مقالة مترجمة : مستقبل المغرب بعيون غربية دراد فورد ديلمان(ü)


تعليقا على عزم الملك الراحل الحسن الثاني إدماج المغرب في منطقة التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي، تساءل أحد الصحافيين المغاربة : “إلى أين يمكن أن نولي وجوهنا،؟ فهناك مجاعة في الجنوب، ومذابح في الشرق والمحيط في الغرب، يبقى الشمال هو ملاذنا الوحيد”.

فالمغرب وهو يعيد تحديد موقعه في عالم الألفية الجديدة، هل يا ترى سيميل أكثر إلى أوروبا مضعفا بذلك جذوره في العالم العربي، ومبتعداً أكثر فأكثر عن هموم ومتاعب إفريقيا؟

إن العولمة ستدفع بالبلاد حتما في اتجاه جيرانه في العالم الغربي الحر المصنّع عبر مضيق جبل طارق، ومع ذلك ستستمر هذه المملكة الواقعة على مفترق العديد من الحضارات، في تولية وجهها شطر العديد من الاتجاهات في نفس الوقت، فهويتها المستقبلية سوف تعتمد بالأساس على كيفية ومدى استجابة سياسييها ومواطنيها لضغوطات العولمة بخصوص الديموقراطية والاصلاحات الاقتصادية وتنمية الموارد البشرية. من خلال موازنة واستيعاب كل التأثيرات الثقافية والسياسية والاقتصادية من قِبل المناطق المحيطة به، فإن المغرب قد يبقى واحداً من أكثر بلدان العالمين العربي والافريقي أمنا واستقراراً وتعددية.

فإلى أي نمط من المستقبل السياسي يتجه المغرب وهو يواجه تحديات الديموقراطية؟ ففي الوقت الذي تتشبث فيه الأنظمة العربية ذات الحزب الواحد بالحكم عن طريق سحق المعارضة، فإن المغرب اتخذ لنفسه مساراً مختلفا تماماً، فالانتخابات البرلمانية لسنة 1997 كانت استثنائية باعتبار نزاهتها وحريتها، وهي التي أعطت الفوز لتحالف أحزاب المعارضة بـ ثلث مقاعد البرلمان.

في المغرب خمسة عشر حزبا تمثل الاشتراكيين والملكيين والوطنيين والأحرار الجدد والبربر والاسلاميين، فكلهم يحتلون مقاعد في مجلس البرلمان، فالحكومة الحالية يقودها الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي وهو زعيم يساري قديم لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والمجتمع المدني سيستمر في الازدهار والتألق، فقليل من الدول الافريقية والعربية استطاعت أن تحقق أفضل ما حققه المغرب في مجال حقوق الإنسان، وعودة المنفيين والمعارضين السياسيين.

الملك الجديد محمد السادس تحدث طويلا عن أهمية اصلاح التعليم والادارة ومحاربة ظاهرة الفقر والبطالة، وكثرة من النخب السياسية في المغرب تأمل بأن الملك سوف يعمل على تحويل الملكية الدستورية من ملكية تحكم الى ملكية تسود فقط، وعلى الأرجح فإن الملك الشاب سيتمر على نهج والده السياسي في البحث عن عضوية رسمية للانضمام إلى السوق الأوروبية.

هناك جزء معتبر من المجتمع المغربي يجد هويته الحقيقية في انتمائه الى الاسلام المحافظ، فالشيخ عبد السلام ياسين زعيم الحزب الاسلاميالعدل والاحسان، والذي كان تحت الإقامة الاجبارية لمدة سنوات يمثل الجانب المتطرف لهذا التصور العام. ففي شهر نوفمبر 1990، هاجم عبد السلام ياسين بشدة الفساد والظلم المتمثل في الادارة والنظام، داعيا بهذا الخصوص الى ضرورة اعتماد ديموقراطية تمكن المغاربة من حق اختيار حكومتهم بكل حرية، ويضيف بأن على البلاد أن تتجنب الديموقراطية الممنهجة والمعتمدة على العلمانية والتنكر للقيم الروحية الاسلامية.

غير أن نظرة اسلامية للمستقبل مغايرة كتلك التي يتبناها حزب العدالة والتنمية بزعامة عبد الكريم الخطيب وهو حزب أكثر اعتدالاً، لا ينبغي أن يؤول تلقائيا كتهديد لتحويل المغرب إلى جزائر أو إيران أخرى، إن الأسرة الملكية سليلة النبي محمد وهي تتمتع بقدر كبير من الشرعية الدينية لدرجة أن معظم الصحف الناطقة باسم الاسلاميين في المغرب تدعو إلى مزيد من الحرية السياسية وتحكيم القانون والاصلاحات الاقتصادية الجذرية، ولذلك فهي تدعم الديموقراطية أكثر من تهديمها، فكثير من التعبيرات الاسلامية تتماشى مع -إن لم تكن مدعمة للتقارب- في اتجاه القيم والممارسات والمعايير الأوروبية.

تبقى هناك كثير من التحديات السياسية، فالنظام الملكي لم يتخل بعد عن التحكم في أهم السياسات والمؤسسات والمواعيد، فالجهاز الاداري تسوده الفوضى والأحزاب السياسية منقسمة على بعضها داخليا، ومع ذلك فالبلاد تبتعد وبسرعة عن نمط العديد من أنظمة الحكم العربية والافريقية والتي تتميز بالقهر وعدم الاستقرار بالاضافة إلى الانقسام العرفي والديني، انتخابات تنافسية، وحماية للحقوق المدنية وصحافة متفتحة، كل هذه العوامل تدفع بالمغرب باستمرار وبإصرار قوي نحو مستقبل أوروبي أكثر ديمقوقراطية.

فالمغرب في مواجهة ضغوطات الأسواق العالمية وحكومات الدول الصناعية المتقدمة من أجل الاصلاح، فأي نمط من المستقبل الاقتصادي ينتظره؟

كبداية فالمغرب شأنه شأن الدول الإفريقية، سيُحافظ ولعقود قادمة على اعتمادة على الفلاحة (40% من القوة العاملة توجد في المزارع).

المنتوجات الأولية كالفوسفاط والسمك سوف تكون صادرات مهمة، كما أنه من الممكن أن يحافظ على سيطرته على أهم رابط يربطه بافريقيا والمتمثل في الصحراء الغربية (100000 ميل مربع) والتي أصبحت في ملكيته منذ 1975، والتصرف خلاف ذلك سيكون بمثابة انتحار سياسي بالنسبة لأية حكومة، بالإضافة إلى هذا، ففي مقابل الرمال والمعادن والمياه الغنية بالصيد، فالمغرب سيستمر في تقويض تبادله التجاري مع الجزائر وتحويل نفقات هائلة نحو التسلح..

كباقي دول العالم العربي، يعاني المغرب من ارتفاع الديون الخارجية والبطالة والحواجز الوقائية. فالاصلاحات لازالت بطيئة، فعلى الرغم من وجود اتحاد المغرب العربي الشهير جداً  (منذ 1989)، فإن نسبة التبادل التجاري بين دول المغرب لم تتجاوز نسبة ثلاثة في المائة، مجسدة بذلك أضعف نموذج للتجارة المناطقية (البيئية) في أي تكتل محلي في العالم.. وتوقعات خلق منطقة عربية للتجارة الحرة ليست بأحسن حال. ومع ذلك فالاقتصاد المغربي يملك امكانيات كبيرة بناء على تقاليده العريقة في المقاولة والادخار الخاص، فسوق السندات المالية لعب دوراً جيداً ومن المنتظر أن يحقق نموا مضطرداً . والخوصصة وهي تتطور بوتيرة أفضل وأسرع من أغلب الدول العربية، قد تعرف دفعة قوية من خلال مشروع خوصصة كل من الخطوط الجوية الملكية المغربية واتصالات المغرب. فالمملكة قد لا تربح كثيراً بانضمامها إلى الشرق الأوسط وافريقيا، وهما من أكثر المناطق التجارية العالمية تهميشا، فمصيرها الاقتصادي يبقى مع أوروبا، فالمغرب يروج حاليا ما نسبته 65% من تجارته مع أوروبا، وجزء كبير من الاستثمارات الخارجية تأتي من الشمال، وعدد السياح الأوروبيين بلغ (2 مليون سنة 1999) وهم ينتشرون من الجنوب إلى جبال الأطلس، وشواطئ أگادير ستعرف ازدهارا ريثما يتم إنجاز استثمارات سياحية أوروبية جديدة.

اتفاق الشراكة الذي عقده المغرب مع الاتحاد الأوروبي سنة 1996 والذي دخل مؤخراً حيز التنفيذ، يربط مستقبل البلاد بأوروبا وهو يُلزم المغرب بتخفيظ التعريفات الجمركية بشكل تدريجي إلى حدود سنة 2010 حيث انطلاق التجارة الحرة بشكل أساسي. ثلث الشركات المغربية سوف تختفي عندما تبدأ المنتوجات الصناعية الأوروبية تدخل بدون رسوم جمركية، وحتى المتبقية من هذه الشركات عليها أن تعيد بنياتها وتصبح مثل الشركات الأوروبية، وفي حالة ما إذا خفظ الاتحاد الاوروبي من حواجزه الجمركية أمام الصادرات الفلاحية المغربية، فإن الاقتصاد المغربي سوف يصبح تقريبا مندمجا مع الشمال، عندها يصبح العالم العربي وجنوب الصحراء الافريقية والولايات المتحدة شركاء اقتصاديين مهمشين.

السؤال هنا هو إلى أي مدى يعمل المغرب على تنمية موارده البشرية في عالم اقتصادي معتمد على المعلومات ومتطور باستمرار؟.

إن ارتفاع نسبة البطالة والأمية سوف يؤخران النمو، وضعف التعليم العمومي، والنقص في المدارس الخصوصية والمحدودية في انتشار الانگليزية كل هذه العوامل سوف تقف عائقا أمام التأقلم مع العصر الكوني المعتمد على المعلومات. ومع ذلك، فهناك ما يدعو إلى التفاؤل ذلك أنه -حسب ما يراه البنك الدولي وأغلب المنظمات غير الحكومية- إذا كان أضمن طريق بالنسبة للدول الفقيرة نسبيا لإحداث نمو طويل المدى هو تحسين مستوى حياة وحقوق النساء، فإن مستقبل المغرب يبدو مشرقا، من بين الدول العربية، فتونس ولبنان والكويت هي فقط التي بها نسبة خصوبة متدنية وتتزوج النساء الشابات في سن متأخرة وعندهن أطفال أقل، كما هو الشأن في أوروبا، هناك أيضا نسبة 43% من القوة العاملة ا لصناعية من النساء، في السنة الماضية كشف سعيد السعدي كاتب الدولة المكلف بالرعاية الاجتماعية والطفولة عن خطة من أجل الرفع من حقوق المرأة من خلال الرفع من الحد الأدنى لسن الزواج من 15 إلى 18 سنة ومنع التطليق من طرف الرجل فقط، وتقسيم الثروة بالتساوي بين الزوجين في حالة الطلاق. في شهر مارس نظم الاسلاميون مسيرة حاشدة احتجاجا على الخطة في الدار البيضاء وشارك فيها قرابة 200000 متظاهر. ومع ذلك خرجت المنظمات النسوية في مظاهرات مضادة في مدينة الرباط استطاعت أن تستقطب نفس العدد من المتظاهرين تقريباً. فالدول العربية ناذراً ما تعرف مثل هذه التظاهرات الشعبية السلمية للتعبير عن الهوية خاصة من طرف جماعات تدافع عن المساواة وفق النمط الأوروبي.

بالإضافة إلى هذا، فهناك ما يقارب مليون مغربي يعيشون في أوروبا بصفة قانونية ويبعثون بحوالات مالية ضخمة لعائلاتهم في المغرب، فالقيم الثقافية والمهارات التي يتعلمونها في أوروبا ستنتشر وبشكل أكثر عند عودتهم إلى بلادهم باعتبار سرعة وسهولة التواصل بين الشعوب، ففي كل صيف ترابط بشري هائل بين أوروبا والمغرب، مئات الآلاف من المغاربة القاطنين في أوروبا يتقاطرون عبر مضيق جبل طارق، بسياراتهم على متن العبارات إلى شمال المغرب. وفي غضون عقد من الزمن أو يزيد سيمكن لهؤلاء السفر بسياراتهم تحت المضيق في حالة ما استمر انجاز تصاميم النفق الضخم على امتداد 17 ميلا. فمنذ 1995 يقوم المغرب واسبانيا بانجاز دراسات حول امكانيات التنفيذ، وقد تم بالفعل تجريب ثلاثة أنفاق استكشافية، كالبداية هناك نفق بسكك حديدية بتكلفة 4 مليار دولار سوف يأتي بعدد أكبر من المنتوجات واليد العاملة المغربية في اتجاه الشمال، ويأتي في نفس الوقت بعدد أكبر من السياح والرأسمال الأوروبي في اتجاه الجنوب.

يعتقد اندري أزولاي المستشار الاقتصادي للملك، بأن المشروع حتمي ولا يمكن تجنبُه بأي حال من الأحوال.

“فجغرافيا وتاريخيا وثقافيا فإن المغرب أقرب إلى أوروبا الغربية منه إلى أوروبا الشرقية، فمضيق جبل طارق مجرد حادثة جغرافية”.

ختاما، فإن مستقبل المغرب لا يعتمد فقط على توجهات المغاربة أنفسهم وإنما يعتمد كذلك على نظرة المناطق المحيطة به إليه. فاستمرار امتلاكه (its continued occupation of) للصحراء الغربية (western Sahara) لا زال ينَفِّر (alienate) منه بعض الانظمة الافريقية وكذلك ارتباطاته العسكرية مع الولايات المتحدة الأمريكية وموقفه المعتدل من قضية الصراع العربي الاسرائيلي يُبعد عنه بعض الدول العربية، فالجزائر لها تاريخ من المشاكل مع المملكة، لكن ملك الأردن عبد الله الثاني والشيخ حمد أمير دولة قطر، وهما جزء من جيل جديد إضافة الى الملك محمد السادس من ملوك متفتحين وذوي ثقافة عربية، لهم أكثر من سبب لتوثيق علاقات جديدة مع المغرب، المواقف الأوروبية من المغرب تصبغُ أحياناً بمسحة من العنصرية والمخاوف من الهجرة غير القانونية والنزاعات حول حقوق الصيد، والصادرات الفلاحية، والاحتلال الاسباني لمدينتي سبتة ومليلية، كل هذه الأشياء تكدر أحيانا أجواء العلاقات المغربية مع الاتحاد الأوروبي، ومع ذلك فقد كشف استطلاع للرأي أجري مؤخرا في فرنسا أن ثلاثة أرباع من المواطنين الفرنسيين يحملون نظرة إيجابية عن المغرب، و88% لهم رأي جيد عن الملك محمد. في الوقت الذي يضع المغرب مستقبله مع الشمال، فربما سيرى الأوروبيون شخصية أكثر ألفة وهم ينظرون جنوبا.

ترجمه عن الانجليزية :

ذ. عبد القادر لوكيلي

———

(ü) دراد فورد ديلمان : أستاذ مساعد للعلاقات الدولية بجامعة كوك باستمبول، تركيا، صاحب كتاب الدولة والقطاع الخاص في الجزائر : سياسة البحث عن الكراء والنمو الفاشل.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>