دور الأسرة في تحضير الطفل نفسيا قبل الدخول إلى المدرسة


في كل عام تفتح المدارس أبوابها، فتنفتح معها الآمال والتحديات والمشكلات في كل أسرة..

ففي كل بيت حكاية عن الدراسة والمدرسة، ولدى كل أب وأم تصور عن معاناة السنة القابلة، كيف ستكون؟ كيف ستمر الأحوال والظروف؟ ما طبيعة التحديات المادية والنفسية؟…ومع هذا نلحظ وجود أمل يتجدد لدى الأباء والأمهات في أن يجتاز أبناؤهم دراستهم بتفوق..

مع اقتراب الدراسة يتغير إيقاع الحياة في أكثر البيوت، ويعلن الحادي أن وقت اللعب ولّى وجاء وقت الجد والاجتهاد، وترفع درجة الطوارئ، وتجري الاستعدادات على قدم وساق: شراء الملابس والأدوات المدرسية وكل ما من شأنه أن يكون صالحا لاجتياز هذا الطريق المليء  بالمفاجآت وتغير الظروف.. والملفت للنظر في هذا الصدد هو القلق الذي قد يرافق الطفل في بداية المرحلة التي نتكلم عنها، حيث يظهر عند بعض الأطفال نوع من التبرم من الدراسة وحصول نوع من الإهاب من حجرة الدرس والمعلم.. ويختلف مدى تقبل الأطفال لعالمهم الجديد تبعا لمدى قدرتهم على الاستقلال عن ذويهم..

فما هي الأسباب الموضوعية في هذه المسألة؟ وما هي أهم الأمور المساعدة للأباء والأمهات في تأدية دورهم من هذه الزاوية على الوجه الأكمل؟ وكيف يمكن تخطي جملة من الصعاب التربوية ؟

< ذ. محمد أبو يونس

في الحقيقة هناك أسباب كثيرة جدا تقف وراء هذه الظاهرة، وفي هذا الصدد يذكر المدرسون وإداريو المدارس أن هذه المشكلة منتشرة بكثرة وتتطلب حلولا عدة وصبرا طويلا.. ويمكن تعداد مجموعة أسباب نحسبها هامة ومسؤولة بالدرجة الأولى عن بروز مثل هذه الأعراض..مشفوعة ببعض الحلول التربوية والاقتراحات المنهجية نسأل الله تعالى أن ينفع بها..

عدم وجود تهيئ قبلي للطفل

يُجمع الأخصائيون على وجوب أن يسبق دخول الطفل إلى المدرسة عناية طبية نفسية.

وحسب علماء النفس الاجتماعي، أن كل عائلة تواجه مشكلة كبيرة في أول انتقال للطفل من البيت إلى الرياض أو المدرسة، نتيجة العلاقة الفطرية بين الأم والمحيط المنزلي من جهة، وبين الطفل من جهة أخرى، إذا لم تساهم الأم- بالخصوص- بتحضير الطفل نفسيا للانتقال إلى العالم الجديد.. ويركز عدد من علماء النفس التربوي على أهمية اكتساب الأطفال الخبرات التعليمية التي تساهم في اكتساب المفاهيم المختلفة خلال فترة الطفولة الأولى قبل الذهاب إلى المدرسة بما يعمل على تكامل نموهم العقلي. وإلى جانب التحضير النفسي للطفل هناك خطوات طبية على المدرسة اتباعها يسميها الأطباء ب(الطب المدرسي) أي اعتماد المدرسة على طبيب له اختصاص الطب المدرسي وتتلخص المهمة في مراقبة الطفل نفسيا وجسديا.. وهناك سؤال يطرح نفسه في هذا المقام: لماذا يفرح الطفل ولماذا يبكي عند الانفصال عن ذويه ؟

يجيب أحد المهتمين بالتربية فيقول : “الفرح يأتي مع الرغبة في اكتشاف العالم الخارجي ظاهريا كما يبدو لنا، لكن قوة إدراك هذا الطفل، تجعله يبحث عن الجديد رغبة في اكتشاف ذاته، أما البكاء والإصرار على عدم الذهاب إلى المدرسة مصدره واحد هو الخوف من خارج أسوار المنزل إذا لم يكن هذا الخارج مشمولا برعاية الأم أو الأب، فالطفل تعود على الرعاية في هذا المحيط..”

إن أفضل طريقة لمساعدة طفلك على تخطي مصاعبه هي أن تقوم بتهيئة الجو قبل الموعد المعلوم، وأن تكون متعاطفا ومتحمسا لكن بحزم، فلا تبعده عن الدراسة، ولكن يجب أن يستمع إليك بعناية وأنت تبحث عن سبب المشكلة وتعالجها..لا تنس أن بداية روضة الأطفال أو الصف الأول تعتبر انتقالا كبيرا ورئيسيا في حياة طفلك من الروتين اليومي الذي يدور في المنزل إلى روتين آخر في العالم الخارجي ولا يستطيع كل طفل معالجة هذا التغيير الكبير. وكثيرا من الأطفال يربكهم هذا النشاط الحافز للمدرسة. إن الانتقال يمكن أن يكون مروعا بشكل خاص للأطفال الذين ليست لديهم تجربة وخبرة قبل دخول المدرسة..

مع أن معظم الأباء والأمهات يتوقون بعض القلق من اليوم أو الأسبوع الأول من السنة الجديدة، إلا أن الشيء الذي قد لا يكونون مستعدين له هو الرهبة التي يتطور أحيانا فيما بعد خلال السنة الدراسية، خصوصا في فترة ما بعد العطلة وقد يكون صعبا على الأطفال العودة إلى روتين المدرسة بالطريقة نفسها التي يجد فيها الكبار صعوبة في العودة إلى وظائفهم بعد عطلة نهاية الأسبوع الطويلة أو الإجازة !

ظروف الطفل الحسية

وقد تساهم الظروف الحسية المرافقة للطفل وهو يستعد للذهاب للمدرسة في حصول نوع من الهروب من المدرسة..وحتى لا ننسى من الواجب النظر كذلك إلى الحمولة فوق العادية التي تعوق الجسد على تحملها- أعني هنا الحقيبة المدرسية- التي أصبحت تقلق الأباء والأبناء على حد سواء: فالأباء يرون فيها مصاريف فوق المعهود وإرهاقا للطفل الصغير المسكين فوق العادة..والأبناء يرون فيها عناء وشقاء كل يوم..وقد قال لي أحد الأباء يوما وهو يتكلم عن حقائب الأطفال وقت خروجهم من المدرسة: هم أشبه برجال ونساء صغار خارجون من أحد الأسواق supermarché  كل واحد يجر سلته بعد أن اشترى ما يحتاجه من أغراض ! .. وبالفعل رأيت كثيرا من الأطفال يجرون عربات صغيرة شبيهة بتلك التي تستعمل في السوق، إلا أن الاختلاف هو أن هؤلاء يحملون فيها دفاتر وكتب وأدوات..

وبالمناسبة فإننا نوجه نداء خاصا إلى المعلمين والإدارة بأن ينظروا بوجه الرحمة إلى هذا الطفل البريء  عماد الأمة مستقبلا، ويعيدوا التفكير في الأسلوب الممنهج والسليم حتى لا يعيق نفسية الطفل أو يحدث خللا في التركيبة الجسدية عنده، ومن بين الاقتراحات المناسبة في هذا الصدد ما يلي:

< أن تقوم الأسرة بالدور الحقيقي في هذا الإطار، حيث أن للأبوين دورا رياديا في المتابعة والتفقد لأبنائهم في المدرسة وذلك بالاتصال بالإدارة والمدرسين لبسط كل المشاكل وإيجاد الحلول الناجعة لها  بالتعاون والتآزر بين الجميع..

< أن ينظر المعلم في استعمال الزمن المعتمد، ويُعلِّم الأطفال كيف يُحضِرون معهم الكتب التي ستستعمل خلال حصة اليوم فقط..لأن الملاحظ أن مجموعة من المعلمين لا يحاولون فعل هذا خشية أن يحضر الطفل دفاتر مخالفة لتلك التي طلبت منه، وبالتالي يفضلون أن يُحضر الطفل الحمولة كلها دون مراعاة للمساوئ التي تحدثنا عنها سلفا..

< أن تقوم جمعية آباء وأولياء التلاميذ في كل مدرسة بمدارسة مثل هذه المسائل والوصول إلى حلول ناجعة تمكن الأطفال من مزاولة دراستهم في أحسن الظروف.. والملاحظ أن هذه الجمعيات تقضي السنة في عقد لقاءات تفتقد لمنهج فقه الأولويات في التربية، فمجملها يدور حول الأمور المادية أو ما شابه ذلك.. وينسى أعضاؤها أنهم في الجمعية مسؤولون عن المسار التربوي للأطفال داخل المدرسة، فالواجب أن يراجع هؤلاء أوراقهم ويصححوا مسار عملهم في الاتجاه الصحيح، والكلام هنا عن وضعية أبنائنا الأخلاقية ومستوى تشبثهم بالمبادئ والقيم الصحيحة فيما بينهم وفيما بينهم وبين مدرسيهم..إلخ

مزاج الطفل وظروف البيت

يعاني بعض الأطفال بسبب مزاجهم مشكلات الانتقال إلى المدرسة، فهم غالبا ما يكونون حساسين جدا، وأحيانا أذكياء جدا، فتطغى مشاعرهم وتكبر مع هذه الخطوة. ويمكن المساعدة بتوجيه بعض الأسئلة التي تُظهر قلقك واهتمامك بحياته المدرسية، حاول ألا توجه الأسئلة التي تكون إجابتهم بنعم أو لا.

إن الأسئلة الأفضل هي من نوع: ما الشيء الذي أحببته في المدرسة اليوم؟ وما النشاطات التي قمت بها؟ إلى من تحدث المدرس؟..

في بعض الحالات تكون الخطوة التالية هي الحديث بشكل خاص مع مدرس طفلك لتعرف كيف يتصرف الطفل في المدرسة، وهل يؤدي عمله وبأي شكل؟ وإذا كان لا يستطيع أداء عمله، فإن ذلك سيكون سببا جيدا في رفضه الذهاب إلى المدرسة. وهل هو(أو هي) اجتماعي؟… وتذكر أن معظم المدرسين يسعدون بتقديم تشجيع إضافي للطفل القلق، ويرحبون بفتح جسور التعاون مع الأسرة لأن ذلك يسهل لهم تأدية رسالتهم النبيلة..

ومزاج طفلك قد يكون له ارتباط وثيق بظروف المنزل، ذلك أن ما يحدث في البيت ينعكس على سلوك الطفل في المدرسة، فقد يسبب قدوم مولود جديد قلقا للطفل على مكانه في العائلة ويجلعه غير مستعد للخروج إلى المدرسة في رد فعل لجلب الانتباه والاهتمام الذي فقده من والديه خلال هذه الفترة..والطفل الذي افترق والداه بطلاق قد يكون عرضة لرهاب المدرسة بعد زيارة أحد والديه له.. وإذا كانت عطلة نهاية الأسبوع مليئة بنشاطات وإثارة لا تتوقف، فإن الطفل قد يكون متعبا وغير مستعد للتعامل مع روتين المدرسة…إلخ

ظروف المدرسة

من وقت لآخر قد تتسبب أوضاع معينة في  الفصل الدراسي في قلق الأطفال، فمثلا إذا كان هناك طفل مستأسد على طفلك فمن مسؤولية والدي الطفل الاطمئنان على سلامة ذلك الطفل..

وبدلا من الذهاب بنفسك إلى والدي الطفل المستأسد أخبر المدرس.. ومن المهم أن يرى طفلك بأن المدرسة يمكن أن تحل المشكلات الاجتماعية ولا توجدها فقط وهذا دور جمعية الأباء والأولياء من جهة والإدارة من جهة أولى..

وأحيانا يكون المدرس نفسه هو مصدر الخوف من المدرسة. فإذا اقتنعت من ذلك لا تهمل الأمر. حدد موعدا لزيارة المدرسة ولا تتردد في مقابلة مدير المدرسة..وحاول تفادي النظر إلى المدرس كخصم إذا كنت تود حل المشكلة..فلا بد أن هناك أسباباً وراء ما تراه من أوضاع..

وهنا نود الإشارة إلى بعض الأمور التي تفتقدها مدارسنا اليوم والمتمثلة في  عدم وجود مستشار تربوي، وطبيب نفساني، وباحث اجتماعي.. فغياب هؤلاء من المنظومة التعليمية يجعل  العملية التربوية تسير عرجاء ولا تستطيع أن تصل إلى  نتائج مرضية في المستقبل..لأن عملية التكوين والتنشئة لا تقتصر على تكديس المعلومات والأفكار بشكل آلي، وإنما المطلوب هو رعاية النشء ومتابعته بشكل متكامل  وذلك من الناحية النفسية والأخلاقية وغيرهما وهذا هو الذي يمكن أن يسمى عملية تربوية  تكوينية حقيقة..

خاتمة

مهما كان سبب رفض طفلك للمدرسة أو تبرمه منها، إلا انه من المؤكد أن بقاءه في المنزل لن يجدي. إن كل يوم يمضي ولا يذهب الطفل إلى المدرسة يضيف سببا آخر للقلق بشأن العودة، إذا رفض طفلك ترك المنزل، حافظ على هدوئك وافتح حوارا مع طفلك في الاتجاه البناء..ويمكن أن تحدثه على طفولتك، مثل قولك : ” أتعرف يا بني، أحيانا أنا لم أكن أحب المدرسة كذلك، فهي تجعلني اشمئز منها لكن إذا غبت يوميا أشعر بمضاعفة الحالة السيئة …” هذا نوع من الاستجابة- مع أنه تعاطفي- يجعل طفلك يشعر أن البقاء خارج حجرة الدرس ليس خيارا.. لكن كن حازما بشان واحد وأخبره به، وهو: كما أن للأب وظيفة، فإن الذهاب إلى المدرسة هي وظيفة الابن..

وتذكر أنه طالما أنك تعالج خوف طفلك أو تبرمه من المدرسة بكل عطف ولكن بحزم، فإنه سيبقى في المدرسة حتى وإن شعر بعدم الراحة، فتلك مسألة لم يتخلص منها كثير من الناس إلا بعد “التخرج” من المدرسة !!

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>