الهجوم الغربي على الإسلام


أعلن الفكر الغربي هجومه على الإسلام والفكر الإسلامي منذ اليوم الأول الذي استطاع فيه أن يسيطر على مقاليد هذا الفكر، ويترجمه، ويجعل منه القاعدة الأساسية للفكر الغربي الحديث، ولمعالم الحضارة الجديدة التي بنت قوائمها على الأسس العلمية الإسلامية في عالم الفلك والطب والكيمياء والجبر والحساب والفلسفة.

ومنذ اليوم الأول لترجمة القرآن، ظهرت هذه الترجمات محرفة أبلغ التحريف، وظهر معها في نفس الصفحات كلمات فيها اتهام لهذا الكتاب -المنزل الوحيد، الذي لم يدخله تحريف- وقد اتصلت هذه الاتهامات بمعاني القرآن وأصول الإسلام وشرائعه، وبالنبي صلى عليه وسلم وحياته وأعماله.

ثم لم تلبث الأيام أن كشفت عن أسماء لامعة لها وزنها في مجال الفكر الغربي. وقد أخذت تتصدى للإسلام نفسه مهاجمة إياه، محاولة إلقاء الشبهات على أصوله وأسسه، في أسلوب مليء بالهجوم العنيف، والاتهام الصارخ على نحو بعيد كل البعد عن منهج العلم أو أسلوب العلماء، ولم تكن هذه الحملة بهذه الصورة القاسية إلا خدمة للإسلام نفسه. فإن كثيرين ممن جذبهم الإسلام إليه، وصحح مفاهيمهم فيه، إنما تأثروا بهذه الحملات وأنكروها، واضطروا إلى أن يعودوا إلى كتب أخرى، ربما تكون أكثر إنصافاً أو بعداً عن التعصب والمغالاة. فلم تلبث هذه الدراسة أن كشفت لهم عن جوهر الإسلام، وضيائه.

فكتابات فولتير إمام حرية الفكر في الغرب عام 1742 بمسرحيته عن التعصب أو النبي محمد، ودراسات الأب لامنس اليسوعي، ومقالات >هانونو< في الأهرام سنة 1900 التي أثارت المعركة مع الشيخ محمد عبده، وحملات لويس برتران في كتابه (أمام الإسلام) وكتاب مصر والمصريين لدوق داركور الذي رد عليه قاسم أمين بالفرنسية بكتابه (المصريون) وحملة الكردينال لافيجري على >الرق في الإسلام< وقد رد عليه أحمدشفيق باشا وحملات كرومر في كتابه : مصر الحديثة. ومرجليوث في مقاله المشهور: مستقبل الإسلام. وسكوت ورينان وزويمر في كتابه : >الإسلام : ماضيه وحاضره ومستقبله< وردم لاندو وماسينون. ودكتور واطسون مدير الجامعة الأمريكية (1933) وسبيرز.

هذه الحملات كانت تمثل في مجموعها صورة من معركة التحدي العنيف للإسلام. وفق خطة مرسومة، على النحو الذي من شأنه أن يزلزل الرأى العام العالمي في حقيقة الفكر الإسلامي ومفاهيمه، وأن يثير الشكوك والشبهات في أهل الدين  نفسه، في ظل نظم التعليم والثقافة التي بدأ الاستعمار يبثها في أقطار العالم الإسلامي المستعمرة.

ومن عجب أن تجد فيلسوفاً عرف في تاريخ الفكر الغربي بحرية الرأي.. كفولتير يكتب عام 1742 قصة عن نبي الإسلام، ويقدمها إلى البابا بنو الرابع. وقد أطلق على مسرحيته >التعصب أو النبي محمد< وشحنها بحوادث وشخصيات مفتعلة قائمة على التخيل أكثر مما تقوم على الواقع التاريخي. ثم لم يتحرز من الأخطاء الكبرى لحقائق يعرفها كل من يعرف تاريخ الإسلام، فيجعل الزبير زعيماً لسادة قريش المناهضين لمحمد، وهو يوجه كتابه على نحو مثير، يفضح دخيلة النفس، ويكشف عن الضعف البشري لكاتب وصف بأنه حر الفكر، فيقول في تقديمه المسرحية :

إلى رئيس الديانة الحقيقية ضد مؤسس ديانة كاذبة بربرية. أضع عند موطئ قدميك الكتاب ومؤلفه. إن صاحب القداسة سيغفر ولا شك الجرأة التي يأخذ أسبابها أحد المؤمنين المتواضعين في أن يهدي حبر أحبار الكنيسة الكاثوليكية الحقة هذه المسرحية.

ثم يعرف من بعد أن فولتير الرجل الذي حمل على المسيح والكنيسة والأديان على نحو أزعج الدوائر ذات النفوذ قد أراد أن يترضى مرة أخرى هذه الدوائر بمهاجمة الإسلام ونبيه على هذا النحو المزري بكرامة العلم والعلماء، وأحرار الفكر، وبمثل هذه المذلة والمهانة…

أما الأب هنري لامنس اليسوعي فقد غلب عليه طابع التعصب المذهبي، ولم يتناول أبحاثه من وجهة النظر العلمية المحضة. بل كان حفياً بأن يتهم الإسلام في كل ما يعرض له، على النحو الذي يصطنعه الدعاة لا العلماء. وقد بدأ مذهبه هذا واضحاً في دراساته عن الأمويين، حيث كان ينسب إلى المسيحيين واليهود كل خير وفضل في شبه الجزيرة. أما المسلمون عامة والعلويون خاصة، فقد حرص على سلبهم كل الفضائل، وهو لم ينس عاطفته في كل ما كتب عن النبي صلى عليه وسلم، ومن ذلك مؤلفه عن حياة محمد الذي رفضت دوائر الفاتيكان نشره، حيث خيف أن يؤدي ما فيه من طعن، وتهجم إلى احتجاج العالم الإسلامي، ومن أردأ كتبه كتابه (فاطمة وبنات محمد) وهو على حد تعبير الدكتور : “زكي حسن” يتهم رواة السير بأنهم مخترعون، ويضرب كل فريق بالآخر، فإذا رأى رواية في مصلحة الشيعة اتهمهم بوضعها. وإذا رأى رواية تعلي شأن السنّة ألصقها بكتابهم، فضرب كل فريق بالآخر ليقنعك باضطراب هذه العناصر التي قامت عليها السيرة، فإذا وجد في الإسلام موضعاً لفضل نسبه إلى مصدر غير إسلامي، أو فسره تفسيراً ماديا، فهو يصف عائشة بأنها “محظية”، ويحرض على استغلال بعض الاضطراب في النصوص العربية التاريخية….

وجملة القول فيه أن يقرأ النصوص ليفسر بعضها على هواه، أو يهمل ما لا يتفق مع رأيه، أو يستنبط من الشواذ قواعد، أو يتخذ من الحالات الفردية أحكاماً عامة.

وقد حاول لامنس في أبحاثه المختلفة عن حاضر الإسلام ومستقبله أن يثير الشبهات، وأن يتهم الإسلام بالاضمحلال والانهيار، وأن يعلن تشفيه لسقوط الخلافة، وهو حريص على أن يعلن أن الأقطار الغربية الحديثة هي عامل هام لهدم قوى الإسلام وكيانه، حريص على أن يؤجج الخلاف بين السنة والشيعة، ثم بين الحنفية والشافعية والمالكية. وهكذا ثم هو يحاول أن يقسم المفكرين إلى متطرفين ووسط وسلفيين، ثم هو يحاول أن يخط من قدر  وحدة الفكر الإسلامي، ويقلل من إحصاء المسلمين.

ثم هو يعلن أن التعليم القرآني في تأخر مستمر، ومطرد في البلاد الإسلامية، وأن تطور التعليم الرسمي في المعاهد العالية والثانوية يتحرر شيئاً فشيئاً من تأثير الدين >حتى يصبح لا دينيّا محضاً< وأن دعاة التطور العصري قد مدوا أصابعهم حتى داخل الجامع الأزهر، فاغتنموا فرصة حاجته إلى الاصلاح، وتدخلوا في إدارة الجامع الأزهر، فاغتنموا فرصة حاجته إلى الاصلاح، وتدخلوا في إدارة  الدروس التي حورت دون نتيجة تذكر وأشار إلى القلق الذي أحدثته آراء الدكتور طه حسين، وحاول أن يصل من ذلك إلى القول بأن الإسلام يتلقى صدمات متوالية من شأنها أن تدفعه إلى الانهيار.

ولهنري لامنس أسلوب مليء بالمكر والتعصب، واللؤم في عرض الاتهامات للإسلام. فهو لا يستطيع أن ينكر أن الإسلام حرم قتل الذرية، ووأد البنات، ولكنه يعرضه على نحو ماكر. حيث يقول إن النبي دفع إلى هذا التحريم >بحنينه إلى الذرية بعد أن صار لطيماً في طفولته< ويستنكر ما نسبته السيرة للنبي من بنين وبنات.

وقد وصف هنري لامنس بين كتاب أوروبا بالمؤرخ المتحزب على حد تعبير محمد كردعلي. الذي يقول : >لقد أصبح العارفون هناك يأخذون كل قول له بتحرز شديد<(1).

وإذا تركنا هنري لامنس، وجدنا أمامنا متعصباً خطيراً مثل >فنسنك< وله مبحثان في دائرة المعارف الإسلامية يحملان هذه الروح من الاتهام والتعصب. أولهما عن إبراهيم، وثانيهما عن الكعبة. وقد ترجم الدكتور حسين الهراوي(2) ما قاله عن إبراهيم >كان اسبرنجر(3) أول من لاحظ أن شخصية إبراهيم كما في القرآن مرت بأطوار قبل أن تصبح في نهاية الأمر.. مؤسسة الكعبة<. وجاء (سنوك هرجونية)(4) بعد ذلك بزمن، فتوسع في بسط هذه الدعوى. فقال إن إبراهيم في أقدم ما نزل من الوحي هو رسول الله، أنذر قومه كما تنذر الرسل، ولم يذكر لإسماعيل صلةبه، ولم يذكر قط أن ابراهيم هو واضع البيت، ولا أنه أول المسلمين، أما السور المدنية. فالأمر فيها على غير ذلك، فإبراهيم يدعى حنيفاً مسلماً، وهو واضع ملة ابراهيم وقواعد البيت الحرام، وسرّ هذا الاختلاف أن محمداً كان قد اعتمد على اليهود في مكة، فما لبثوا أن اتخذوا حياله خطة عداء، فلم يكن بد من أن يلتمس غيرهم ناصراً هنالك هداه ذكاء مسدد إلى شأن جديد لأبي العرب إبراهيم، وبذلك استطاع أن يخلص من يهودية عصره، ليصل حبله بيهودية ابراهيم، تلك اليهودية التي كانت مجهدة للإسلام. ولما أخذت مكة تشغل جل تفكير الرسول أصبح ابراهيم أيضاً المشيد لبيت هذه المدينة المقدس >ولا شك أن عبارة فنسنك لها طابع يوحي بأنه باحث دقيق المراجعة لمستندات من آيات القرآن أحصاها ورتبها< ولكنه في واقع الأمر بعيد كل البعد عن الحق.

أما مرجليوث المستشرق البريطاني فإنه يقول في كتابه تاريخ العالم : إننا نشك فيما إذا كنا نعرف شيئاً عن والد النبي. لأن لفظة (عبد الله) تطلق على الشخص المجهول، وربما كان لها هذا المعنى عند إطلاقها على والد النبي، وادعى مرجليوث أن النبي كانت تنتابه النوب، وأن المسلم معناه في الأصل “الخائن”. وعلل ذلك بأن هذه الكلمة مشتقة من اسم مسلم. ورغم أن النبي صلى عليه وسلم عاشر بعض النصارى، فاستفاد كثيراً من القصص، واقتبس بعض أساليب التعبير، وقد ظهر كتاب مرجليوث عن النبي عام 1904 -وله فصل مطول عن مستقبل الإسلام(5). رد فيه قول المؤرخ السياسي برايس الذي قال إنه لم يبق من عمر الإسلام إلا قرنان.

أما أرنست رينان فقد حمل على الأديان : وعلى المسيحية بالذات حتى عد من أشد الفلاسفة انتقاداً عليها، ومؤلفاته (حياة يسوع، وتاريخ الرسل). وأصل الإنسانية، والقديس لويس، طافحة بالانتقاد فهو ينكر لاهوت السيد المسيح، ويزعم أنه فيلسوف يميل إلى الأمور الرمزية الغامضة.

وقد هاجم >الساميين< وقال أنه ليس في فطرتهم الفلسفة، ولا البحث عن الجديد ولا المقدرة على السياسة ولا الحرب ولا النظام. وكان هجومه على الإسلام في أول الأمر عنيفاً وعاصفاً. فقد صور النبي محمداً كرجل مخادع، ودجال. وقرر أن الذي أسس الإسلام، وشيد صرحه هو : >عمر< لأنه يماثل القديس بولس في المسيحية… وقال : إن الفلسفة الإسلامية ما هي إلا الفسلفة اليونانية مخطوطة بخطوط عربية، ولم يهضمها العرب. لأن الإسلام لا يسمح بحرية التفكير، وروح النقد. وقال رينان : إن الإسلام بعد كفاح دام عدة قرون ترك قلوب العرب معلقة بين سور مختلفة من التوحيد السامي فهو بعيد كل البعد عن كل ما يصح أن يدعى اعتماداً على النظر العقلي أو العلمي. فالإسلام كان في الواقع مضطهداً دائما للعلم والفلسفة. وقد انتهى به الأمر إلى كظم أنفاسها. ومن أجل هذا لم تبد في حضارة الإسلام حركة فكرية ذات طبيعة غير دينية(6).

أما مستر سكوت فقد ذكر في كتابه عن الإسلام الذي أصدره 1915 أن المسلمين يرون أن أول واجب عليهم هو : نشر الإسلام، والطريقة التي يؤدى بها هذا الواجب هو : محاربة غير المسلمين حروباً غير منقطعة وذلك لتحويلهم عن دينهم، ولا يمكن أن توجد للمسلمين إلا سياسة واحدة. ووجهة واحدة هي الحروب الدائمة مع غير المؤمنين حتى تتبع الهيئة الاجتماعية شريعة محمد.

أما كيمون الذي نقل رأيه هانوتو في حملته على العالم الإسلامي، فقد دعا إلى نسف الكعبة، ونقل قبر محمد إلى متحف اللوفر.

وقال إننا في سياستنا الدينية نهتم بالمحتويات، لا بالأسماء. فنحن نسر حين نستطيع أن نجعل فتى مسلماً يقبل مبادئ المسيحية، ووحي المسيح ودعوة الناس لاتباع الله وطريقه في الحياة. فإن هذه المبادئ تنمو بنفسها في حياة ذلك الفتى، فلابد من يوم يأتي إليه فيه من يسميه باسم آخر يميز طابع حياته عن الطابع العادي للعالم الإسلامي. إن الطالب الذي يتركنا يمكنه أن يعتبر نفسه مسلماً غير أنه في هذه الحالة يكون شخصاً آخر غير الذي جاءنا.

وقال إن خطيب جبل الزيتون أعلن أن الغرض هو قتل الإسلام لاستعباد المسلمين، كما أعلن أن السياسة الاستعمارية لما قبضت من نصف قرن على برامج الدين في المدارس الابتدائية. أخرجت منها القرآن الكريم، ثم تاريخ الإسلام. وبذلك أخرجت ناشئة لا هي مسلمة ولا مسيحية ولا يهودية، ناشئة مضطربة مادية الأغراض، لا تؤمن بعقيدة، ولا تعرف حقاً، فلا للدين كرامة، ولا للوطن حرمة، وقال مدير الجامعة الأمريكية أنهم يراقبون سير القرآن في المدارس الإسلامية، ويجدون فيه الخطر الداهم، فالقرآن، وتاريخ الإسلام هما الخطران العظيمان اللذان تخشاهما سياسة التبشير المسيحية.

وهكذا امتدت هذه الحملة من نطاق البحث  العلمي إلى الصحافة والمؤلفات المختلفة، وبرز قادتها الفرنسيون والإنجليز والأمريكيون من المسيحيين واليهود جميعاً….

وإذا كنا نتجاوز عن كتابات أمثال دوق داركور مثلاً الذي يقول في كتابه : (Egyple dles Egypt lens)(7) إن السر في تأخر الفكر في مصر يرجع إلى الإسلام. فالدين هو السبب الأساسي لهذا التأخر الذي لحظه في كل بلد إسلامي. ذلك لأن الإسلام لا يحض على البحث في العلوم غير الدينية. وبذلك احتقر المسلمون علوم الغرب، واعتقدوا أن القرآن قد حوى بين دفتيه علوم الأولين والآخرين. وأن كل ما عداه باطل.. إذ كنا نتجاوز عن هذا، لأن كاتبه رجل سياسي متصل بنفوذ دوائر الاستعمار. أو نتجاوز عن أقوال كرومر باعتباره ممثلاً لدولته، وليس مفكراً، أو نتجاوز عن قول القس صمويل زويمر في كتابه عن (الإسلام : ماضيه وحاضره ومستقبله) لأنه >مبشر< وداعية لدينه، مثل هذا أو غيره قد يحتمل، وإن كان يمثل جزءاً من حملة التحدي الضخمة المتسعة الأطراف المنبثة في الآفاق، لتشويه الإسلام وهدم مفاهيمه، وتزوير معالمه في نظر الغربيين أولاً والمسلمين بعد ذلك. ولكن كيف يقبل مثل هذا التزوير من العلماء. فالمسيو >ينوبوس< أكبر مؤرخي فرنسا، وقد أمضى أكثر من ستين عاماً ينعلم التاريخ ويعلمه، ومع ذلك فما استطاع أن يتحرر من لوثة التعصب. فهو يقول في كتابه >تاريخ الحضارة< إن صاحب الرسالة كان رجلاً جباناً سوداوياً تنتابه عوارض من الحمى وتعوه نوبات عصبية.

أو >دوزي< مثلاً الذي يقول : إن معظم آيات القرآن الكريم كتبت بلغة عربية تكاد تكون آية في الركاكة.

أو قول صاحب كتاب فلسفة الحضارة، نقلاً عن (جيبون) في كتابه عظمة المملكة الرومانية وانحطاطها من أن الفاتحين من العرب في ديار الغرب كانوا من أبناء النصرانيات اللائي تزوجن من المسلمين فأخذوا منهن أطهر ما في الدم المسيحي، ولئن دانوا بالإسلام وهم عرب بألسنتهم وأسمائهم، وأصول آبائهم، فإنهم لم يكن في دمهم من الدم العربي غيرواحد من ستة عشر فقط. أو أن المسلمين عندما وصلوا إلى شمال افريقيا ألفوا شرب الخمر.

أو قول يونج إن الجيش الإسلامي الذي غزا فرنسا عام 731 كان خمسمائة ألف على الأقل مع أن جيش الأندلس كان 12 ألفاً. ومن ذلك ما أصدره رينان من أحكام جائرة على المسلمين في كتابه (بعثة فينيقية) عندما زار الشام 1860 ليجري بعض حفريات في جزيرة أرواد، فرأى من سكانها بعض غلظة. فقال إن المسلمين كلهم منحطون، وجعل معاملة فردية في حادث معين مبرراً لإصدار أحكامه(8).

وعلى هذا النحو سار كتّاب الغرب وفلاسفته ومستشرقوه وباحثوه وهو اتجاه مضلل منحرف، كان يستهدف تدمير قيم الإسلام، وتحطيم مقوماته. وإن كان كتّاب الإسلام لم يتوقفوا لحظة عن متابعة هذه الحملة، والرد عليها، أولاً بأول، في يقظة واضحة، وكان أقدرهم على ذلك رشيد رضا في المنار. ومحب الدين الخطيب في الفتح وفريد وجدي، وعلي يوسف، ومصطفى الغلاييني، وعبد القادر المغربي، والدكتور هيكل، وعشرات من أبرز الكتّاب، فضلاً عما كان للصحف المصرية من اهتمام واسع، أتاح لها أن توسع لها المجال، كما فعل المؤيد، والبلاغ، وكوكب الشرق، والسياسة اليومية.

غير أن هذا التحدي على الصورة التي وقع بها، وأتيحت له فرص الإذاعة والنشر -وما صورناه ليس إلا جزءاً ضئيلاً منه- كما يمثل هدفاً ضخماً واضح المعالم في حرب الإسلام، ودعوته ونبيه وتشريعه.

أنور الجندي رحمه الله

—–

1-  مجلة المجمع العلمي العربي (دمشق). م. سنة 1946

2- الهلال : 1936.

3- أحد المستشرقين المتعصبين.

4- سنوك هرجونية مستشرق هولندي. له أبحاث محملة بالهوى.

5- الهلال، ص 90 م 16.

6- السياسة اليومية 1923/4/5 محاضرة الشيخ مصطفى عبد الرازق عن رينان في الجامعة المصرية.

7- صدر عام 1893.

8- محمد كرد علي -أغلاط الإفرنج، مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق.

عن كتاب آفاق جديدة للدعوة الإسلامية في عالم الغرب لأنور الجندي(مؤسسة الرسالة ط 1987/2.

(بتصرف).

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>