذا النموذج يتطلب قوة في التمكن من معارف الآخر والعمل على تجاوزها، بعد إثبات عدم نفعيتها واستنفاذ أغراضها.

غير أن خلق النموذج البديل يجب أن يتميز بخصائص ذات طابع شمولي يستطيع الاستمرارية في التاريخ وإثبات الذات كي لا تسقط ثم تُتجاوز هي الأخرى.

الورقة السابعة : الإسلام والغرب في أطروحة صدام الحضارات :

مسألة قديمة في ثوب جديد : ذ. ع الخالق الشدادي.

يحاول الأستاذ الشدادي مقاربة الموضوع من الناحية التاريخية، حيث يرجع بنا إلى البدايات الأولى للإسلام في علاقته بباقي الثقافات من خلال النبش في وثائق تؤرخ لهذه العلاقة، هذه الوثائق (مسيحية، أرمنية..) تفصح عن ذلك المكنون الذي يجعل من الآخر (الإسلام) قطب الاهتمام والمعاينة والرصد، لا على أساس التكامل والتلاقح، ولكن على أساس تحين الفرصة لإلغائه، فالعلاقة بين الإسلام والغرب بهذا الشكل إنما هي علاقة تاريخية قديمة، تظهر الآن في أطروحات جديدة تحمل عناوين صدام الحضارات، لكن المحتوى واحد أبدي..

وفي ختام الندوة أو في الشق الأخير منها، نظم الدكتور مصطفى المرابط رئيس تحرير مجلة “المنعطف” بمعية الدكتور خالد حاجي مائدة مستديرة التف حولها جملة من الأساتذة المدعوون منهم والمدرسون بالجامعة؛ كالأستاذ منير شفيق، والدكتور أبو يعرب، والأستاذ عبد الخالق الشدادي، والأستاذ محمد المستيري، والأستاذ ميمون النكاز، والدكتور حسن الامراني، والأستاذ بدر المقري. حاول هؤلاء بلورة ما جاء في الندوة من أفكار وتصورات، وإثارة ما جَدَّ عندهم من قضايا وإشكالات وتساؤلات، تعتبر في الحقيقة مداخل لمشاريع كبرى تستحق البحث والدراسة بشكل مستفيض. ولم لا عناوين لندوات فكرية في المستقبل..

إعداد : عبد الرحيم حامد الله

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>