بارقة : عوضوا من الكلام العملَ والبناءَ


من أساليب الشيطان أنه يزين للمرء عملا صالحاً ليوقعه في السيئات، ومن أساليبه أنه يشغلك عن الصلاة حتى يخرج وقتها، فإن لم يستطع يشغلك عن حضور الجماعة، فإن لم يستطع ذلك يشغلك عن إدراكها بتمامها، وقد يكتفي بأن يضيع عليك ركعة أو ركعتين، ويظل صامداً عسى أن يضيع عليك تكبيرة الإحرام، فإنه لا ييأس من الإيقاع بك لذلك يقول بعض علمائنا الخبراء بالنفس البشرية وبأحابيل الشيطان وأساليبه  : إذا كنت سائراً في طريقك إلى ربك فاجعل نصب عينيك الغاية المنشودة وإياك وأحابيل الشيطان حتى لا يدفع بك إلى بُنَيّات الطريق ومتاهتها فقد يعترض سبيلك محاولا ذلك فإن لم يستطع تضليلك أو إيقافك فإنه يحاول أن يُبَطّئ من سيرك متحينا الفرصة للايقاع بك، لذلك ينصح العارفون بألا تلتفت إليه ولو رفع صوته أو أكثر من حركاته، وامض في طريقك المستقيم متعوذاً بالله منه، وكلما أمعن في أفعاله السيئة لصدك أو تأخيرك أو تضييع ولو دقيقة من سيرك إلى ربك، تمسك بذكر الله والاستعانة به والتوكل عليه ليقوي من عزيمتك حتى تكون من الفائزين الواصلين.. وإن من أساليب شياطين الإنس أنه يشغلك بالتفاهات بإحداث أفعال تجرك إلى الردود عليها بأفعال معينة تضيع فيها جهودك وتظل معها مشغولاً عن الجاد من العمل والمفيد من الحركة، وفي النهاية تجد نفسك منهوك القوى لم تحصل من عملك ذاك على طائل، ومن صراعك على انتصار. أقول هذا لأننا رأينا أن هناك جهوداً جبارة ومضنية ضاعت في ردود أفعال للدفاع ولرد الشبهات ولمحاولات إقناع من يحارب الاسلام مع الاصرار قبلا وحالاً وبعداً بأن هذا الدين عظيم وجليل!

إن الهجمات الشرسة الظالمة على الاسلام والمسلمين ليست كلها انفعالات اعتباطية وتشنجات مرضية بل إن بعض ذلك داخل ضمن مخطط مدروس ومنهج مسطر وفروا له أجهزة للإشراف على تنفيذه وهيأوا له وسائل وموارد بشرية لتطبيقه ومن ذلك وسائل الإعلام ودور النشر والمراكز الدراسية وفرق الاعتداء والهجوم بالقلم والصورة واللسان، بل ومن خلال المحاضرات والندوات وإعداد الاطروحات والدراسات (العلمية) وللقوم موظفون تتفاوت درجاتهم ومستوياتهم وهم بين سافر الوجه صفيقه وبين مختفٍ وراء مسوح جامعية وألقاب أكاديمية…

والموضوعات المثارة لمحاربة الاسلام منها الثابت ومنها المتغير، أما التطور فيكون في الاخراج والواجهات والوسائل ونوعية الموارد البشرية.

ولا يخلو مجتمع اسلامي من عنصر “النفاق” و”الارتداد” بل ومن الضعفاء الذين يُضطرون لمحاربة أمتهم بدافع الاضطرار المادي وهم كارهون لذلك كبعض العاهرات المضطرات للدعارة ولكنها عندما تخلو لنفسها تشعر بنوع من توبيخ الضميرالذي قد يقودها يوما إلى التوبة كما وقع لبعضهم!! وهناك بعض المغفلين الذين يشاركون في محاربة دينهم وأمتهم بجهل أو بهوى..

وواجب من يحمل همّ المسملين أن يكون على دراية بحقيقة المعركة حتى لا يقع في الافخاخ فينطلق لخدمة الاسلام بالدفاع عنه من حيث يريد أعداء الاسلام والأمة الإسلامية فيزيد من قوة حجة الخصم وبمعايير باطلة.

وإن المرأة من الثوابت التي يثير أعداء الاسلام قضاياها لأن إفساد المرأة إفساد للأسرة التي هي الأساس الأول للمجتمع فإذا أضيف إليها إفساد اللغة وإفساد العقيدة وافساد الأخلاق سهل الأمر عليهم إذاك، لضمان تدهور الأمة وتقويض دعائم نهضتها وبذلك يتم الاستحواذ عليها بإغراقها في الديون والشهوات وسمسرة الضمائر ورواج الخيانة والتفريط في حق الأمة وبيع دعائمها الاستراتيجية..

وعوضاً من التصدي الجماعي لرد الشبهات والصراع مع طواحين الهواء ومصارعة الخرق الحمراء التي يحركها ويُلوح بها “المصارعون” من وراء حجاب -عوضاً من ذلك يجب الاهتمام ببناء المجتمع عنطريق بناء الأسرة جميعها وترسيخ دعائمها وتوثيق عراها بمناهج سليمة وأساليب متطورة عظيمة وفي ميادين فعالة ومتنوعة، ويجب إعداد الزوجة الصالحة والزوج الصالح، ولا يحتاج الأمر إلا إلى العزيمة والإخلاص والتحدي والاصرار على العمل في الميادين المتاحة بعيداً عن ردود الفعل المشار إليها سابقا وهناك أكثر من وسيلة وطريقة.

وبدلاً من الانسياق وراء أساليب المكر التي تشغلنا عن البناء يجب أن تُبذل الجهود في التأمين والتحصين والتطوير وتكثير النماذج الصالحة والتشجيع على انتشارها هنا وهناك فالمهم عندنا هو “الحصانة” و”المناعة” وإتقان صنع “النماذج” الحية والصالحة وتوالدها وتلاقحها وتهييء التربة المناسبة لنموها وتعهدها وإحاطتها بالصالح والمفيد لازدهارها وتوجيه الفكر والرأي والإرادة والوعي إلى الاندماج في العمل الجاد والمنتج والقادر على كسب الرهان مع تكثيف الجهود وتنظيمها وتكاملها..

أما الميادين التي يجرنا إليها مكر الليل والنهار لاستهلاك الجهود في الكلام والأموال في الضياع والحركات في المتاهات فقد ظهر جلياً ما حصدناه منها من خيبة وعجز وهزيمة ومزيد تخلف.

ولا ضير أن يكون من صميم التخطيط أن يسلط على “أولئك” وأذنابهم ما يشغلهم عنا ويلهيهم عن محاربتنا {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}(البقرة : 194) إن للحرب علوماً وفنوناً وكذلك للصراع الحضاري والسياسي والثقافي، فكفى ما ضيعنا من جهد ومال ووقت، وكفانا غفلة عن التاريخ القديم والحديث وعما يدور علينا، وفي بلادنا من مؤامرات تزلزل الشم الرواسي وكفانا هذا الاعراض عن المطلوب منا في القرآن الكريم من القوة ما استطعنا  ومن رباط الخيل ما استطعنا حتى لا يعجزنا الذين كفروا الذين يُظنّ أنهم سبقوا..

فلنتحل بالجد والعمل ودعونا من ردود أفعال متخلفة عاجزة، و{من يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب}، {ومن يتوكل على الله فهو حسبه}.

د.عبد السلام الهراس

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>