خطب منبرية : جريمة الربا


الخطبة الأولى

إن من أخطر مداخل الشيطان على الإنسان المسلم بابان : باب استصغار الذنوب وباب إ رجاء التوبة، بابان اثنين لإبليس -أعاذنا الله وإياكم منه- يدخل منهما على الإنسان المسلم وله أبواب غير ذلك كثيرة إلا أن الذي يهمنا ههنا، وقد عمّت به البلوى بين كثير من المسلمين بل كثير ممن نحسبهم من أهل الصلاح والدين مع الأسف.، الباب الأول وهو استصغار الذنوب، وهو عند الله كبير، يرى الإنسان الذنب ويظهر له، أو إبليس يُظهر له، أو يوهم له على أنه ذنب بسيط صغير {وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم} وقد بينه الله في القرآن فيما يتعلق بالقذف، ونحن نذكر ذلك -إن شاء الله- قياسا على ذلك، ما هو أخطر وأعظم، وما هو أشد عند الله عز وجل من القذف، بل ومن الزنا نفسه، وهو ذنب الربا، عدد من المسلمين اليوم يظنون أن الربا أقلُّ شأناً وأقلُّ جرما من كثير من الذنوب. عدد من المسلمين يُوهم لهم إبليس أن الربا معاملة حرام نعم، ولكن ليست في درجة الكبائر الكبرى.

ألا وإني رأيت الكبائر ونظرت في وعيد الله المتعلق بها فما وجدتُ أشد وعيداً من الله عز وجل في الربا بعد الشرك بالله، وما وجدتُ جُرماً ولا ذنباً ولا مصيبة في الدين تصيب الإنسان بعد الشرك بالله أعظم من جريمة الرِّبا، ولذلك وجدنا في القرآن ذلك التعبير الشديد والوعيد الرهيب الذي يتعلق بهذه المصيبة، وذلك قوله سبحانه وتعالى : {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فاذنوا بحرب من الله ورسوله} ما وجدت تعبيراً أشد من هذا، ولا ترهيباً أخطر من هذا، ولا داهية في الدين ومصيبة في الإيمان والإسلام أعظم من هذه. سبق الخطاب بـ”اتقوا الله” {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا} جاء النهيبعد الأمر بالتقوى وخطاب القرآن عجيب، ثم جاء النهي بعد ذلك لأن النهي تعلَّق به وعيد شديد رهيب، فذكر لك العاصم أولا حتى لا تقع في المصيبة بعد. {اتقوا الله} هذا هو المطلوب الأول، فإن لم يكن هذا فإنك إذن مشمول بالخطاب {فذروا ما بقي من الربا إن كنتم مومنين} وتعلق شرط الإيمان التام بترك  هذا، فلا إيمان على الحقيقة ولا إيمان على الكمال والتمام لمؤمن لا يزال يأكل الربا أو يُوكِلُه، إما أنه يعطي الفائدة أو أنه يأخذ الفائدة، كلاهما كما سأذكر -بإذن الله- سواء في الجريمة عند الله عز وجل {فإن لم تفعلوا فذنوا بحرب من الله ورسوله} حرب، من يطيق حرب الله وحرب رسوله، من يستشعر ذلك ولا يرتعد خوفاً ويزّلزل هلَعاً، إلا أن يكون قلبُه من حجر أو صخر أو يكون أبْلد من بهيمة الأنعام.

المؤمن الحساس، الشاعر بالإيمان، يخاف من مثل هذا الخطاب، بل يرتعد قلبه ويرتعش إذ يسمع هذا الكلام ومِمَّن؟ من رب العزة، من رب الكون، من القدير -سبحانه وتعالى- على أن يخسف بالمرابي، وعلى أن يعذّبه في الدنيا وفي الآ خرة، وإنما هو يمهله، ويظن الأحمق أن المال قد بُورِك فيه بسبب الربا {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} لن يكون في حياته مرتاحاً، وإنما يتخبّط دائما، كل حاله : الاجتماعية، والنفسية، والمادية… كلها لا استقرار لها، يتخبط لا يأخذ توازنه، مرة رأسه إلى الأسفل ورجليه إلى الأعلى، مرة إلى اليمين، ومرة إلى اليسار، لا يجد راحة ولا استقراراً نفسيا، لا يجد الراحة سواء في ماله أو تجارته التي يمارس فيها الربا، ولن يجد لذّة ولامتعة المال الذي يعمل فيه بالربا. ولا يجد الراحة أو المتعة في أهله وأسرته، لا يجد الراحة ولا المتعة في حياته الاجتماعية عامة، ولن يذوق طعم الإيمان حقا، لا في صلاته ولا ركوعه ولا سجوده، يبقى مفتونا، نسأل الله العافية {لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} {لا يقومون} يعني لا يستقيمون، قام يقوم أي استقام. لا يستطيع أن يمشي مستويا إلا بالشكل الذي يقع للإنسان المتخبّط، الذي لا يستوي على طريق، ولا يستوي على حال في ماله وعمله وحياته جميعا، ويوهمه الشيطان، وعذابه في جمعه ذاك، وشقاؤه في لمِّه المال ذاك، ثمّ يعيش الإشكال وهو لا يدري “وأخو الشقاوة في الجهالة ينعم” يعيش في الشقاء، في الجحيم، في العذاب وهو لا ينتبه لحاله لمَ؟ لأن الذي ألِف استنشاق الروائح الكريهة لا يميز بين الحق والباطل، لا يميز بين القبيح والحسن، هو الذي ألِف شمّ الروائح النَّتِنَة الروائح الكريهة، ذاك الذي ألِف أنفه أن يشمَّهُ، فلذلك رائحة كريهة وأخرى كريهة تحيطه من أعلى ومن أسفل، عن يمين وعن شمال، من أمام ومن خلف.. يعيش فيها، ويعيش بها، فإنه لا يستطيع أن يفهم ولا يشعر أنه يعيش في مكان نَتِنٍ أما الذي ألِف الطيِّب، إذا اقترب من الخبيث أحسّ بخبثه أما الذي نشأ في خبيث أو طال عهده ويتعامل بالخبيث فإنه لا يشعر به، ويعيش في شقاء وهو جاهل به {لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} وإبليس اللعين يوهمه على أنه بذلك في مشكل بسيط، لأنه غير حاسّ، يعيش في وسخ ونتونة، لا يشعر بالمشكل الذي هو فيه، والنبي صلى عليه وسلم بيّن واقع الخطاب القرآني، وخير بيان للقرآن بعد القرآن سنة الرسول صلى عليه وسلم يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وأحمد وغيرهما : >لعن الله آكل الربا وموكله< اللعنة هذه ربانية ونعوذ بالله من لعنة الله، وتعلمون أن لعنة الله إنما تقع على من غضب الله عليه، اللعنة الربانية لا تقع إلا على من استحقّ غضب الله، وقد وقعت على بني إسرائيل من قبل إذ غضب عليهم ولعنهم ،فاللعنة تابعة للغضب، فما بالك بغضب الرب إذ يغضب عليك أيها المؤمن، أيّ أرض تقلك وأي سماء تظلك، أين تجعل نفسك >لعن الله آكل الربا وموكله< كم من أحد يتوهم فيقول : ذنبي أنا صغير لأنني لا آخذ الربا أنا أعطي الفائدة، كلاهما “لعن الله آكل الربا” الذي أعطي الفائدة أو أخذها، وما هي بفائدة! بل هي ربا، هي مصيبة لا فائدة فيها في الدنيا أولا وفي الآخرة بعد ذلك،  >لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه< الذي حضر العقد “Contrat” عقد الربا، من شهد على ذلك، وكان عليه وثيقة، يعني هو وثق بشهوده ذلك العقد، و”كاتبيه” أو “كاتبه” في رواية أخرى >لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه< هم فيه سواء. هذا قول الرسول صلى عليه وسلم الآكل والموكل والشاهد والكاتب، هم سواء في المصيبة، والجرم، وفي حديث صحيح آخر يقول صلى عليه وسلم : >الآخذ والمعطي سواء في الربا<، وعنه صلى عليه وسلم أنه قال : >درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم، أشد عند الله من ستِّ وثلاثين زنية< بل الأدهى من ذلك والأمر والأخطر قوله صلى عليه وسلم : >إن الربا إثنان وسبعون حوباً< والحوب الذنب العظيم. الربا 72 بابا من أبواب الذنوب الكبرى، وفي رواية >ثلاثة وسبعون حوبا< أو باباً في رواية أخرى صحيحة، أدناه كالذي يأتي أمه في الإسلام< ويعرف ما يصنع. ما فائدة هذا الغنى الذي يحصل بواسطة الربا، والمصيبة التي تجعل الإنسان يستصغر الذنب والتي تجعله يُرجئ التوبة، ولن يتوب، لماذا؟ لأن الربا أشبه ما يكون بالمخدّر، المدمنون على المخدرات -والعياذ بالله- حينما يتناولونها وتربط بأعصابهم يصبحون عبيداً لها، لايستطيعون الانفكاك عنها، كذلك المال الحرام، واللحم الذي ألف أكل مال الحرام والدم الذي ألِف الغذاء بالمال الحرام يصبح عنده إدمان، يصبح عنده من الصعب جدّاً ترك المال الحرام، يعظم عنده أمر التوبة فيحتال على نفسه فيكذب عليها ويكذب عليه الشيطان، فيقول له هذا أمر لا بأس به سيأتي يوم نحجّ فيه ونعتمر ونتوب.. وهذا استهزاء وسخرية بالله، أأنت الذي تقدر عمرك، أأنت ترجئ من أىامك  كما تريد حتى تتوب، حتى تحج وتعتمر، أأنت تفعل ذلك! والله قدّر من الأعمال ما قدّر، أنت تأتي الأبناء الأبرياء بالسّم، تغذيهم بالسّم وتعشيهم بالسّم وتكسيهم بالسم، ما الذي صنعه أبناؤك لك كي تغذيهم بهذا المال الحرام في الدنيا، وقد رأينا بأمّ أعيننا من أطعم أبناءه الربا فتحوّل ذلك الربا إلى أمراض قاتلة فتاكة في أبنائه، وهو مشاهد، يكون في منزله الزلزال النفسي وعدم الاستقرار الاجتماعي، إما أن يظهر له في زوجه سوء خلق مصائب وكوارث من سوء الأخلاق في زوجته، من خلال فساد ابنته أو بناته أو مرض أطفاله أو اضطراب شأنه، أو لم يقل الله {فذنوا بحرب من الله ورسوله} أما الحرب من الله فمن مثل هذا وعذاب  يوم القيامة، نعوذ بالله من عذابه، أما الحرب من رسوله فاللعنة استحقها آكل الربا وموكله، من لدن محمد صلى عليه وسلم وقد ثبت في الصحيح في سنن النسائي، وهو صحيح الإسناد : >آكل الربا وموكله وشاهداه وكاتباه والواشمة والموسمة للحسن<، ومن “الرجال” أيضا مما صنعه سفهاء الشباب في هذا العصر، الذي فعله في جلده والذي وُشم له والذي خططه وحفره، ولاوي الصدقة -الذي وجبت عليه الزكاة لكنه يتحايل عليها، أو يأكل أغلبها، بسبب اللّي، ليس الذي امتنع عن إخراجها، فهذا كلام آخر، فهؤلاء مع الأسف من المصلين، من المزكين، لا يُخرج تلك الزكاة إلا بعد مماطلة.. كل هؤلاء ملعونون على لسان محمد يوم القيامة، والحديث صحيح الإسناد، كما قلت أخرجه النسائي، إذا لعن الإنسان على قول الحق وبقول الحق سبحانه، لعن على لسان محمد، وبئس من لعن على لسان محمد، يوم القيامة، يوم الشفاعة، الناس المسلمون يجرون  إلى سيدنا محمد صلى عليه وسلم يطلبون الشفاعة، فإذا جئت تستشفع من صاحب الشفاعة والوسيلة قابلك بدل الشفاعة بلعنة، مصيبة هاته، {فذنوا بحرب من الله ورسوله} نسأل الله العافية فلذلك فالإنسان الأحمق الجاهل هو الذي لا زال طامعا في الغنى عن طريق الربا، ونعرف أن كثيراً من الناس إنما يُدخلهم إلى الربا قلة الورع وليست الضرورة، الضرورة مقدرة بقدرها، كما قال الفقهاء، وقد رأينا بعض الصالحين -نحسبهم كذلك إن شاء الله- كانوا يسكنون قصوراً، وباعوا تلك القصور وسكنوا في منازل صغيرة لكي يتخلصوا من ذلك الربا ويرتاحوا منه، بئس تلك الأموال التي تجعل الإنسان يشقى وهو يظن أنه في نعيم، فالشيطان يوهم الإنسان مادامت تلك الأموال مجموعة، ماذا يستفيد من ذلك المال في نفسه وفي أبنائه كم هو هذا الخطأ الكبير الذي جعلنا إبليس نتوهمه، ينبغي للمؤمن أن يتخفف، ألا وإنه لا يجوز أن يستغني الإنسان بالربا، لا يطلب المسلم الغِنى بالربا، ولا تتفوّق التجارة بالربا، ألا إن التجارة بالربا لا تنجح أبداً، إما أن نصدقكم وإما أن نصدق نبيّنا. واحد من اثنين الرسول صلى عليه وسلم يقول في الصحيح : >ما من أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة< والحديث ثابت صحيح، أي واحد يُبهره الربا، يأكله الربا، فكل من مدّ عنقه إلى الربا هَلَك، وتكون عاقبة أمره إلى قلة ينتهي أمره بفقر شديد، والله لقد رأينا الناس الذين جمعوا المال بالربا، ماتوا على فقر شديد، ولكن لا يُوهمك الشيطان أن الفقر هو عدم امتلاك ولو درهما، فقد رأينا ناسا لهم أموال ولكن لا يستطيعون الاقتراب منها، الله أخرج أبناءهم عفاريت إذ تركوا أباهم يموت يتقطّع ولا من يسقيه جرعة ماء، يموت فقيراً معذّبا والمال مكدس، عمارات ومنازل، وشركات وأبناؤه ينتظرون متى ينتهي أمره فيرتاحون منه، هكذا يعتقدون لكي يتكالبوا على التركة، هذا عاقبة أمره إلى فقر وإنه لأقبح فقر وأشد فقراً وهواناً في الدنيا قبل الآخرة، وكثير ممن آل أمره إلى مرض في بدنه. وقد اشتكى إليّ بعض الناس -غفر الله لهم وشفاهم- أحد الناس جاءني مرة كان على حالٍ متوسطة لديه الكفاف والعفاف، وهو في غِنى عن الناس، كان يشتغل في شىء من التجارة، وهو كان ينصح الناس بعدم الاقتراب من الربا، فأغراه إبليس وأغواه يوماً ما، وظهر له أن أصحابه الذين في مستواه قد تجاوزوه في المقاولات والعمارات وتكثير المال، ولم يرض، وقال ما ينفعني إلا “البنك” فأخذ أموالا، ليس لأنه في حاجة إليها، ولكن كي يطوّر تجارته فإذا به ينزل به عذاب في بدنه، لا هو يستطيع أن يجد حلاوة للعمل ولا حلاوة للمال ولا حلاوة للصلاة، ولا لأي شيء في حياته فعلم أنها ضربة قاصمة من الله حلّت ببدنه إذ خالطه الحرام. وقد نبهه الله لهذا عساه أن يتوب. المؤمن الكيّس الفَطِن الذي أحسّ بوجود الله وبمراقبته، ويتذوق الحرام، يعني يحس بالمرارة فيرميه، هذا هو المؤمن، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، واجعلنا من التوابين  المتطهرين والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على رسول الله صلى عليه وسلم، يقول الرسول صلى عليه وسلم : >وخير دينكم الورع< يجعل الإنسان بينه وبين الحرام مسافة، فيبتعد عنه ولا يقترب منه، ولا يبحث عن الفتوى، هذا العالم معروف عليه أنه ليِّن ويُسهِّل فيزدحم عليه الناس ليأخذوا الأسهل، وهذا الأسهل يجعلهم على شفى حفرة، >كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه< ما الذي ألجأك إلى هذا الضيق؟ دع الحرام بعيداً وخذ بأصل الاحتياط، وهو أصل من أصول الإمام مالك رحمه الله في الفتوى، وهو الورع، ثم بعد ذلك الدواء الشافي بإذن الله من هذا المرض، لأنه مرض فعلا، والذي يتعامل بالربا يعرف نفسه أنه يعاني مشكلات نفسية فيما يتعلق بالمال، وبنظرته إلى المال، وبإحساسه بالمال، يستحق العلاج النفسي، والعلاج النفسي في القرآن الكريم، ختم الله عز وجل آيات الربا في سورة البقرة بقوله تعالى : {واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون} ذكر ما ذكر من آيات الربا {الذين ياكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} إلى أن يقول سبحانه وتعالى : {ياأيها الذين آمنوا ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون} قال : {واتقوا يوماً} هذا ختام العلاج كي يستطيع الهروب من تخبط الشيطان، وتنضبط للأمر والنهي وتستجيب لنهيه في الربا، أمر يفيد النهي {فذروا} أي فاتركوا ما بقي من الربا، لكي تستطيع أن تنضبط لهذا الأمر أعطاك الله باب التوبة،باب الا نقطاع، باب العلاج، باب الشفاء {واتقوا يوماً} قال قبل ذلك {اتقوا الله} صحيح هذا المقصد الأول، لكن الباب الذي يسهّل عليك لتصل إلى تقوى الله هو أن تذكر الموت، فالموت حق، وينتقي منا الواحد تلو الآخر يوميا بل كل دقيقة، لا أحد يستطيع أن يقدر أجله، وعدد من الناس في ريعان الشباب وفي وسط العمر من الشباب والكهولة وبين هذا وذاك ينتقلون يومياً لا يفرق القدر في ذلك بين غني وفقير، ولا بين مريض ومعافى، ولا بين عالٍ ونازلٍ، بل الكل عند الله نازل الموت قهر الله به عباده، نسأل الله ألا يفاجئنا ونحن على حرام. ونعيش في حرام، المسلم ينتبه لهذا اليوم الحق {فاتقوا يوماً} والنكرة هنا دالة على التعظيم، يعني يوم عظيم خطير، كما في قوله تعالى : {أإن لنا لأجراً} كما في قول السحرة لفرعون، أجراً، قال المفسرون : كبيراً.

{واتقوا يوماً ترجعون فيه  إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت} كلما أكلته تعطي حسابه، لا أحد يستطيع التفلّت، ولا ظلم هناك، الله لا يظلم أحداً، هو عدل سبحانه.

أختم هنا بكلمة ذرونا نتأملها ونتفكر فيها، نحن نعلم أن رسول الله ما كان يصلي على من مات وعليه دين حلال طيب، صحابي مات وعليه دين، فقال صلى عليه وسلم : >صلوا على صاحبكم< حتى قضى بعض الصحابة عليه دينه، ثم صلى عليه النبي صلى عليه وسلم، الذي مات وعليه دين حلال طيب يؤخذ من عنقه فما بالك بمن مات وعليه دين من حرام، والذي عليه دين من نار، على أي جنب في قبره يرقد، على أي جمر القبر وعذاب القبر وعليه دين، إنها كبيرة وليست حراما فقط بل كبيرة يموت عليها.

< د. فريد الأنصاري

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>