ولدت وفاء إدريس بأحد معسكرات اللاجئين، وقررت المشاركة في النضال منذ اندلاع الشرارة الأولى للانتفاضة الفلسطينية ضد إسرائيل، وانفصلت عن زوجها بعد فشلهما في الإنجاب، و كان يتملكها الغضب والحنق خلال مشاركتها في نقل وتقديم المساعدات الطبية للفلسطينيين الجرحى من جراء الصراع الدائر حاليا. وفي صباح يوم الأحد الذي لقت فيه حتفها، أعدت السيدة إدريس البالغة من العمر 28 عاما كوبا من عصير الفواكة إلى بن أخيها المدلل ثم توجهت لتفجر نفسها إربا بالمنطقة التجارية بوسط القدس الأمر الذي أدى إلى مقتل إسرائيلي وإصابة عدد كبير آخر بجراح.
وبالرغم من كونه ليس مؤكدا عزم السيدة إدريس – الطبيبة المتطوعة التي تتسم بالبراءة وحب الأطفال – على قتل نفسها أو فقط زرع القنبلة ثم الهرب إلا أنه من الواضح أنها قد اتخذت قرارها بقتل أكبر عدد ممكن من الإسرائيلين في واحدة من أكثر الهجمات التي قامت بها إمرأة فلسطينية دمارا.
ويعكس الدور العنيف والمحوري الذي قامت به السيدة إدريس مدى اليأس المتزايد الذي يحل بالشعب الفلسطيني، وعزم المناضلين الفلسطينيين على الاستعانة بالنساء القادرات على اختراق حاجز الأمن الإسرائيلي لدرجة جعلت كافة الفلسطينيات، سواء من منهن على مرتبة عالية من التعليم أو الشابات الثريات، يتحدثن هذه الأيام كما يتحدث الرجال عن الرغبة في الموت لتحيقيق ذات الغرض.
إن اللقاءات التي عقدت مع بعض المقربين أكدت أن الحمى الوطنية لدى السيدة إدريس كانت الباعث الحقيقي وراء القيام بهذه العملية أكثر من تأثرها بالنزعة الدينية، فعلى الرغم من كونها مسلمة إلا أنها لم تكن ملتزمة بتعاليم الدين الإسلامي.
وقد ردد بعض الأقارب قول السيدة إدريس عن أمنيتها في الموت كشهيدة لاسيما وأنه عند رؤية الهجمات الانتحارية كانت تقول ” كم كنت أتمنى أن أكون من فعل ذلك “.
وأشارت أختها غير الشقيقة وسام إدريس البالغة من العمر 25 عاما إلى أنها لم تأخد ذلك الحديث على محمل الجد، مجيبة إياها ” لا، لا، لا فأنت مازلت شابة وأمامك الكثير لتحقيقه في حياتك “.
وأضافت وسام إدريس أنه على الرغم من كونها لا تعلم تماما هل ما فعلته أختها صوابا أم لا، إلا أنه قد يعد نموذجا يشجع فتيات أخريات على القيام بعمليات مشابهة.
جدير بالذكر أن خالد إدريس، الشقيق الأكبر لوفاء، يعد أحد قادة فتح المطلوبين لدى السلطات الإسرائيلية التي وضعته سابقا في السجن لنحو 10 أعوام.
وقد أعلنت كتائب شهداء الأقصى – التي يقول أعضاؤها أنهم موالون للسيد عرفات – مسئوليتها عن الانفجار.
وصرح المتحدث الرسمي باسم قوات الشرطة أن التأخير في إعلان المسئولية عن الحادث والسرية التيتفرضها إسرائيل على التحقيقات أدى إلى التأخير في الكشف عن هوية السيدة إدريس.
ووصفت كتائب شهداء الأقصى الهجوم، في بيان مصور أصدرته، بأنه “عملية استشهادية ” وهو ما يعني مهمة انتحارية على الرغم من عدم تأكيد الشرطة الإسرائيلية و أسرة السيدة إدريس لذلك بشكل قاطع حيث لم تترك منفذة العملية وراءها أي وثيقة أو شريط فيديو يصف الحادث، كما لم يتضمن الإعلان عن مسئولية الحادث أي تفاصيل دقيقة له الأمر الذي نقلته أيضا التقارير الإخبارية.
وبينما يؤكد أقارب وأصدقاء السيدة إدريس أنهم لم يكونوا على علم مسبق بمخططها، فإنهم يعتقدون أن هناك باعثا لذلك.
وأوضح خليل إدريس البالغ من العمر 35 عاما أن وفاء اعتادت أن تطالعه عند العودة إلى المنزل بما رأته في يومها سواء أكان شخصا يفقد ساقه أو رأس آخر ملقاه على الأرض أو مقتل طفل، مشيرا إلى أن كل ذلك تراكم داخلها.
وأكد أن شقيقته كانت تتسم بعقلية مستقلة وأنها اتخذت قرارها في سرية لتحقق شيئا هاما لها وللشعب الفلسطيني الأمر الذي قد يعد عملا اجتماعيا أو شيئا من هذا القبيل.
وقد واجهت السيدة إدريس المصاعب مبكرا حيث كان أبواها ضمن لاجئي رام الله إلى أن استوطنت إسرائيل المنطقة التي يحل بها المعسكر الذي يقيمون به عقب الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1948.
و توفى والدها منذ سنوات مضت وأقامت في ثلاث حجرات برفقة والدتها وشقيقها وزوجته وخمسة أطفال وبعض الطيور المنزلية التي تسير على أرض المنزل،بالاضافة إلى شهادتين معلقتين على الحائط أحدهما تفيد إنهاء فترة تدريبها كطبيبة والأخرى شهادة تقدير في ذات المجال.
وأشار أصدقاء وأسرة السيدة إدريس إلى أنها انغمست في موجة العنف قبل بدأ عملها الطبي حيث شاركت في المظاهرات ضد إسرائيل منذ إندلاع الشرارة الأولى للانتفاضة في أواخر حقبة الثمانينات و أوائل التسعينات.و في مظاهرة منهم فقدت إحدى صديقاتها المقربات عينها و أصيبت هي الأخرى بطلقة مطاطية خلال مساعدتها في نقل الحرجى من ساحة الصراع.
ونفت وصيفة مبروك والدة السيدة إدريس أن يكون الدافع وراء الهجوم الذي قامت به ابنتها نابعا من الصدمة التي أصيبت بها عقب إجرائها عملية الإجهاض وطلاقها من زوجها، مؤكدة أنها تعافت من هاتين المحنتين تماما.
وجلست السيدة مبروك على أرضيات منزل احدى صديقاتها ممسكة بصورة لابنتها كانت قد التقطتها بعد الطلاق وعقب انتهاء التدريب الذي كانت تتلقاه لكي تصبح متطوعة لدى جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني. وكانت السيدة إدريس تبدو في هذه الصورة رزينة وهادئة وشعرها الكستانئ يتدلي فوق كتفيها وهي تمسك بزهرة وشهادة التخرج في يدها اليمنى.
وتطرقت السيدة مبروك إلى حادث التفجير قائلة ” إننا فخورون به “، ” وكم كنت أتمنى أن يفعل كل رجل وامرأة مثلما فعلت “.
وأشار المتحدث الرسمي باسم الهلال الأحمر محمد عياد إلى أن السيدة إدريس كانت إحدى المتطوعات البالغ عددهم 3 آلاف في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد قررت مواصلة العمل أيام العطلات عقب احتدام الصراع داخل رام الله عقب صلاة الجمعة.
وأضاف : عمل السيدة إدريس كان إما داخل نطاق المستشفى وإما في سيارات الإسعاف.
وأضاف عياد أننا بالطبع أصبنا بالصدمة من جراء ما قامت به حيث أن عملنا يقوم في الأساس على حماية المواطنيين.
ولكن الشقيقين خليل وخالد إدريس أكدا أنهما يشعران بالفخر بما فعلته شقيقتهما وذلك بالنظر إلى نوعها، فهذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها امرأة بعملية انتحارية داخل إسرائيل، ولو أنها كانت تريد فقط زرع القنبلة فإنه لم يسمع من قبل عن إمرأة تقوم بمثل هذه المهام.
وقد قام رجال مقنعون بنقش عبارات التحية للسيدة إدريس وكتائب شهداء الأقصى على جدران الساحة التي تلقى فيها إخوتها العزاء.
وصرح مير ليتفاكزميل مركز ديان للدرسات الشرق أوسطية وأحد كبار الباحثين به أن السلطات الإسلامية لم تكن تسمح للنساء بالقيام بالعمليات الاستشهادية.
وأضاف ” أنه لم يكن ليسمح للنساء بتنفيذ العمليات الاستشهادية في ظل وجود رجال قادرين على القيام بها “.
وذكرت أسرة السيدة إدريس أنها أصيبت بارتباك وقلق بالغ على ابنتهم بعد اختفائها المفاجئ حتى حضرت قوات الأمن الفلسطيني يوم الثلاثاء إلى المنزل لتخبرنا أنها نفذت الانفجار الذي وقع بشارع جافا بوسط مدينة القدس.
ولم تذرف عينا والدتها السيدة مبروك دمعة وكررت أمام المراسلين الصحفيين أنها فخورة بنهاية ابنتها .
بقلم : جيمس بينت
ترجمة : طه محمود