> هل ترون أن الشروط متوفرة لإجراء انتخابات نزيهة في شتنبر المقبل؟
< نزاهة الانتخابات مثل ما يسميه العرب بالعنقاء وهو حيوان ضخم عملاق يذكر بالإسم لكن لا يعرف بالذات. في العالم العربي وفي العالم الثالث من الصعب جدا الحديث عن انتخابات نزيهة. وشخصيا عشت انتخابات لبنان وسوريا في الخمسينات، وانتخابات مصر بعد الثورة، وجعلتني للأسف أزهد في السياسة بل وأكرهها في المغرب كما كرهتها في المشرق لأنها تبقى مجرد جدل فارغ ومخاصمة تافهة.
في الحقيقة، أعتقد أن إجراء انتخابات نزيهة من المستحيلات وتجربة الجزائر خير دليل على ما أقول، لأن الانتخابات الأخيرة في هذا البلد تميزت ببعض النزاهة، لكن بعد الإعلان عن النتائج نشبت فتنة خطيرة لأن الاستعمار المباشر وغير المباشر لا يسمح أبدا لأي بلد بأن يعرف انتخابات حرة ونزيهة، توجد جهات تحرم على العالم الثالث تأسيس ديمقراطية حضارية، وتمنعه من أن يتمتع بالحرية وبالنزاهة في انتخاباته، كما تقف له سدا منيعا أمام التصرف في ماله وإمكانياته وثرواته كما يحب وكيفما يشاء. وهذا سببه ما يعرف حاليا بالهيمنة العالمية. لذا، أعتقد أن توفر شروط إجراء انتخابات نزيهة يحتاج إلى معجزة بشرية، لأن الناس تعودوا على الإعوجاج، وتحتاج أيضا إلى التحلي بالأخلاق وإلى تربية مبنية على أساس ديني، أي على خوف الله وعلى أساس إقامة الشهادة لله.
> في رأيكم ما السبيل لتتوفر هذه الشروط وللوقوف على مكامن الخلل؟
< أولا، أرى من الضروري توفر قوانين صارمة عادلة وواضحة، ثم إيجاد هيأة إدارية نزيهة ونظيفة وتعمل بصرامة على تنفيذ القانون ولها من الكفاءة والقوة والاستقلالية في قراراتها ما يمكنها من القيام بمهامها على أحسن وجه، ولا ننسى الناخب الذي يجب عليه أن يكون في المستوى وأن لا يكون أميا وعديم الضمير، وأن يعلم أن الصوت الذي يدلي به لأي مرشح بمثابة شهادة ومسؤولية أمام الله وأمام التاريخ وأمام مستقبل البلاد. كما يجب أن يكون المرشح ذا أخلاق، وأنا أفتخر بمن صاح بصوت عال رافضا مقعدا مزوراً، فهذا شيء يسجل بفخر لكل من تسول له نفسه قبول دخول البرلمان بنتائج مزورة. وبالمناسبة أستغرب للطريقة التي يتعامل بها المجلس الدستوري في البث في ملفات التزوير في الانتخابات التي تعرض عليه ويتماطل في النظر فيها إلا بعد مرور سنوات.
> هل ستقدم جميعة جماعة الدعوة الإسلامية مرشحين في الانتخابات المقبلة؟
< إن جماعتنا تقوم على ثلاثة أهداف، أولها الجانب العلمي، فنحن نسعى إلى تربية أعضائنا بالعلم وعلى العلم وثانيا نهتم بالجانب الخيري ونجتهد في العمل الاجتماعي، وأخيرا نركز على شق البحث الجامعي والأكاديمي. وبخصوص هذه النقطة، أقول بكل تواضع إننا نجحنا نجاحا كبيراً ولدينا علماء في المستوى نفاخر بهم.
> منذ أن قرر إخوانكم في حركة التوحيد والإصلاح الانخراط في حزب سياسي (حزب الخطيب) والمشاركة في الانتخابات، انسحبتم من رابطة المستقبل الإسلامي، هل سبب الخلاف هو المشاركة السياسية أم اختلفتم بشأن قضايا أخرى؟
< السبب الجوهري في هذه القضية أن الإخوة في جماعة الدعوة الإسلامية عندما علموا أن الأمر سيتحول إلى سياسة وإلى الدخول في حزب سياسي، لم يلتحقوا بحركة التوحيد والإصلاح أصلا، وظلت علاقتنا طيبة مع الجميع، فهم رأوا أن دخولهم في حزب سياسي لا يتفق مع توجهاتهم الأساسية وتوقفوا، ولم يكن أي انسحاب ولا انشقاق من الحركة ودعونا لإخوتنا بالتوفيق فهم اختاروا هذه الطريقة ولهم الحرية في ذلك، كما أننا لا نعارض من يرغب في المشاركة كما وقع بالنسبة لبعضهم.
وأقول لك إنه منذ أن بدأنا العمل سنة 1966، لم يسبق لجماعتنا أن طردت واحداً أو وقع خصام داخلي. نحن نقوم بواجبنا وليست لنا مطامع سياسية أو دنيوية، وإذا أراد بعض الأفراد في جماعتنا مساندة حزب فنحن لا نعارض لأن السياسة في حد ذاتها ليست حراما، وفي تقديرنا لا بد من السياسة ومن الدخول إلى البرلمان وشيء من الحزبية لمن وجد نفسه أهلا لذلك أخلاقيا وإخلاصا وكفاءة، لكن بالنسبة لنا نرى في أنفسنا أننا أضعف لنشتغل بالسياسة ولدينا خط يختلف نهائيا عن الخط السياسي.
> وما تقويمكم لأداء أعضاء التوحيد والإصلاح الذين دخلوا البرلمان عن طريق العدالة والتنمية؟
< الحكم على أداء أعضاء التوحيد والإصلاح صعب جدا لأنها تجربة أولى، وحقيقة الأمرأن عمرهم في السياسة لم يتجاوز أربع سنوات وشخصيا لا علم لي بعلاقتهم بالجمهور الذي انتخبهم كما أنني لا أدري إن كان ما يقولونه في أسئلتهم أثناء الجلسات العمومية يسمع أو لا يسمع. وفي تقديري إذا أراد أي فريق برلماني أن يؤدي دوره كاملا أو شبه كامل أو فيه شيء من النجاح فلا بد أن تكون وراءه مؤسسات للدراسة والمتابعة ولتهييء البرامج، فعمل الحزب ليس بالأمر السهل.
وإذا نظرنا إلى جل الأحزاب المغربية نجد أنها لم تقم بمهمة إعداد الأطر للحكم أو للمعارضة في المستوى على خلاف ما يقع في الأحزاب الغربية التي تشكل حكومات خارج الحكومة القائمة، وبمجرد ما تتسلم المعارضة الحكم تطرح برنامجا ورؤية واضحة ويشعر المواطن أن ما وعدت به بدأت بتنفيذه، مثل ما يقع في بريطانيا وفرنسا.
> وما تقويمكم لأداء حكومة التناوب؟
< تعرفت على الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي الوزير الأول في القاهرة سنة 1958 عند أحد علماء القانون ولما أتيت الى المغرب ازددت معرفة به عن طريق المرحوم الفقيه محمد الحمداوي، وأكن له احتراما خاصا، فهو رجل طيب ومستقيم ويحب خدمة بلده، ولكنني لا أستطيع تقويمه كوزير أول. أظن أنه كان يمكن أن يعطي أكثر لو توفرت شروط مناسبة من هنا وهناك، أما ماذا فعلت حكومته، فسأقول ما شعرت به وما عاينته من نقص في بعض المجالات، مثل التعليم الذي أخذ طريقه نحو الإفلاس المبين، وفي مجال البحث العلمي الذي أضحى من بين أكثر القطاعات تهميشا من قبل المسؤولين، أعرف أنه توجد تراكمات ثقيلة ولا أحب أن أصف أحدا بما لا يستحق لكنني أعرف أن لا شيء تحقق في مستوى الطموح العظيم للشعب المغربي الذي يشعر أنه دون مستوى نمو آسيا التي كانت دائما وراءه في الحضارة والتاريخ قبل كوريا وسنغافورة وماليزيا.
وأتكلم كمواطن أعبر عن جزء من نبض الشارع هناك شكوى عامة من كثرة الضرائب والإرهاب هناك خلل في الحرص على الجودة في الإنتاج، هناك إعراض عن تنمية الشمال واستغلال ثرواته، هناك أمور أخرى يجب مراجعتها وتقويمها على أسس موضوعية ونزيهة، ثم إنني لا أعرف لماذا يعطى للبرلمانيين تقاعد؟ وهذا ينطبق عليه المثل المغربي “زد الشحم للمعلوف” فيكفيهم أجرتهم الكبيرة زيادة على الطارة TARA بالنسبة لبعض المسؤولين الكبار كما أنه لا توجد سياسة لتدبير الماء في المغرب، أين تذهب مياه الأمطار التي تنزل بجبال شفشاون؟ ولا هناك سياسة الموانئ الصغيرة، فنحن في عدة مناطق مازلنا نصطاد بالوسائل الفينيقية.
ثم لماذا نضيع مكانة المغرب بإفريقيا التي كانت دائما متأثرة بالقرويين وبن يوسف؟ ولماذا يُحجم تعليمنا الأصيل الذي له الفضل في قيادتنا الروحية والعلمية بإفريقيا بل في العالم الإسلامي؟ ثم لماذا لا يسمح للبنوك الإسلامية بفتح فروعها في المغرب على غرار ما يقع مع بنوك أمريكية وغيرها لها معاملات غير ربوية؟ ولماذا تترك تربة جبالنا تضيع مع السيول ولا توجد سياسة لتشجير هذه الجبال؟ وهناك ما يقال في العدل والمالية والأشغال العمومية والبلديات وغيرها.. أما ما شاهدته في شرق المغرب وجنوبه، فيدل على أننا ما زلنا نركز على المغرب النافع. أما الثقافة فهمومها لا تقل عن المجالات الأخرى ومن المخجل أن نقول “إن لنا ثقافة”.
وأخشى أن ينزلق بي الحديث إلى مجال السياسة، لذلك ساكتفي بالصمت كباقي المثقفين الصامتين، فالجراح لاتزداد إلا اتساعا وعمقا، وأسأل الله أن يهيء لهذا البلد من يقوده ليسترد مكانته التاريخية الحضارية، فالشعب المغربي شعب عظيم والمشكل في القيادة والنخبة الغربية عنه.
—————–
(ü) من حوار أجرته جريدة الصباح (15 يناير 2002)