دروس من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم :


نسب الرسول صلى الله عليه وسلم

هو أبو القاسم محمد بن عبد الله، بن عبد المطلب، بن هاشم، بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة  بن كعب بن لؤى بن غالب بن فِهْر بن مالك ابن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد ابن عدنان(1).

فلما وضعته أمه صلى الله عليه وسلم، أرسلت إلى جده عبد المطلب : أنه قد وُلِدَ لك غلام، فَأتِهِ فانظُرْ إليه؛ فأتاه فنظر إليه، وحَدَّثَتْهُ بما رأت حين حَمَلَتْ به، وما قيل لها فيه، وما أُمِرَتْ بِهِ أن تُسَمِّيَهُ فيزعمون أن عبد المطلب أخذه، فدخل به الكعبة؛ فقام يَدْعُو الله، ويَشْكُرُ لَهُ ما أعطاه، ثم خرج به إلى أمه فدفعَهُ إليها. والتمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم المَرَاضِعَ. فاسْتَرْضَعَ لَهُ(طلب منها أن تُرضِعه له ) امرأةً من بني سعد بن بكر، يقال لها : حليمة ابنة أبي ذُؤيب.

أ – بالنسبة لصحة هذا النسب الشريف :

نجد أن المحدثين وكتاب السِّيَر مُجْمِعُون على صحة النسب إلى عدنان.

< قال البغوي في شرح السنة بعد ذكر النسب إلى عدنان >ولا يصح النسب فوق عدنان<.

< وقال ابن القيم بعد ذكر النسب إلى عدنان أيضاً: > إلى هاهنا معلوم الصحة، متفق عليه بَين النَّسَّابين ولا خلاف البتَّةَ، وما فَوق عدنان مختلف فيه، ولا خلاف بينهم أن عدنان من ولد إسْمَاعِيل عليه السلام<(2)

ب – بالنسبة لفضل النسب الشريف :

< روى مسلم عن وائلة بن الأسقع -]- قال: سمعت رسول اللَّه  يقول: >إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيل، واصْطَفَى قُرَيْشاً مِن كِنَانَةَ، واصْطَفَى من قُرَيْشٍ بَني هَاشِمٍ، واصْطَفانِي من بني هَاشِمٍ<(3)

< روى البخاري عن أبي هريرة ]، أن رسول اللَّه  قال: >بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَني آدَمَ قَرْناً فَقَرْناً، حَتَّى كُنْتُ مِنَ القَرْنِ الذِي كُنْتُ مِنْهُ<(4)

< روى الترمذي عن العباس بن عبد المطلب -]- قال: قلت: يارسول اللَّه إن قُرَيْشا جلسوا فتذاكروا أحْسَابَهُم بينهم، فجعلوا مَثَلَكَ كمثل نخلة في كبوة من الأرض (5) فقال : >إِنَّ اللَّه خَلَقَ الخَلْقَ، فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِهِمْ مِنْ خَيْرِ فِرَقِهِمْ، وخَيْرِ الفرِيقَيْنِ، ثم تخيَّرَ القبائل، فجعَلني من خَيْرِ قبيلة، ثم تخيَّر البُيُوتَ، فجعلني من خَيْر بُيُوتِهِمْ، فأنا خَيْرُهُمْ نَفْساً، وخَيْرُهُمْ بَيْتاً<(6)

< روى الطبراني عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- في تفسير قوله تعالى: {وتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ}(الشعراء : 219) قال: >من صُلْبِ نبيٍّ إلى صُلْبِ نبي حتى صِرْتُ نبيا<(7)

جــ – بالنسبة لميزة النسب داخل الأسرة الإِبْرَاهِيمية :

روى الحاكم في المستدرك، وابن جرير في تفسيره وغيرهما عن عبد اللَّه بن سعيد الصنابجي قال: >حضرنا مجلس معاوية، فتذاكر القوم إسْمَاعِيل وإسحاق، أيهما الذبيح؟ فقال بعضهم: إسْمَاعِيل، وقال البعض: إسحاق، فقال معاوية: على الخبير سَقَطتُمْ، كنا عند رسول اللَّه ، فأتاه أعرابي، فقال: يارسول اللَّه، خَلَّفْتُ الكَلَأ -العُشب والمرعى- يابسا، والمال عَابِساً -الحيوان جائعا- هَلَك العيال، وضاع المال، فَعُدْ عَلَيَّ مِمَّا أفَاء اللَّه تعالى عليك ياابن الذَّبِيحَيْن، فَتَبَسَّمَ رسول اللَّه ، ولم يُنْكِرْ عليه، فقال القوم: من الذَّبِيحَان ياأمير المؤمنين؟ فقال: إن عبد المطلب لَمَّا أمر بحفْر زمزم نَذَرَ لِلَّهِ إن سَهَّلَ أمرها أن يَنْحَرَ بعض بنيه، فلما فَرَغَ أسْهَمَ بينهم، فكانوا عشرة، فخرج السهم على عبد اللَّه، فأراد أن ينحره، فَمَنَعَه أخْوَالُه بنو مخزوم، وقالوا: أرْضِ رَبَّكَ، وافْدِ ابنك. ففداه بمائة ناقة. قال معاوية: هذا واحد، والآخر إسْمَاعِيل(8).

وروى ابن إسحاق عن محمد بن كعب القُرظي: أن عُمَر بْنَ عبد العزيز أرسل إلى رجل -كان يهوديا فأسلم وحسن إسلامه وكان من علماء اليهود- فسأله > أَيُّ ابْنَيْ إِبْرَاهِيم أُمِرَ بِذَبْحِه؟< فقال: إسْمَاعِيل -واللَّه ياأمير المومنين- وإن يَهُودَ لتعْلَمُ بذلك. ولكنهم يحسدونكم معشر العرب<(9)

ومن تمام هذا الشرف أن تكون (هاجر) – أم إسْمَاعِيل، وزوج إِبْرَاهِيم عليهم السلام- جدة لنبينا عليه السلام،

د – مولد الرسول  عام الفيل :

المشهور فعلا هو أن الرسول  وُلد عام الفيل حسب مختلف الروايات، أما قصة الفيل نفسها فهي ثابتة بنص القرآن الذي تضمن سورة تسمى سورة الفيل، وهي {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيل، أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَاكُولٍ}

كما أنها ثابتة في السنة أيضاً. ففي الصحيحين أن رسول اللَّه  قال يوم فتح مكة: {إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَن مَكَّةَ الفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالمُؤمِنِينَ، وَإِنَّهُ قَدْ عَادَتْ حِرْمَتُهَا اليومَ كَحِرْمَتِهَا بالأمس، ألا فليبلِّغ الشاهدُ الغائبَ}(10)

وقال رسول اللَّه  أيضاً يوم الحُدَيْبِيَّة حِينَ بركت ناقتُه القَصْوَاء دون مكة، فقالوا: خَلَأت القَصْوَاء – أَيّ حَرَنَتْ- مَا خَلَأَتْ القَصْوَاءُ، وَمَا ذَاك لَهَا بِخُلُقٍ، وَلكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الفِيلِ(11).

——–

1- هذا النسب مروي عن البخاري في كتاب مناقب الأنصار، باب مبعث النبي ، فتح الباري 7/162 انظر هامش ص: 19 من صحيح السيرة للأستاذ إِبْرَاهِيم العلي.

2- صحيح السيرة للأستاذ إبراهيم العلي، نقلا عن زاد المعاد، وشرح السنة 13/193.

3- صحيح مسلم (4/1782) 43 كتاب الفضائل،  1 – فضل نسب النبي وتسليم الحجر عليه، انظر الأساس في السنة وفقهها. السيرة النبوية 1/138 للأستاذ سعيد حوى رحمه اللَّه تعالى.

4- البخاري (6/566) 61 – كتاب المناقب 23- باب صفة النبي ، المرجع السابق، ص 139.

5- الكبوة: هاهنا مَحَلُّ تجمُّع الغُبار والطَّمْي، وفي رواية أخرى: الكَبَاء، وهو نفس المعنى.

6- الترمذي (5/583) 50 – كتاب المناقب، باب فضل النبي ، وقال فيه: حديث حسن، المرجع السابق.

7- أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (7/86) وقال: رواه البزار والطبراني ورجالهما رجال الصحيح غير شبيب بن بشر، وهو ثقة. المرجع السابق 1/139.

8- هذا الحديث صححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقيل إنه حسن، وقد ضعفه بعض العلماء، وهو في حكم المرفوع لتقرير النبي  لقول الأعرابي: >ياابن الذَّبِيحَيْن< السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة للدكتور محمد بن محمد أبو شهبة 1/119 – هامش.

9- المرجع السابق نفس الصفحة، قال أبو شهبة: وأما الحديث المشهورعلى الألسنة، أن النبي  قال: {أَنَا ابْنُ الذَّبِيحَيْن} فقد قال الإمام العراقي فيه: إنه لم يقفْ عليه، ولا يعرف بهذا اللفظ، وعلى هذا فلا يُحْتَجُّ به، ولا تجوز روايته أو ذِكْرُه إِلاَّ مقترنا ببيان حاله. اهـ.

وانظر كذلك التفسير الحديث لعِزَّة دروزة رحمه اللَّه تعالى، حيث نَسَبَ قصة اليهودي الذي أسلم وما قاله لعمر بن عبد العزيز منسوبةً إلى رواية البغوي أيضاً 4/222 الطبعة الثانية.

10- انظر في ظلال القرآن 6/3975.

11- أخرجه البخاري، انظر نفس المرجع السابق. والقَصْوَاء: مؤنث الأقصى من الإبل والشاء، وهو الذي قُطع قليل من طرف أذنه. والقُصوى مؤنث الأقصى بمعنى الأبعد.

في الحلقة القادمة الفوائد المستفادة

ذ. المفضل فلواتي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>