لماذا تشن الصحافة اليسارية في بلادنا حربا على الإسلام؟


لا يكاد يمر يوم على الجرائد المعروفة بنزعتها اليسارية دون النيل تصريحا وتضمينا من الإسلام عن طريق تزوير الحقائق، وتلفيق التهم ضد رموزه وشخصياته، وكل ما يمت إليه بصلة لهدف لم يعد خافيا.

إن هذا التحامل اليومي من جانب اليسار عبر وسائل الإعلام المكتوبة على وجه الدقة والذي افتضح أمره وصار حديث العام والخاص هو ظاهرة من إفرازات الوضع السياسي العالمي والمحلي على أثر رواج فكرة العولمة، وما ترتب عنها من هرولة وانبطاح لدى طوائف مختلفة في الدول الضعيفة ومن ضمنها ما يعرف باليسار الذي ابتلي بالتيه بعد اندحار الشق الشرقي الأحمر للطاغوت العالمي.

إن من كانوا بالأمس ينعتون أنفسهم باليساريين والتقدميين، ويصفون أنفسهم بما يروقهم من نعوت ليسوا سوى حثالات ما كان ينبغي لهم تجاوز مرتبة الأذناب في المعسكر الشيوعي، هؤلاء حوّلهم الانبطاح في زمن أكذوبة العولمة إلى طفيليات هجينة تتمنى السباحة في مستنقعات ما كانوا يسمونه بالأمس امبريالية ورأسمالية وصهيونية وهلم جرا.

لقد راهنت هذه الطائفة لعدة عقود على تصور صبياني فاسد للحياة تطبعه الطوباوية، وظلوا ينعتونه بالواقعية والعلمية حتى تنكر له الواقع ونكره العلم وانصرف عنه الناس، فلم يجدوا بداً من الانبطاح المجاني تحت أقدام الامبريالية، وهي فيهم زاهدة وعن تزلفهم راغبة، لأن الظرف لا يقتضي هذا الانبطاح وهي في عز طغيانها ولا حاجة لها بأذناب شيوعية الأمس. لقد اعتقد اليسار أن د خول الحرب ضد الإسلام إلى جانب الامبريالية سيجلب له الاحترام والتقدير، فاجتهد في إرضائها بشتى الوسائل. إن الامبريالية عبر دراساتها الدقيقة وجاسوسيتها التي لا تنام لها عين تدرك أن الإسلام لن يسمح لها ببسط هيمنتها على مناطق نفوذه على الأقل في الوقت الراهن لأنه السباق إلى فكرة العولمة التي تبنتها والتي ينقصها البعد العقدي الذي يُعبّد الناس لرب العباد الواحد الأحد، لهذا تشتاط غضبا من تمظهرات الاسلام وتشن عليه حربا في كل المجالات وعلى مختلف الأصعدة. وأمام غياب فكرة الجامعة الاسلامية والخلافة التي اجتهدت الامبريالية في طمس معالمهما من خلال مشروع الاستعمار البغيض الذي فتت بلاد الإسلام إلى رقع وأجج الصراعات بينها تسهيلا لفكرة إذعان شعوبها له بعد جلائه عنها لم تجد هذه الامبريالية مندوحة عن تصور عدو لها تمثله وجماعات وحتى أشخاص أحيانا ممن يحمل المشروع الاسلامي.

وهكذا شن الغرب حملته المسعورة ضد بعض الرموز بعدما خلع عليها ما أصبح يستهجن من مصطلحات في قاموسه الحاقد من قبيل الأصولية والارهاب والظلامية وهلم جرا. وأمام هذا الوضع الذي يرقبه اليسار باهتمام بالغ، برقت له بارقة أمل للأخذ بأسباب الانبطاح ليكفر عن ذنب الأمس، وقد اعتقد أن أنسب الطرق إلى الانبطاح هو دخول هذا الصراع إلى جانب الامبريالية ضد الاسلام عسى أن يُغفر ذنبه وتُقبل توبته ويظفر بزاوية من زوايا التهميش في مستنقعات الغرب الرأسمالي ملتمسا شفاعة قناع الديمقراطية.

ولهذه الأسباب صرنا لا نستغرب أساليب القدح في المشروع الإسلامي من خلال رموزه قديمها وحديثها فما تجريح ا لإمام ابن حنبل والغزالي وابن تيمية ومن قال بمقولاتهم في عصرنا من أمثال الترابي والقرضاوي وابن لادن إلا انعكاساً لثمن انبطاح اليسار. فاليسار إنما يرغب في دغدغة مشاعر الامبريالية من خلال مناصبة العداء للمشروع الاسلامي الذي هو الخلافة بالمفهوم الاسلامي والعولمة بالمفهوم الامبريالي.

إن الكتابة اليومية على صفحات الجرائد اليسارية ضد النهج الاسلامي تهدف إلى خلق نوع من الشهرة والدعاية لفكرة معاداة الاسلام من خلال بعض الرموز أملا في الظفر بصفقة الارتزاق لدى الامبريالية، ولكن مع الأسف الشديد لقد قطع المشروع الاسلامي شوطا لا رجعة فيه، وأصبح مصدر قلق للغرب، ذلك أن الدراسات الغربية الدقيقة عبر شبكات الجاسوسية تنذر بالويل والثبور وعواقب الأمور من “إسلام” ابن حنبل وابن تيمية والغزالي الذي بعث من جديد وبقوة لا قبل للغرب بها.

إن تهافت مقالات اليسار ضد الاسلام يعكس روح الانهزام والاندحار اليساري أمام قلق الامبريالية التي لم تعد قادرة على إخفائه من تنامي المد الاسلامي الرافض لهيمنتها. ومن المثير للشفقة على هذا اليسار المنبث في بلاد الاسلام عموما وبلادنا خصوصا أنه لعب كل أوراقه المتقادمة في وقت وجيز استباقا للزمن ورغبة في أن تصادف هذه الأوراق المهترأة ظرفا يسمح بظهورها على الساحة والمضحك حقا أن يظهر المشروع اليساري المندحر ببهرجة مكشوفة لا يخفى أمرها على أحد.

وأكبر مغالطة يمررها اليسار على نفسه قبل غيره هي الاعتقاد بأن الحرب الدعائية كفيلة بتوفير التعاطف مع المشروع المبهرج في أوساط أمة آمنت بحتمية الصراع مع الامبريالية، وقد نسيت هذه الطائفة أنها لن تبلغ بدعايتها ما بلغته أبواق الاذاعات العالمية للمد الشيوعي لعقود من السنين دون أن تنال شيئا من شريك لها في الطاغوت فبالأحرى النيل من دين يقف وراءه رب عظيم. وأما استراتيجية الادعاء بفهم حداثي للإسلام يناقض فهم أئمة الأمة المطعون فيهم عند اليسار فمحاولة يائسة، لأن هذا الفهم مردود على من رضي الإلحاد من قبل عقيدة. وأما حتمية التاريخ بتعبير اليسار نفسه فهي سيادة الاسلام بمفهوم من لا يرضى اليسار إمامتهم وذلك بعز عزيز وذل ذليل.

ذ. الشرگي محمد بن سعيد

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>