تنسب قولة لبرنادشو -فيما أظن- قالها في حق رسولنا الكريم، وهي >لو كان محمد حيا بين أظهرنا لحل مشاكل العالم وهو يتناول فنجان قهوة< أى في الزمن اليسير الذي يستغرقه شرب كأس القهوة، وما نظن أنه قالها إلا بعد أن رأى عجز العالم -آنذاك- عن حل مشاكله بالطرق السليمة المُرضية، وما قالها إلا بعد أن كان مُتمكنا من معرفة سيرة النبي الكريم معرفة دقيقة لا يعرفها حتى بعض المنتسبين للإسلام، وما قالها إلا بعد أن فحص المنهج الأصيل الذي كان يعتمد عليه في حل المشاكل بسرعة وحسم وتوفيق.
وها هي بعض المشاكل العويصة التي سارع إلى حلها قبل أن تكون لها آثار مدمرة :
1) وصلت قريش في إعادة بنائها للكعبة إلى مرحلة وضع الحجر الأسود، فاختلفوا فيمن يضعه، وتحالف بعضهم في جَفنات الدم على المقاتلة من أجْل الدفاع عن حقهم في وضعه في مكانه فدخل محمد وعندما عرضوا عليه المشكل بسط رداءه، ووضع عليه الحجر وأمر كل قبيلة أن تمسك بطرف من الرداء ويرفعوه إلى مكانه، فكان حلاًّ مناسباً وسريعاً ومرضيا حقن به دماءً، وأوقف به حروبا، الله يعلم كم كانت ستستمر، بل أكثر من ذلك حروب تدمِّر وتوقف البناء.
2) حاول المنافقون بزعامة عبد الله بن أبي إيقاع الوقيعة والتفرقة العصبية بين المهاجرين والأنصار -في غزوة المريسيع- ليقتتلوا، وبذلك يتم تهديم بناء الدولة الإسلامية الجديدة الناشئة التي كان يغيظه -هو وأسياده من اليهود- بناؤها.
فعندما رأى الرسول قرْن الفتة قد أطل سارع بالنداء بالرحيل في الهاجرة -وهو وقت غير مناسب للرحيل- واستمر السفر إلى الليل، ثم إلى هاجرة اليوم التالي، حيث ما إن مسَّتْ أجساد المسلمين التراب حتى ناموا نوما عميقا طويلا، نسوا على إثره كل ما قيل ودُبِّر وخطط، وبذلك حُفظت الدولة ورُدّ كيد الكائدين في نحورهم.
3) ذات مرّة جاء واحِد من العاملين على الصدقة -الموظفين لجمعها- بزكاة، ولكنه قال للمسلمين (هذا لكم وهذا أُهْدِي إلي) فنهض الرسول سريعا، واعتلى المنبر ثم قال : >ما بَالُ العَامل نبعثه فيجيء فيقول : هذا لكم وهذا أُهْدِي لي ألاَ جَلَسَ في بَيْت أبيهِ فيَنْظر أأُهْدِيَ إلَيْه أم لا، والذي نفسُ محمد بيده لا نبعث أحدا منكم فيأخذ شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته..<(رواه البخاري ومسلم وغيرهما).
وبهذا الحسم وبهذه السرعة أوقف سَرَيان امتداد الأمراض الاجتماعية الخطيرة المهددة للدولة من الداخل، من محسوبية، ورشوة، واستغلال للنفوذ، وعبادة للمال والشهوات.
4)سرقت امرأة من بني مخزوم -وهم من هم في النسب والشرف والوضع الاجتماعي العالي- فعزّ على الناس قَطْعُ يدها، فأرسلوا لرسول الله أسامة بن زيد -الحِبُّ بن الحب لرسول الله- شفيعا، فقام رسول مغضبا غضباً تمنّى بعده أسامة أن تبتلعه الأرض ولا يغضب الرسول هذا الغضب، وقال له : >أتشفع في حَدٍّ من حدود الله؟< إن الذي أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإذا سرق فيهم الشريف تركوه، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها..
بهذه المواقف العادلة الصارمة، وبهذه التصرفات الحكيمة السريعة كان يعالج المشاكل، ويئدها في مهدها، وعندما غُزي المسلمون بالفكر العلماني المستورد من القوانين الغربية المبنية على الأهواء المتقلبة تلِفُوا وضاعوا، وتاهوا، وغرقوا في مشاكل لا حصر لها ولاعد، وأبسط مشكل وقفوا أمامه عاجزين مُراوغين مناورين مُداهنين هو مشكل الرشوة الذي ابتدأ منذ الأيام الأولى للاستقلال، ولكنه الآن استفحل حتى أصبح علاجه -وليس القضاء عليه نهائيا- من المستحيلات سواء على السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية، لأن كبار القوم المرئِيّىن -أحيانا- وغير المرئيين -غالبا- هم الذين بيدهم شِبَاكُه، ومستعدُّون لزعزعة البلاد اقتصاديا، واجتماعيا، إذا مُسَّتْ مصالحهم التي اكتسبوها خلال سنوات من العبث بمصالح الشعوب لتأثيل مصالحهم، وتمتين مراكزهم داخليا وخارجيا.
فمن له القدرة لا من رجال التشريع، ولا من رجال القضاء، ولا من رجال التنفيذ على هَزِّ الأدواح الباسقة التي أصْغَرُ غُصْن فيها يُكَسِّر رأْس الهازِّ لها، ولا عَيْنٌ رأت، ولا أذْنٌ سمعت ولا أمْنٌ تدخّل، ولا داخلية تدخلتْ، ولا أطباء شرَّحوا وشهِدوا آمنين، ولا شهود قدروا على الجهر بما رأوا، ولا محاكم حكمت باستقلالية..
ولهذا العجز نجد البعض -كلما حَلّتْ أيام ما يُعرف بالأيام الوطنية لمحاربة الرشوة- يحاول أن يعالجها بالمسكنات واقتراح الحلول الوهمية التي تحاول أن تمتص الغضب المتفاعل بتصاعد في نفوس الجماهير المحرومة من العيش الكريم، في الوقت الذي يسبح البعض في أنهار النعيم.
إن المجتمعات الإسلامية لا يمكن أن تحل مشاكلها إلا بالإسلام الذي يتميز بالحلول السريعة، والحاسمة، والكريمة، بحيث توقف الدّاء، وتحافظ على كرامة الإنسان، ومن ابتغى الحلّ في غيره أذلّه الله تعالى وخيَّب مسعاه.