قال تعالى : {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم}(الحديد : 11).
وقال تعالى : {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة، والله يقبض ويبصط وإليه ترجعون}(البقرة : 243).
ما أعظم ما يريده منا المولى الكريم! إنه يريد منا أن نقرضه من الأموال التي أنعم بها علينا، واستخلفنا فيها و آتانا إياها، وأمرنا بإنفاقها في طاعته فقال : {ءامنوا بالله ورسوله، وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه، فالذين ءامنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير}(الحديد : 7)
إنه القرض منك أنت أيها الإنسان الفقير الذي لا تملك شيئا، إلى الله الغني الذي يملك كل شيء، {وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض}، {والله الغني وأنتم الفقراء} قرض يضاعف الله لك فيه الأجر، ويجزل لك الثواب قال تعالى : {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم}(البقرة : 260)، ويبين النبي صلى الله عليه وسلم أن القرض القليل في سبيل الله كاللقمة ونحوها يكبر وينمو عند الله حتى يصير مثل جبل أحد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه، فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره، حتى إن اللقمة لتصير مثل أحد، وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده وياخذ الصدقات} و{يمحق الله الربى ويربي الصدقات}<(أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح) بل إن النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإنفاق في سبيل الله تعالى مبينا أنه مما يُحفظ به العبد من النار، ولو كان أقل القليل، وفي الحديث الصحيح : >اتقوا النار ولو بشق تمرة<.
ولقد بلغت هذه المعاني العظيمة، والأوامر القرآنية والحديثية الكثيرة خصوصا قوله تعالى في سورتي البقرة والحديد {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له…} سويداء قلوب كثيرة منها قلب الصحابي الجليل أبي الدحداح الأنصاري رضي الله عنه، فكان له معها موقف عجيب.
موقف أبي الدحداح رضي الله عنه :
روى ابن منده من طريق عبد الله بن الحارث وابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : لما نزلت هذه الآية {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له..} قال أبو الدحداح الأنصاري : يا رسول الله وإن الله ليريد منا القرض؟ قال : نعم، يا أبا الدحداح، قال : أرني يدك يا رسول الله، قال : فناوله يده، قال : فإني قد أقرضت ربي حائطي (الحائط = البستان) وله حائط فيه ستمائة نخلة! وأم الدحداح فيه وعيالها، قال : فجاء أبو الدحداح فناداها : يا أم الدحداح، قالت : لبيك، قال : اخرجي، فقد أقرضته ربي عز وجل< الإصابة في تمييز الصحابة 57/7 ومختصر ابن كثير 448/3 والجامع لأحكام القرآن 238/3.
- وقال زيد بن أسلم >لما نزل {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا..} قال أبو الدحداح : فداك أبي وأمي يا رسول الله إن الله يستقرضنا وهو غني عن القرض؟ قال : نعم، يريد أن يدخلكم الجنة به، قال فإني إن أقرضت ربي قرضا يضمن لي به ولصبيتي الدحداحة معي الجنة؟ قال : نعم، قال : فناولني يدك، فناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، فقال : إن لي حديقتين : إحداهما بالسافلة والأخرى بالعالية، والله لا أملك غيرهما، قد جعلتهما قرضا لله تعالى! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجعل إحداهما لله، والأخرى دعها معيشة لك ولعيالك، قال : فأشهدك يا رسول الله قد جعلت خيرهما لله تعالى، وهو حائط فيه ستمائة نخلة، قال : >إذن يجزيك الله به الجنة< فانطلق أبو الدحداح حتى جاء أم الدحداح وهي مع صبيانها في الحديقة تدور تحت النخل، فأنشأ يقول :
قالت أم الدحداح : ربح بيعك، بارك الله لك فيما اشتريت، ثم أنشأت تقول مجيبة له :
ثم أقبلت أم الدحداح على صبيانها تخرج ما في أفواههم، وتنفض ما في أكمامهم، حتى أفضت إلى الحائط الآخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم >كم من غدق رداح ودار فياح لأبي الدحداح< الجامع لأحكام القرآن 238/3.
امحمد العمراوي
—————
(1) بيني : من بان.