شؤون إسلامية : رهانات الهجوم الغربي بقيادة أمريكا على الأمة الإسلامية


سوف نقتصر في تحليلنا لهذه القضية على الفترة الحديثة والمعاصرة، دون أن نتجاهل أن للحديث والمعاصر علاقة وارتباط بالماضي، ماضي العلاقة بين الأمة الإسلامية و العالم الغربي الصليبي لكون هذه العلاقة تخصصت في التعريف بها دراسات وأبحاث كثيرة.

الجديد الذي يميز العلاقة، في التاريخ الحديث هو التحالف والتواطؤ المكشوف بين المسيحية المتصهينة والصهيونية، الذي لم يسبق له مثيل، هذا التحالف الذي توج بإصدار بابا روما بيان تبرئة اليهود من جرائمهم ضد المسيح عليه السلام في عام 1961م، ليبد أ التحالف المباشر بينهما ضد الأمة الإسلامية.

تنقسم استراتيجية الحرب على الأمة الإسلامية في العصر الحديث، إلى مرحلتين متكاملتين أهدافا ووسائل تبدأ الأولى بإعلان أتاتورك إلغاء الخلافة، وتقسيم الأمة إلى مجموعة من الكيانات المجزأة على أسس قبلية وقومية، ثم استعمارها في الآن نفسه، تحت عناوين مختلفة مثل >الانتداب< و>الحماية< وتميزت هذه المرحلة بالنهب والسرقة لثروات الأمة الطبيعية والبشرية من جهة، ومحاولة اجتثاث المقومات الثقافية للأمة الإسلامية حتى يضمن ويؤمن الالحاق والتغريب المستمر للإنسان المسلم من جهة ثانية.

وسلك المستعمر الغربي الأسلوب المباشر والعنيف في ذلك، مما أثار ردة فعل الأمة ومن المنطلقات التي استهدفها الاستعمار في استراتيجيته، الهوية الاسلامية. وبعد تقييم دقيق وشامل لمجريات الأحداث، خلص المستعمر إلى أنه جنى كثيرا من الثمار ويجنيها، لكن بمقابل وبأثمنة باهضة على المستوى البشري خاصة، وهنا فكر وأخذ يبحث عن أساليب تحافظ له على المكتسبات دون تكاليف، فاهتدى إلى أن الذين رباهم وحضنهم من أبناء الأمة أحسن من يخدم مصالحه تلك بالنيابة، مقابل الدعم الفني والمادي والعسكري.. وهنا تبدأ المرحلة الثانية.

تتميز المرحلة الثانية -كما يسميها المهدي المنجرة مرحلة ما بعد الاستعمار- بفعل كل ما تريد الدول الاستعمارية القديمة في البلاد الاسلامية بدون مقابل أو ثمن، وتنقسم إلى فترتين بارزتين، اتسمت الأولى بمراقبة الدولة الاستعمارية واختبارها لمدى نجاح تجربة التجزئة التي تمثلها الدولة القطرية، في تكريسها لسياسة الالحاق والتبعية وتأمين المصالح الاستراتيجية، وتمتد هذه الفترة من زمن الحرب الباردة التي ساعدت على اعتماد أسلوب المراقبة عن بعد، دون اللجوء إلى الأساليب المباشرة، بينما تبدأ الثانية بانهيار المعسكر الاشتراكي، وتتميز بأساليبها الجديدة في التنفيذ، هي التي يحيل عليها ما يسمى >النظام الدولي الجديد الذي أعلن جورج بوش الأب عن ميلاده، عقب انتهاء ا لحرب الباردة وتوقيع اتفاقية نزع أسلحة الدمار الشامل بين روسيا وأمريكا.

ثم التمهيد لتنفيذ المشروع، بنشر مقولات فكرية لمفكرين أمريكيين خاصة مقولتي فُوكُويَامَا حول >نهاية التاريخ< وهنتجتون حول >صراع الحضارات< وهما مقولتان متناقضتان في الظاهر متطابقتان في الجوهر، فكلاهما يعمل على تكريس مفهوم >كونية< القيم اللبيرالية-الصهيونية.

كانت أولى خطوات تنفيذ سناريوهات “النظام الدولي الجديد”، بالدعاية الإعلامية لصناعة عدو وهمي للغرب بعد زوال العدو الشيوعي، وتم تحديد هذا العدو في البداية بالحركات الإسلامية التي أشعلت الحرب ضدها، لكن بعد فشلها في تحقيق أهدافها بل أتت بعكس تلك الأهداف، من حيث التسلح والخبرة الميدانية.

أمام هذه النتيجة كان لزاماً إعادة النظر في الخطة، فصيغت الأهداف من جديد، ومنها معرفة الغرب بشكل دقيق ببرامج التسلح العراقي وترسانته العسكرية لكونه مصدرها. أولاً وجد الغرب نفسه أمام  عكس مارسمه لحرب هو مهندسها وصانعها،.

بدأ انجاز المخطط، بجر نظام البعث إلى السقوط في فخ الكويت، فدخلت الآلة الإعلامية على الخط لتصنع من العراق العدو الخطير الذي يهدد العالم كله، وليس المشيخات الخليجية فقط، تسارعت الأحداث بعد دخول القوات العراقية إلى الكويت، بتحريك منقطع النظير من المسؤولين الأمريكيين السريين والعلنيين، في اتجاه تعبئة الرأي العام الدولي، لتحرير الكويت كما هو معلن، لكن تطور الأحداث أكد أن مسألة الكويت ما هي إلا ذريعة -خطط لها- لإضفاء الشرعية على ضرب العراق وشعبه، وزرع البذور الأولى لمخطط آخر سيتحدد وقت تنفيذه بعد ذلك وهو تقسيم العراق إلى كيانات تجزيئية على أسس عرقية وطائفية مذهبية.

وجاء مُسلسل الأحداث بعد ضرب العراق وما صنعته من تداعيات، وما انتهت إليه من نتائج تؤكد كلها ما أشرنا إليه من وجود تحالف مفضوح عمل -ويعمل- على تسييد القيم الليبراليةوالصهيونية.

إن المتابعة المتأنية لهذه الأحداث، منذ حرب الخليج الأولى إلى حرب الخليج الثانية، وما انتهت إليه من انبطاح قوى التغريب بقيادة أنظمة الالحاق والتبعية للكيان الصهيوني، تؤكد أن تأمين وجود الكيان الصهيوني هو الهدف الاستراتيجي، لكل ما حدث ولفترة ما بعد الاستعمار، وما يترتب عن ذلك، الوجود من تأمين مصالح الغرب الاستعماري.

انتهت الحرب إلى نتائج خطيرة، تبين أن المستفيد الأكبر منها هو الكيان الصهيوني، فقد أكد شرعية غصب فلسطين من كيانات التجزئة التابعة، ومن منظمة التحرير، وطبع العلاقات معها. وفي المقابل حصدت الأمة من الحرب مزيدا من المآسي نذكر منها على سبيل الاجمال : تدمير الجيش العراقي وتسميم أجواء العراق ومياهه وترابه.. ، تجويع الشعب العراقي والتقتيل المستمر لأبنائه بسبب الحصار الجائر، والعدوان الدائم، الانتهاك المستمر لسيادة العراق وتقسيم العراق إلى ثلاث مناطق تمهيداً لتجزئته على غرار تجزئة الأمة زمن الخلافة العثمانية، الاستعمار المباشر لمشيخات الخليج من طرف القوات الأمريكية البريطانية، تسويق مالا يتصور من الأسلحة البالية المتجاوزة للمشيخات الخليجية بأثمان باهضة، وعالية وبسبب تحميلها مسؤولية تمويل الحرب، خرجت أكثر المشيخات من الحرب مدينة بملايين الدولارات لأمريكا وبريطانيا وفرنسا!!!، تزويد الكيان الصهيوني بمبالغ مالية كبيرة لتطوير أ نظمته الدفاعية والعسكرية، إضافة إلى تقنية عسكرية متطورة منها صواريخ پاتريوت، تعميق الانقسام بين كيانات التجزئة استغله الصهاينة للدفع بكل منها إلى توقيع معاهدات “للسلام” بشكل منفرد بعدما تم تهييء الأجواء للاعلان عن المفاوضات التي كانت تجري في السر خاصة مع منظمة التحرير، التصويت في الأمم المتحدة على إزالة الصفة العنصرية عن  العدو الصهيوني..

شكل إذن تدمير العراق، وتبيئة الكيان الغاصب في المنطقة العربية الاسلامية الخطوة الأولى لمشروع تدمير الأمة الإسلامية، مهدت بها أمريكا والصهاينة، للخطوة الثانية التي حدد هدفها في العمل على القضاء على ما تبقى من الرسوم والأشكال الدالة على الأمة وحضارتها التي لم يعد يعبر عنها إلا أمران أولهما تراث ضخم وقوي يشكل المعادلة الصعبة في وجه مهندسي نظام الفوضى “العالمي”، وثانيهما ظهور تيارات فكرية وسياسية نابعة من ضمير الأمة وذاتها وهويتها حددت وظيفتها في بعث الأمة وإحيائها من جديد.

وانطلاقا من وعي كثير من حركات الصحوة الاسلامية، بطبيعة الحرب التي تقودها أمريكا والصهاينة على الأمة، هو ما حمل أمريكا على تصنيفها العدو الأول في إطار ما يسمى “النظام الدولي الجديد”، على أساس هذه الخلفية، يبدأ مسلسل جديد عناوينه -بعد أن عمل الإعلام على ترسيخ مفاهيم الإرهاب والتطرف على الحركات الإسلامية- الاغتيال، والمحاكمات القضائية، والسجون والحصار و.. للحركات الإسلامية وقياداتها و.. هذه الحرب ستتخذ منحىآخر، وتستعمل وسائل جديدة في ظل ايديولوجية العولمة، وبعد أحداث ما أصبح يعرف “بما بعد أحداث 11 شتنبر” سنتاولها في حلقة أخرى إن شاء الله تعالى.

حسن العلوي

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>