أخي هل شممت ريح رمضان؟ هل هبت نسائمه على قلبك؟ هل تراءت لك أنواره؟ ها هو ذا يسير الهُوَيْنَا ليحل بك ضيفا، وينزل عليك موفدا، فيا ترى كيف استقبالك له؟ وماذا أعددت لنزوله؟.
إن ريح رمضان لا تشم بالأنوف ولكن بالقلوب، وإن أنواره لا ترى بالأبصار بل بالبصائر، ونسائمه لا تهب على الوجوه ولكن على الأفئدة.
فحَيّهَلا أيها الحبيب فبين يديك مائدة ربانية فيها من صنوف المغفرة والرحمة والعفو ما تقرّ به عينك، وتزول به أحزانك، ويطمئن به فؤادك، وتشرق به روحك، وتصفو به سريرتك، وتزكو نفسك، فتنعتق حينئذ من أوحال الشهوات، وبراثن الشبهات التي أخلدت بك إ لى الأرض، وقطعت عنك حبال السماء، وأسرتك ببريقها الزائف، ولمعانها الذي يأخذ بالأبصار، ويعرف كنهه وحقيقته ذوو البصائر.
إنها والله فرصة أن تنهل من معين رمضان الذي يصدر كل من يرد إليه بقلب منيب، ونفس تواقة إلى التحليق في سماء الإيمان، ومدارج الإحسان، فإن أبيت إلا العيش لشهواتك وذاتك وغضضت الطرف عن المنح والنفحات الربانية التي طالما ذُكرت بها كلما حل رمضان، كنت المحروم حقا لأنك عرفت وأنكرت، وذُكِّرت فأعرضت.
إن الشوق إلى رمضان كان حادي الصالحين من الصحابة والتابعين، إذ كانوا يعتبرون بلوغه منة من الله عز وجل عليهم، ومغنما ساقه إليهم، وكانوا يسألون مولاهم ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان، وما هذا إلا لما شاهدوا فيه بعيون قلوبهم من اللطائف والمنن، وتنزل الرحمات وإغداق النعم. فحري بمن أراد أن يظفر بذرَرِ رمضان وجواهره، أن يمتطي جواد الشوق، ويلبس لأمة الانكسار، ويشهر سيف التوبة والإنابة بعد أن يشحذه بنار الندم ، ثم يتقدم إلى الميدان بهمة عالية وعزيمة متقدة، فلا يدع بابا من أبواب البر ولا نوْعاً من أنواع القربات إلا وأخذ منه بحظ وافر، وعند الصباح يحمد القوم السرى، والحمد لله رب العالمين.
ذ. منير مغراوي
خطيب مسجد -تاهلة