4- الصاع النبوي بالمقادير المعاصرة
للشيخ عبد الله بن سليمان المنيع
الصاع مكيال تكال به الحبوب وغيرها، وقد عرفته الأمم السابقة قال تعالى : {قالوا وأقْبلوا عليهِم ماذا تفْقِدون، قالُوا نفْقِد صُواعَ الملك ولمن جاء به حِمْل بعير وأنا به زعيم}-يوسف : 71، 72-.
وارتبط المكيال بالمدينة المنورة، فلما هاجر إلى المدينة، وسن نظام المكاييل والموازين، اعتبر صاع المدينة المرجع الأساسي الذي تقدر به الواجبات المالية الشرعية من زكاة وغيره(1).
قال أبو عبيد القاسم بن سلام : “وجدت الآثار قد نقلت عن النبي وأصحابه والتابعين بعدهم بثمانية أصناف من المكاييل، الصاع، والمد، والفرق، والقسط، والمدي، والمختوم، والقفيز، والمكوك، إلا أن عظم ذلك في المد والصاع”(2).
والصاع يستعمل للكيل فقط، وقد يستشكل ما روي عن النبي : >أنه أعطى عطية بن مالك صاعاً من حرّة الوادي<.
وقد أجاب عن ذلك ابن الأثير رحمه الله حيث قال بعد عرضه للحديث السابق : “أي موضعاً يُبذر فيه صاع، كما يقال أعطاه جريباً من الأرض : أي مبْذَر جريب”(3).
والصاع : يذكر ويؤنث. قال الفراء : أهل الحجاز يؤنثون الصاع ويجمعونها في القلة على “أصْوُعٍ”.
وفي الكثرة على “صيعان”، وبنو أسد وأهل نجد يُذكّرون ويجمعون على “أصْوَاع” وربما أنثها بعض بني أسد. قال الزجاج : التذكير أفصح عند العلماء، ويمكن أن يجمع على “آصُع” كما نقله ا لمطرزي عن الفارسي(4).
و”الصُّواع” و”الصّوََاعُ” والصّوْعُ” و”الصُّوعُ’ : كله إناء يشرب فيه.
وفي القرآن الكريم قال تعالى : {قالوا نفْقِد صُواع الملك}-يوسف : 72-. ومما يدل على أنه إناء يشرب بها الملك قوله تعالى : {جعل السّقَاية في رحل أخيه}-يوسف : 70-(5).
مقدار الصاع النبوي
بالمقاييس القديمة
ذهب الجمهور من المالكية(6)، والشافعية(7)، والحنابلة(8)، وأبو يوسف من الحنفية(9)، إلى أن مقدار صاعه = أربعة أمداد. وكل مد = رطل وثلث بالبغدادي، فيكون مقدار الصاع = خمسة أرطال وثلث رطل.
وذهب أبو حنيفة ومحمد بن الحسن(10)، إلى أن مقدار صاعه أربعة أمداد، وكل مد رطلان، فيكون مقدار الصاع ثمانية أرطال.
مقدار الصاع بالمثاقيل
أولاً : على رأي الجمهور : تقدم سابقاً(11) أن الرطل = 90 مثقالاً، وأن مقدار الصاع = 3/1*5 رطل، فيكون مقدار الصاع بالمثاقيل = 90* 3/1*5 = 480 مثقالاً.
ثانياً على رأي أبي حنيفة، تقدم سابقاً(12) أن الرطل = 91 مثقالاً، وأن مقدار الصاع = 8 أرطال، فيكون مقدار الصاع بالمثاقيل = 91*8= 728 مثقالاً.
مقدار الصاع بالدراهم
أولاً : على رأي المالكية والحنابلة :
تقدم سابقاً(13) أن الرطل = 128 درهماً، وأن مقدار الصاع =3/1*5 أرطال، فيكون مقدار الصاع بالدراهم = 128*3/1*5 = 682.66 درهماً.
ثانياً : على رأي الشافعية : تقدم سابقاً(14) أن الرطل = 4/3*128 درهماً، وأن مقدار الصاع = 3/1*5 أرطال، فيكون مقدار الصاع بالدراهم =7/3*128*3/1*5= 672.714 درهما، ويكون مقدار الصاع باللتر = 2.75 لتراً
ثالثاً : على رأي الحنفية : تقدم سابقاً(15) أن الرطل = 130 درهما، وأن مقدار الصاع = 8 أرطال، يكون مقدار الصاع بالدرهم =130*8= 1040 درهما، ويكون مقدار الصاع بالجرامات = 3.296.8 جراماً، ويكون مقدار الصاع باللتر = 4.127.3 لتراً.
مقدار الصاع النبوي بالمقاييس الحديثة
قال الأستاذ أحمد الدريويش نقلاً عن صاحب كتاب “الميزان في الأقيسة والأوزان” : >أنه توصل بعد بحث عميق ودقيق في هذا الموضوع إلى أن وزن المثقال الذي قدر به الرطل البغدادي يساوي 4.53 جراماً، وأن الدرهم بناء عليه يساوي 3.17 جراماً<(16). وعليه فإن مقدار وزن الصاع بالجرامات باعتبار أن وزن المثقال = 4.53 جراماً يكون = 470*4.53= 2174.4 جراماً أي 2175 جراماً تقريباً.
ويكون مقدار وزن الصاع بالجرامات باعتبار أن وزن الدرهم = 3.17 جراماً يكون = 685.714*3.17 = 2173.7 جراماً تقريباً.
وقد بحثت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية مقدار الصاع بالكيلو جرام وكان بحثها معتمداً على أن صاع رسول الله أربعة أمداد، وأن المد ملء كفي الرجل المعتدل، وكان منها تحقيق عن مقدار ملء كفي الرجل المعتدل، وتوصل هذا التحقيق إلى أن مقدار ذلك قرابة 650 جراماً للمد، يكون مقدارا لصاع 2600 جرام، وفيما يؤيد ماا تجه إليه مجلس هيئة كبار العلماء في تقديرالصاع ما ذكره الدكتور محمد الخاروف أن المقريزي ذكر عن الشيخ العزفي مانصه : >جربنا هذا المد المعتمد بالحفنات والأكف المختلفات فوجدناه بالكفين العريضين تزيد عليه، ووجدناه بالكفين الرقيقين المتوسطين كفواً له<(17).
والذي عليه العمل والفتوى حسب ما صدر من سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حمه الله مفتي عام المملكة المنصوص عليها في الجزء الرابع عشر من مجموع رسائله وفتاواه(18). وكذلك الفتوى الصادرة من اللجنة الدائمة بالرئاسة العامة لإدارات البحث العلمية والإفتاء برقم 12572 أن الصاع النبوي مقداره 3 كيلو تقريباً(18). والله أعلم.
————–
(1) انظر : أحكام السوق في الإسلام ص 107. // (2) الأموال ص 688.
(3) النهاية في غريب الحديث والأثر 60/3.
(4) انظر : المصباح المنير ص 352. //(5) انظر : لسان العرب : 215/2.
( 6) انظر : مواهب الجليل : 165/2.
(7) انظر : المجموع شرح المهذب : 128/6. //(8) انظر : المغني لابن قدامة : 59/3.
(9) انظر : الهداية للمرغيناني : 117/1.
(10) انظر : نفس المرجع السابق. // (11) انظر : بحث الرطل.
(12) انظر : بحث الرطل. // (13 انظر : بحث الرطل.
(14) انظر : بحث الرطل. // (15) انظر : بحث الرطل.
(16) أحكام السوق في الإسلام ص : 119.
(17) الإيضاح والتبيان لابن رفعة بتحقيق الدكتور محمد الخاروف ص : 56.
(18) انظر : جـ 14 ص 200 من مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحته.