رمضان شهر تدبر القرآن والعمل به : {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}


في معنى التدبر

نحن في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينة من الهدى والفرقان. وهو حبل الله المتين، وحبل الله الممدود  بين السماء والأرض كما وصفه رسول الله  ومعلوم أن المسلمين يكثرون من قراءة القرآن في هذا الشهر المبارك، لكن هذه التلاوة تحتاج إلى تدبر وحضور للقلب والعقل حتى يفهم القارئ معاني كتاب الله تعالى ويعمل بما فيه، وهذه هي الغاية التي أنزل من أجلها القرآن، طبقا لقوله تعالى : {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب}-ص : 29- وقال الحسن البصري : نزل القرآن ليُتدبر ويُعمل به، فاتخذوا تلاوته عملا(مدارج السالكين لابن القيم 451/1).

وعرف الراغب التدبر قائلا :

يقول ابن القيم رحمه الله في القصد من نزول القرآن : ” وأما التأمل في القرآن : فهو تحديق ناظر القلب إلى معانيه، وجمع الفكر على تدبره وتعقله. وهو المقصود بإنزاله، لا مجرد تلاوته بلا فهم ولا تدبر” مدارج السالكين 451/1.

والتدبر : “هو النظر في أدبار الأمور، أي أواخرها ونتائجها وعواقبها، وتدبر الكلام هو النظر والتفكر في غاياته ومقاصده التي يرمي إليهاوعاقبة العامل به والمخالف له” تفسير المنار لرشيد رضا 287/5.

وقال الإمام علي ] : “لا خير في دين لا فقه فيه ولا خير في صلاة لا خشوع فيها ولا خير في قراءة لا تدبر فيها” والمقصود هنا طبعا قراءة القرآن الكريم.

وفي هذا الصدد يقول أحمد الشرباصي في قوله تعالى : {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}، (أفلا يلاحظون معاني القرآن ودقائقه ورقائقه، وما فيه من المواعظ والزواجر، حتى لا يقعوا فيما وقعوا فيه من الموبقات، أم أن قلوبهم قد قست أو استغلقت، فهي لا يصل إليها الذكر ولا ينكشف لها الأمر، فكأنهامقفلة، لا تقبل التدبر ولا الاعتبار؟) أخلاق القرآن 222/1.

ويقول رشيد رضا : “إن تدبر القرآن فرض على كل مكلف لا خاص بنَفَر يسمون المجتهدين، يشترط فيهم شروطا ما أنزل الله بها من سلطان، وإنما الشرط الذي لابد منه، ولا غنى عنه هو معرفة لغة القرآن مفرداتها وأساليبها فهي التي يجب على من دخل في الإسلام ونشأ فيه أن يتقنها بقدر استطاعته” تفسير المنار : 295/3.

ما يساعد على تدبر القرآن

عند قراءة الورد القرآني يحسن استعمال كتاب لشرح المفردات القرآنية التي يصعب فهمها مثل “كلمات القرآن تفسير وبيان لمحمد مخلوف، وللذين لهم دراية بعلوم القرآن يحسن استعمال كتاب : “مفردات غريب القرآن للراغب الأصفهاني” فمثل هذه الكتب يساعد على تدبر كتاب الله تعالى وفهم المر اد القريب من الآيات.

ومما يساعد على التدبر والتخشع أن القارئ للقرآن إذا مر بآية رحمة ومغفرة سأل الله تعالى الرحمة والمغفرة،وإذا مر بآية عذاب استعاذ بالله من عذابه، وإذا مر بآية فيها ذكر الجنة سأل الله تعالى الجنة وما يقرب إليها من قول وعمل وإذا مر بآية فيها ذكر النار استعاذ بالله من النار وما يقرب إليها من قول أو عمل، خاصة ونحن في شهررمضان؛ شهر استجابة الدعاء، فيجب على قارئ القرآن أن يكثر من الدعاء، وهذا من سنة المصطفى .

وفي القرآن حكم وعبر وأمثال يجب تدبرها، وفيه قصص الانبياء والأمم الغابرة لأخذ العبرة، ولذلك إذا قرأ القارئ الآية وأعادها من أجل التدبر فهو أحسن، فليست بكثرة قراءة القرآن دون تدبر وتفكر، وإنما العبرة بفهم معاني الآيات بكثرة تكرارها، فقراءة سورة بتدبر خير من قراءة عدة سور بدون تدبر ووعي.

ويجب على المسلم عند استماع القرآن أن يصغي إليه وينصت بخشوع لأنه كلام الله لا كلام البشر، وهذا ما يساعد على التدبر. ولكن للأسف نجد بعض الناس، عند قراءة القرآن، منهم من يتكلم مع غيره، ومنهم من يأكل ويشرب والقرآن يتلى والله تبارك وتعالى يقول : {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون}-الأعراف : 204-. فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم إذا قرئ عليهم القرآن كأن على رؤوسهم الطير تدبرا  وتفكرا في القرآن وتقديرا له.

وتدبر القرآن يساعد على الخشوع في الصلاة كصلاة التروايح، وهو في صلاة الفريضة أولى، لأن القرآن الكريم كتاب المسلمين جميعا، يسمعه كل مسلم فيتمثل معانيه ومراميه على قدر استطاعته وفي حدود فهمه، فهو كتاب ينمي معرفة الإنسان بدينه ويحسن أسلوب لغته العربية. قال محمد إقبال : أوصاني أبي أن أقرأ القرآن كأنه علي أنزل. وهذه الوصية فيها دلالة كبيرة إذ تستشعر قارئ القرآن كأنه المقصود بما في القرآن من أحكام وتكاليف وأوامر ونواه.

فوائد تدبر القرآن الكريم

لتدبر القرآن عدة فوائد ذكر ابن القيم بعضا منها قائلا:

“فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن، وإطالة التأمل. وجمع الفكر فيه على معاني آياته، فإنه تُطلع العبد على معالم الخير والستر بحذافيرهما. وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما، ومآل أهلهما، وتتُلُّ في يده(تضع في يده) مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة وتثبت قواعد الإيمان في قلبه، وتشيد بنيانه، وتوطد أركانه، وتريه صورة الدنيا والآخرة، والجنة والنار في قلبه، وتحضره بين الأمم، وتريه أيام الله فيهم. وتُبَصِّره مواقع العبر، وتشهده عدل الله وفضله، وتعرفه ذاته، وأسماءه وصفاته وأفعاله، وما يحبه وما يبغضه، وصراطه الموصل إليه، وما لسالكيه بعد الوصول والقدوم عليه، وقواطع الطريق وآفاتها، وتعرفه النفس وصفاتها، ومفسدات الأعمال ومصححاتها وتعرفه طريق أهل  الجنة وأهل النار وأعمالهم، وأحوالهم وسيماهم، ومراتب أهل السعادة وأهل الشقاوة، وأقسام الخلق واجتماعهم فيما يجتمعونوافتراقهم فيما يفترقون فيه.

وبالجملة تعرفه الرب المدعو إليه، وطريق الوصول إليه، وماله من الكرا مة إذا قدم عليه(مدراج السالكين : 451/1 وانظر تفصيل هذه الفوائد حيث ختمها ابن القيم بقوله : (وفي تأمل القرآن وتدبره وتفهمه، أضعاف ما ذكرنا من الحكم والفوائد)).

فلو استقام المسلمون على تدبر القرآن والعمل بما فيه في كل زمان ومكان لما فسدت أخلاقهم وآدابهم، ولما وصلوا إلى الأوضاع التي هم عليها اليوم.

وإن المسلم إذا صدق وأخلص في تدبره يصير يقظا في تفكيره وتعبيره، وفي قوله وعمله وسلوكه وأخلاقه. وإذا استحضر عقله وقلبه أثناء قراءة القرآن كان من أهل التذكر والتفكر وا لتدبر في القرآن {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}-ق : 37-.

ذ. الحسين جناني

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>