مجرد رأي : اسْتِفراد واسْتبداد


… انهار الاتحاد السوفياتي، وسقط جدار برلين ومعهما تصدع نظام توازن القوى في العالم، واستفردت الولايات المتحدة الأمريكية بتسيير دفة الحكم على الكرة الأرضية دون حسيب ولا رقيب تُحيي من تشاء وتُميتُ من تشاء ولا مُعقِّب لحكمها!!، فحتى الأمم المتحدة وما تناسل عنها من تنظيمات ومحاكم وأجهزة أصبح دورها يقتصر على التوقيع على كل ما اتخذته أو ستتخذه الولايات المتحدة من قرارات وترتيبات، فأصبحت هذه الأمم المتحدة” في الواقع أمة موحدة وواحدة تلهج بحمد أمريكا أناء الليل وأطراف النهار، فتحوّل بذلك دورها من راعية الأمن والسلام في العالم إلى سكرتارية تابعة للبيت الأبيض الأمريكي.

ولا يستطيع المرء منا أن يحصر الوقائع الدالة على هذا الكلام نظراً لكثرتها وتشعبها.. ومع ذلك سأسوق بعضا منها خاصة في الآونة الأخيرة :

أ- في حرب الخليج الأولى والثانية، تم استخدام الأمم المتحدة خاصة مجلس الأمن التابع لها للتوقيع على قرارات أمريكا لضرب العراق، لحشد التأييد للازم لذلك دون الرجوع وبشكل “ديموقراطي” إلى باقي الأطراف والدول الأعضاء.

ب- في الصراع العربي الإسرائيلي يتم أيضا استخدام مجلس الأمن لاستصدار القرارات المنحازة وبصلافة مكشوفة لاسرائيل، وفي هذا الإطار وموازاة مع ما سبق يتمّ استخدام الفيتو لعرقلة أي قرار دولي من شأنه أن يدين اسرائيل أو حتى يخدش “كرامتها” وينعتها بنعوت لاتليق بها.

حدث ذلك مرات متتالية في كل مرة يتجرّؤ العرب والمسلمون ومن يتعاطف معهم من المستضعفين على وصف -مجردوصف- اسرائيل بالارهاب أو ما شابه ذلك.

وحدث أيضا ولمرات عديدة رفض مقترح تقدمت به السلطة الفلسطينية والمجموعة العربية والاسلامية في الأمم المتحدة يطلب من المنتظم الدولي إرسال قوة أممية لحماية الشعب الفلسطيني من المجازر اليومية الصهيونية. وبالرغم من المظاهرات والانتقادات العديدة من قبل المنظمات الحقوقية العالمية، والتي تظاهر بعض أعضائها في شوارع فلسطين المحتلة، فأمريكا لا تسمع إلاّ لاسرائيل حتى وإن أبيد الشعب الفلسطيني عن آخره لاقدر الله.

وأمريكا عودتنا ألا تسمع وتستجيب لمنظمات حقوق الإنسان إلا عندما تريد أن تمارس ضغوطاً على دولة من الدول أو لتحقيق مكاسب معينة والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى (مصر -السعودي -ايران..).

أما عندما يتعلق الأمر باسرائيل وحماية أمن اسرائيل فهي لا تسمع إلى هؤلاء المشاغبين في نظرها حينئذ.

فلا تسمع إلا لصُراخ اسرائيل ولا تأتمر إلا بأوامرها، وليمت جميع أطفال فلسطين وليشرب عرفات “من ماء البحر الميت”! واستكمالا لصورة الانحياز المكشوف لاسرائيل، تنسحب أمريكا من مؤتمر مناهضة العُنصرية المُنعقد في دوربان السنة الماضية، بعدما تبين أن هناك نية لتصنيف اسرائيل ضمن الدول العنصرية، انْسحبت ولكن بعدما خلّفت وراءها من ينوب عنها في الضغط على الدول العربية والإسلامية للعدول عن الفكرة أو تلطيف صياغتها في أحسن الظروف، وطبعا لا داعي للقول بأن الضغوطات أفلحت مع الأشقاء العرب كالعادة وعُدنا من “دوربان” بلا وِجدان و(يادار مدَخْلك شرْ) على الرغم من أن أزيد من 400 منطمة غير حكومية ساندت قضايانا طيلة أيام المؤتمر!!

ونشتكي ونتبرم بعد ذلك من الغطرسة الصهيونية والانحياز الأمريكي المكشوف!!

… هكذا إذن تبدو الصورة قاتمة في ظل الاستفراد الأمريكي بالأمور بعدما اختلّ التوازن الذي كان المستضعفون من أمثالنا يتفيّؤون في ظله وكان حالهم يومئذ أحسن من حالهم اليوم.

لا أقول هذا الكلام حبا في الاتحاد السوفياتي البائد والذي انهار بأيادي المسلمين مع الأسف.. لا أقول هذا الكلام حنينا على نظام بائد وإنما حرصا على أمن واستقرار الشعوب المستضعفة ومنضمنها شعوبنا الاسلامية والعربية وحالها اليوم لا يسرُّ عدوّا ولا صديقاً، تُسامُ الخَسف والهوان يُجوّع أبناؤها وتُسبى نساؤها ويشرد شبابها ويفرض عليها ما يناقض قيمها ودينها مزيداً في إذلالها وإبعادها عن ماضيها المشرق، يتم ذلك مع الأسف الشديد بتسخير ثِلة من أشباه المثقفين والمفكرين باعوا أنفسهم وضمائرهم بثمن بخس مكافآت وامتيازات معدودة هؤلاء الناعقون والمغرّدون خارج سرب هذه الأمة هم معاول الهدم لمقدسات وثوابت هذه الأمة نيابة عن أسيادهم مع الأسف الشديد. حتى أصبح الواحد منهم يردد ما يقوله الأسياد ويروج لأفكارهم بشكل يفوق بكثير ما كان ينتظره هؤلاء الأسياد!!

والغريب حقا أن بعض هؤلاء المرتزقة كانوا بالأمس القريب لا يألون جهداً في انتقاد الغرب واسرائيل ورميه بأقذع الصفات (الأمريالية العالمية.. الرأسمالية المتوحشة -الصهيونية العنصرية.) حتى أنهم قالوا فيهم ما لم يقله مالك في الخمر.. وسبحان مُقلب الأحوال ولله في خلقه شؤون.

> ذ. عبد القادر لوكيلي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>