هناك أمريكا الجميلة…
وهناك أمريكا المرعبة، التي لا تتوانى عن تطبيق العقاب الجماعي، والمفتونة بأولوية الخيار العسكري، والتي تستعرض قوتها في صورة تتحدى بها مشاعر شعوب بكاملها. أمريكا الصاروخ الذي أودى بحياة ألف مدني دفعة واحدة في ملجأ العامرية، والقصف الذي حطم مصنعا للأدوية في الخرطوم.. أمريكا التي تدعم إسرائيل في حربها ضد جمال الدرة وفتية يطالبون بتحرير وطنهم طبقا للشرعية الدولية، والتي يحلو لها أن تستعمل الفيتو ضد قرار يعتبر أغلب ممثلي المجموعة الدولية أنه عادل، والتي تعتبر قصف عضو في الأمم المتحة مثل نزهة لصيد السمك.. والتي تمارس الهيمنة على العالم بقوة السلاح، والتي يتحدث زعماؤها اليوم هكذا عن (تحطيم دول)، والتي تمثل الخصم والحكم، وتقسم العالم إلى أخيار وأشرار، وتتحالف مع أشد الأنظمة استبدادا إذا اشتمت رائحة البترول مثلا. إنها أمريكا المزهوة بانتصارها في كل الحروب الخارجية، باستثناء خروجها من الفيتنام ولبنان.
هذه الأمريكا، تثير غضب الناس في الكثير من بقاع العالم، وبالتالي فهي مسؤولة عن بعض ردود الفعل التي قد تأتي في شكل مأساوي.
إن كل الاحتمالات ممكنة بخصوص ما وقع. لكن، قد يكون الفاعلون الذي ارتضوا أولا التضحية بأرواحهم والاندفاع نحو كل هذا العنف الدموي، جزءا من أولئك الذين راكموا معاناة بليغة وشعورا عميقا بالظلم، فانفجر عداؤهم لأمريكا بهذا الشكل.
فعلى أمريكا إذن، أن تنتفض على أمريكا. أما بخصوص الأصولية، فنحن نشاهد عموما تزايد الأصوليات الدينية في العالم وقد أدت في أمريكا نفسها إلى انتحارات جماعية، لكن يقع التركيز على أصولية واحدة.
يمكن لأية ديانة أن تُستغل لتأجيج مظاهر العنف ومشاعر الحقد ضد الآخر، ولرفض الحداثة، لكنها أيضا قد تُستعمل في ‘الدفاع” بطريقة ما عن قضايا هي في جوهرها عادلة، وفي التعبير الدموي الانتحاري عن أوضاع الظلم والاضطهاد. وهنا لا يحق الاكتفاء بالقول بأن الأصولية خطر، بل يتعين اجتثات مصادر الظلم والاضطهاد.
علينا أن نبني عالما عادلا، وعلى أمريكا أن تساهم فيه، وأن تنتبه إلى مخاطر سياستها عليها وعلينا، وأن تتفادى دخول القرن الجديد بحرب عالمية ثالثة، قد تتحول إلى حرب دينية “وصليبية”…
محمد الساسي
(الصحيفة بتصرف
ع 32)