حقيقة الشريط
أثار شريط الفيديو الذي عرضته مؤخراً القنوات الفضائية الدولية والمحلية وقيل إنه لأسامة بن لادن وأحد معاونيه ، أثار جدلاً واسع النطاق خاصة داخل الأوساط العسكرية والسياسية التي تتابع عن كثب يوماً بعد يوم المحاولات الحثيثة التي تبذلها إدارة الحرب الأمريكية في أفغانستان وبدعم من جهاز الاستخبارات “سي. آي. آيه” بكل ما أوتي من إمكانيات من أجل العثور على بن لادن حياً أو ميتاً.
وفي أعقاب بث ذلك الشريط ثارت تساؤلات عدة يدور جميعها حول حقيقة ذلك الشريط؟ ومن المستفيد من ظهور مثل ذلك الشريط في هذا الوقت بالذات؟ وهل تتبدل الخطط التي وضعت لاصطياد بن لادن حال ثبوت زيف ما جاء بالشريط أو العكس؟.
وقد سمحت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” – التي لم تعط أية تفاصيل عن الطريقة التي تم بها العثور على الشريط – لوسائل الإعلام العالمية والمحلية بعرض الشريط ، والذي استغرق ساعة كاملة ، حيث ظهر فيه أسامة بن لادن يتحدث إلى معاونيه.
واللافت أن نسخة الشريط تميزت برداءة الصوت والصورة معاً مما يجعل من الصعب الوقوف على حقيقة ما ورد فيه بدقة والتأكد من أن الشخص المتحدث هو أسامة بن لادن كما زعمت الإدارة الأمريكية ، خاصة وأن إذاعة “بي. بي. سي” نقلاً عن مسئولين أمريكيين ذكرت أن تسجيل الشريط كان بواسطة أحد الهواة وأن أسامة بن لادن لم يكن يعرف أنه هدف للكاميرا!!.
ويبدو أن إنتاج مثل هذا الشريط ووفقاً لتقنيات صناعة السينما يمكن أن يتم بالاستعانة بأشخاص يؤدون دور بن لادن الموجود على الشريط المزعوم ويبدو المشهد وكأن بن لادن الحقيقي هو الذي يتحدث!! ..
وربما يكون أعرف الناس بذلك هم رواد السينما خاصة في الآونة الأخيرة ، حيث سبق لعاصمة صناعة السينما “هوليود” إنتاج عدة أفلام من هذا القبيل على غرار فيلمي (Mission Impossible) أي “المهمة المستحيلة” بجزيئه الأول والثاني و(Face Off) أي “المواجهة”.
وثمة تفسيران يمكن من خلالهما قراءة احتمالات ما تعرض له شريط بن لادن من تزييف : الأول يتمثل في تغيير ملامح الوجه وهو ما تناوله الفيلم الأول الذي قام ببطولته الممثل المعروف توم كروز ، و الثاني يتمثل تزييف الصوت وهو ما تناوله الفيلم الثاني الذي قام ببطولته الممثلان جون ترافولتا ونيكولاس كيدج.
في بداية الجزء الثاني لفيلم المهمة المستحيلة يصاب المشاهد بحيرة بالغة بعدما يفاجأ بالبطل وهو يقوم بخنق أحد علماء الذرة السوفييت حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة ، ثم تزول تلك الحيرة بعد أن يقوم منفذ الجريمة بإزالة وجه زائف يحمل نفس ملامح وجه البطل وقد تم رسمه على قناع من مادة شبيهة بالجلد من فوق رأسه.. وهنا فإن المشاهد لم يستطع التعرف على الشخصية التي تنفذ الجريمة هل هو البطل الحقيقي أم شخص آخر يقلده بسبب ذلك القناع الزائف.
أما الفيلم الثاني وهو المواجهة ، فإن من أبرز المشاهد التي عالجها الفيلم ذلك المشهد الذي يحاول فيه البطل تقليد صوت زعيم المافيا باستخدام تقنيات صوتية حديثة ، ونجح في ذلك نجاحاً بفضل تلك التقنيات.
وإذا ما جمعنا بين القدرة على تقليد الوجه والملامح لشخص ما فضلاً عن تقليد صوته ، فإنه يمكن بكل سهولة الجزم بأن الاستخبارات الأمريكية تملك إمكانيات تلفيق الشريط ونسبته إلى بن لادن صورة وصوتاً.
ومما يؤكد ذلك ما ذكرته صحيفة “فينناشيال تايمز” اللندنية بشأن التقدم المذهل الذي شهدته صناعة برمجيات معالجة الأصوات ، وأنه أصبح متاحاً لمستخدم الكمبيوتر الشخصي كم هائل من البرامج التي يستطيع من خلالها التحكم في صوت شخص ما ليصبح مطابقاً لصوت شخص آخر .
ولعل الشريط الذي قام بتزييفه أحد طلاب المدارس الثانوية في استراليا خلال ساعتين فقط وتم بثه مؤخراً على شبكة الإنترنت يؤكد سهولة تلفيق الحديث لشخص ما، وقد ظهر في الشريط الرئيس بوش يتفوه بتصريحات لم يدل بها قبل ذلك ، فقال على سبيل المثال: “إن الآلاف من العرب الأمريكيين الذين قاموا بهذه العمليات
ومن يقفون وراءهم و يحمونهم سوف يسألون”.
من المستفيد
هذا فيما يتعلق بحقيقة الشريط وإمكانية تزييفه .. أما بالنسبة للمستفيد الأول والأخير من وراء ظهور ذلك الشريط فإنه طرف من طرفي الصراع .. إما أسامة بن لادن أو الولايات المتحدة.
وحقيقة الأمر ، فإن بن لادن لن يتغير حاله كثيراً إذا ما ثبتت صحة ما جاء بالشريط ، فهو الآن مطارد من قبل الولايات المتحدة وحلفائها بتهمة التورط في أحداث سبتمبر الماضي دون الحاجة إلى أدلة إضافية غير التي ادعتها الإدارة الأمريكية في أوقات سابقة لإثبات ذلك عليه ، إذن فمثل هذا الشريط المزعوم لا يقدم ولا يؤخر شيئاً بالنسبة له.
أما الطرف الثاني وهو الولايات المتحدة فإنها – كما يقول بعض المراقبين الدوليين – تواجه الآن حرجاً شديداً أمام الرأي العام الأمريكي ، فلا هي استطاعت العثور على بن لادن رغم الدعم الدولي الذي حصلت عليه قبيل بدء حملتها العسكرية على أفغانستان سوى إعلان البنتاجون مؤخراً عن رصد صوت بن لادن وهو يوجه بعض الأوامر لأنصاره خلال اشتباك مسلح مع قوات تحالف الشمال في إقليم تورا بورا ، ولا هي أيضاً استطاعت إحراز أي تقدم في قتالها ضد أنصار تنظيم القاعدة المتحصنين بالجبال رغم آلاتها العسكرية الجرارة واستخدامها كافة الأسلحة باختلاف قدراتها التدميرية.
إذن ، فالمستفيد الأول والأخير هو الولايات المتحدة وذلك لسببين : الأول أنها استطاعت – بالإعلان عن العثور على هذا الشريط – الخروج من مأزق النمطية في التصريحات بشأن محاصرة بن لادن في منطقة ما ومقتل العشرات من تنظيم القاعدة دون العثور على قائد واحد من قادة طالبان أو القاعدة ، وهو ما كذبه مراسل “بي. بي. سي” في تورا بورا بقوله: “إن كثيراً من الأمور التي تدعيها الإدارة الأمريكية مثل تشديد الحصار و قرب القضاء على الأفغان العرب ، واستسلام أعداد كبيرة منهم ، كل ذلك غير حقيقي و لا أثر له على الأرض”.
والسبب الثاني هو تحويل الأنظار ولو لفترة قصيرة عن الأحداث داخل أفغانستان التي باتت تجري بشكل نمطي ، وتجديد دماء الشرعية التي تدعيها لاستمرار حربها في أفغانستان.
وأخيراً ، فإن الولايات المتحدة قد أعدت مخططاتها للقضاء على تنظيم القاعدة في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر الماضي ، وكانت الأدلة التي ساقتها لإدانة بن لادن في تلك الأحداث مثار انتقاد وريبة ، ولن تتراجع عن الاستمرار في تنفيذ تلك المخططات إذا ما أثبتت جهة ما زيف آخر تلك الأدلة المتمثلة في شريط بن لادن المزعوم الذي أطلقت عليه شبكة “سي. إن. إن” (Smoking Gun) أي الدليل القاطع
محيط : خالد حسان