في الاختراق الثقافي الغربي لإعلامنا


المسلمون وضرورة القوة في زمن القوة

قد لا نجانب الصواب إن أكدنا في بداية هذا الحديث على أنه لا يمكن لأحد أن يغض الطرف عن التحولات السريعة والخطيرة التي يمر منها المجتمع الدولي، بل وأن لا ينتبه إلى تأثير هذه التحولات في المسار العام للمجتمعات الاسلامية التي تمر بمجموعة من المنعطفات التاريخية الحادة التي تُمكن للغرب الاستعماري، بزعامة اللوبيات الصهونية، من إعادة رسم الخريطة السياسية الدولية بما يتماشى وسياسة الابقاء على قوتها ونفوذها وسيطرتها على مجريات الأحداث؛ ولذلك لا حاجة لنا للتأكيد على السعي الحثيث لهذه اللوبيات لامتلاك كل ما من شأنه تقوية تلك القوة والنفوذ والسيطرة، من خلال اتباع سياسة الإمساك المحكم بخيوط الممارسة السياسية والتدخل، بهذا الشكل أو ذاك، في الشؤون الداخلية للشعوب، بل والعمل قدر المستطاع، على التحكم في صناعة القرارات المهمة لكثير من البلدان الاسلامية.

في هذا السياق نزيد تأكيداً على خطورة الوضع العام للأمة الاسلامية خاصة وهي تدخل الألفية الميلادية الثالثة بإيقاع ضعيف وبنيان هش لا يمكنها من تبوء المكانة التي تليق بالمسلمين في عالم أصبح المنطق العام المتحكم فيه هو منطق القوة والبقاء للأقوى، في ظل ما عرفته الساحة المعرفية والعلمية من ثورات متتالية قفزت بالانسان إلى عصر جنون العقل المبتكر الذي دفع به باتجاه القبول بفكرة تهديم المقدسات وتكسير كل الحواجز مادامت النتيجة هي : بيَان قوة العقل على اختراق المجهول.

في ظل هذا الوضع المتسارع يزداد الوضع العام للمسلمين سوءاً، فقد تعرضت دولهم للاستعمار سابقا والتمزق والاستضعاف راهنا، بما يكفي لكبح كل عوامل النهوض في عالم لا يعترف إلا بالقوة على كافة المستويات، وتزداد الحالة خطورة كلما استحضرنا التهديدات الخارجية المستمرة للعالم الاسلامي والتضييق المتتالي والواضح على المسلمين الذين عملت المؤسسات الصهونية على تشويه صورتهم بوصفهم بالإرهابين والمتطرفين كوصف جديد يضاف إلى سلسلة الأوصاف القديمة من مثل : المتخلفين، والجاهلين والشواذ حضاريا..، إلى غير ذلك من الأوصاف التي تحط من قيمتهم وتقتل بداخلهم كل عوامل اليقظة في عصر الصحوة.

وقد لا نغالي إن قلنا إن العدو الذي يتربص بنا الدوائر يمتلك من الوسائل المادية والخطط المحكمة ما يكفي للإيقاع بنا في شباك الشقاق والتشتت وذوبان الهوية وانسلاخ الذات عن الأصول وترسيخ كل عوامل الانحطاط والاستلاب الحضاريين؛ ولعل من أخطر هذه الوسائل : الاعلام، وأخطر هذا الأخير : الاعلام السمعي-البصري، مثل التلفاز والسينما والفيديو والانترنيت، ناهينا عن المحطات الاذاعية الصوتية التي تخترق كياننا كل ساعة وحين. بما يكفي لقتل الروح الأصيلة فيناوتأهيلنا من جديد لنكون، في نهاية المطاف، على المقاس العام للرؤية الاستغرابية التي وضع خُططها اللوبي الصهيوني العالمي، بمباركة كل القوى الاستعمارية التي تتقاطع مصالحها مع مصالح هذا اللوبي، والذي تظهر تجلياته واضحة للعيان إذا ما تعلق الأمر بالاجهاز على الأمة الاسلامية وتدمير قوتها والتضييق على كل المبادرات المتبكرة لهذه القوة. وصدق رب العزة حينما قال منبها ومنذراً : {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}، وحينما قال جل جلاله كذلك : {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض}(المائدة : 51).

وبناءاً على ما سبق نود أن نشير، في سياق الحديث عن عوامل التمكين وأسباب الضعف، إلى أن الأمة مدعوة إلى التماس ا لوسائل وتحديد الاستراتيجيات المحكمة للوقوف في وجه هذا المد التغريبي الذي يستهدف هوية المسلمين في عصر صدام الثقافات والحضارات.وقد لا أجد بدا من التذكير بأثر الاعلام، بمختلف وسائله وقنواته، على حياة الإنسان عموما، وهو ما نلحظه من خلال متابعة الآثار الخطيرة التي للإعلام الغربي على أمتنا الاسلامية خاصة إذا استحضرنا الفضاء العام الذي بدأ منذ عقود يتحرك فيه هذا الاعلام، حتى أصبح داخل بيوتنا مخترقا جدارات الممانعة.

أثر الاختراق الثقافي الغربي لاعلامنا

وإذا كان الحديث عن هذا الخطر يحتاج إلى دراسات وبحوث وجهود جماعية لرصده من مختلف الجوانب، وهو مالا يستطيعه هذا المقال، فإنني اخترت أن أتحدث عن ضرب محدد من هذا الخطر الذي هو اختراق الثقافة التغريبية لوسائل إعلامنا المحلية، لما نشهده من استفحاله ونتأزم من جراء استحضاره في كلامنا وتحليلاتنا اليومية، خاصة إذا تعلق الأمر باحترام مؤسسات هي في ملك الدولة، بل ويؤدي الشعب ضريبة محددة تسمى بهتانا : ضريبة الفضاء السمعي البصري.

لست في حاجة إلى القول بأن الاعلام التابع للدول القوية، التي تحرص كل الحرص على اختراق الحدود والسيطرة على الشعوب التي تمتلك من الخيرات الطبيعية ما يقوي اقتصادها ومن الوضع الجغرافي ما يقوي نفوذها وحضورها، أقول لست في حاجة إلى القول بأن هذا الضرب من الاعلام له ارتباط كبير بالسياسة الخارجية لتلك الدول وكأني به -أي الاعلام- أصبح يقوم بما تقوم به الديبلوماسية السرية في البلدان المتخلفة، لأنه يحمل رسالة خاصة إليها في أفق إعادة تشكيلها وبنائها من جديد حتى تتوافق ثقافتها وثقافة تلك البلدان، وأقصد هنا ما لوسائل الإعلام ومواده من امكانات للتأثير على الجمهور، بل والقدرة على تشكيل الرأي العام المحلي بما يتماشى والسياسة العامة للدولة الممولة للمؤسسة الإعلامية.

وإذا  ما حاولنا تحديد أخطر عوامل الاختراق الثقافي الغربي لمؤسساتنا الاعلامية، فإننا نقول بأنها تتمظهر في ما يلي :

1- تفوق وكالات الأنباء العالمية في مجال صناعة الخبر والتحكم في مصادرها، ووسائل ارسالها، ولعل هذا العامل هو ما يُسهم في لجوء وسائلنا الاعلامية، التلفاز خاصة، إلى هذه المصادر لأخذ الأخبار التي غالبا ما تكون موجهة للتأثير على الرأي العام المحلي، لتصبح وسائلنا بموجب هذه العملية وسيلة محلية لانجاز سياسة ثقافية أو ايديولوجية خارجية، وقد لا نغالي إن قلنا بأن شبكة الأخبار من حجم CNN قد استطاعت أن تؤثر في صناع القرار الدولي، بل والتأثير في صناعة الصورة منذ أزمة الخليج الثانية إلى اليوم مع الحرب على أفغانستان، خاصة وهي شبكة تُرسل على مدار الساعة.

2- سيطرة مؤسسات أجنبية، بهذا الشكل أو ذاك، على قطاع الانتاج والادارة في قطاعنا السمعي-البصري، مثل 2M التي أظهرت تجربتها بما فيه الكفاية على أنها مؤسسة تلفزية فرنكفونية محظة، يتوجه خطابها باتجاه إعادة تشكيل القيم والفهوم بما يتماشى والسياسة الخارجيةللايديولوجية الفرنكوفونية. فالمتابعة الدقيقة للأفلام والمسلسلات والأغاني والبرامج الثقافية، تبين إلى أي حد وصل اختراق الثقافة الأجنبية، الفرنكوفونية خاصة، لهذه المؤسسة التي يؤدي الشعب فاتورة استمرارها كرها رغم رفضه لها ولبرامجها ومسلسلاتها، وخاصة المدبلجة.

3- انتشار ظاهرة الأفلام الإباحية في العديد من قاعات السينما حتى أضحى  الاشهار عنها في بعض القاعات إلى عرض صورها جهاراً خارج القاعة، بل والغريب أن بعض القاعات تخصص ما تسميه (بالعرض الخاص)، وهو عرض لفيلم إباحي يتقاتل المراهقون أحيانا أمام شباك التذاكر للفوز بمقعد أمام شاشة لا تخترق كيانهم الثقافي فقط، بل وتحدث في نفوسهم الكثير من الأمراض، وقد لا نحتاج إلى التذكير بأن من أهم أسباب انتشار ظواهر الانحراف الأخلاقي ما له علاقة بعرض هذه الأفلام، والغريب في الأمر  كذلكهو أن هذه الآفة تزيد استفحالاً في ظل غياب شبه مطلق للمؤسسات الوصية، من مثل المركز السينمائي المغربي بل وحتى القانون.

4- الاهتمام المتزايد بسلسلة ا لأغاني “العاطفية” التي تخدش كلماتها الحياء، ودعم توزيع الكتب والمجلات الأجنبية ببلادنا، بل وقيام مؤسسات “وطنية” باعادة انتاج مثيلات تلك المجلات المشبوهة بأسلوب مغربي، والخطير في الأمر هو أن استفحال هذه الظواهر زاد عن حده في ظل حكومة تدعي أنها تنتمي إلى (الثقافة التقدمية) أو(ثقافة التناوب والتغيير).

ذ. عبد العزيز انميرات

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>